عرض مشاركة واحدة
قديم 20-12-08, 02:19 AM   #27
أم أسماء
جُهدٌ لا يُنسى
 
تاريخ التسجيل: 22-05-2007
المشاركات: 7,201
أم أسماء is on a distinguished road
افتراضي

الدرس الثاني والعشرون :بداية المرحلة الرابعة ـ دلالة السياق


بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا أكرم الأكرمين .
أيها الأحبة حياكم الله في روضة جديدة من رياض الجنة وكنا قد قطعنا سابقاً شوطاً في الكلام عن المراحل السبعة : فتكلمنا عن المرحلة الأولى وعن المرحلة الثانية وعن المرحلة الثالثة وبإذن الله في هذه الحلقة التي أسأل الله عز وجل أن يجعلها مباركة سنتكلم عن مرحلة مهمة بل هي غاية في الأهمية وهي المرحلة الرابعة التي تتعلق بدلالة السياق دلالة السباق واللحاق فكنا من قبل تكلمنا عن مسألة الكلمة في المرحلة الأولى ثم في الثانية تكلمنا عن حروف المعاني التي تربط بين هذه الكلمات ثم تكلمنا في المرحلة الثالثة عن الجمل التي تتكون من هذه الكلمات وهذه الحروف تكونت الجملة ثم تكونت الجمل هذه الجمل جميعاً كونت آية هذه الآية دخلت في سياق قبلها آيات وبعدها آيات فما تأثير دلالة السياق على هذه الآية ونقصد بالسياق السباق واللحاق أي ما يسبقها وما يلحق بها سيكون الكلام بإذن الله عز وجل في هذه المرحلة عن دلالة السياق.
قال أحد الطلبة :
بسم الله الرحمن الرحيم المرحلة الرابعة دلالة السياق من اللحاق والسباق في فهم كلام الله جل وعلا:
ودلالة السياق من الدلالات المهمة التي يكاد يطبق أهل التفسير على اعتبارها وقد نص على أهمية دلالة السياق وعلى اعتباره من أهم الدلالات التي ينبغي للمفسر أن يعتبرها جماعة من أهل العلم منهم مسلم بن يسار فقال إذا حدثت عن الله فقف حتى تنظر ما قبله وما بعده. ذكره بن كثير ومن التابعين سليمان بن يسار ممن صرح بدلالة السياق والأخذ بها وممن قال ذلك أيضاً صالح بن كيسان الإمام المشهور ومنهم بن جرير والعز بن عبد السلام وبن عطية صاحب المحرر الوجيز في التفسير وهو من أجود كتب التفسير والقرطبي رحمه الله في تفسيره وشيخ الإسلام بن تيمية في عدد كثير من المواطن في المجموع وغير ذلك كثير، وأيضاً بن القيم رحمه الله خصوصاً في كتاب التبيان في أقسام القرآن وهو من أجود كتبه رحمه الله كذلك أبو السعود في تفسيره وبن كثير وكذلك الراجي صاحب التفسير الكبير ومنهم الزركشي كما في كتابه البرهان ومنهم أيضاً بن جزي الكلبي وكذلك الآلوسي والشوكاني وصديق حسن خان وغيره من أهل العلم.
أجاب الشيخ :
نعم هؤلاء جميعاً أيها الأحبة هؤلاء جميعاً نصوا على أهمية دلالة السياق في فهم الآيات ، كل من وقفت على قولهم من أهل العلم فإنه يؤكد على أهمية دلالة السياق في فهم الآيات فإذا غاب عنك هذا المعنى فافهم أنك قد فقدت شيئاً عظيماً في فهم دلالة السياق المؤثرة جداً على معنى هذه الآية التي تنظر فيها فإذا نظرت في آية من الآيات لابد وأن تنظر فيما قبلها وما بعدها حتى تتبين المعنى الكامل لهذه الآية في ضمن الآيات جميعاً فإن الآية هذه لم تأتي منفردة هكذا مقطوعة مبتورة ليس لها علاقة بما قبلها وما بعدها وإنما جاءت في ضمن سياق محدد معين هي عبارة عن حلقة في سلسلة فإذا انقطعت هذه السلسلة ولم يبقى إلا حلقة واحدة عندئذٍ ينخرم المعنى ويضعف كثيراً فأرجوا أن تنتبه لهذا لأن كما ترى أكثرت من ذكر العلماء الذين قالوا بهذا الكلام لأجل أن تتقرر الحقيقة هذا الكلام ليس كلام واحد من أهل العلم أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة لو أراد الإنسان أن يجمع كلام أهل العلم في هذه المسألة في مسألة دلالة السياق لجمع بذلك مجلد كبيراً فقط في الإشارة بل والدلالة النصية على أهمية دلالة السياق في فهم الآيات فمن المتقدمين عدد من أهل العلم ومن المحققين عدد ومن المتأخرين عدد وممن صنف في هذا العصر أيضاً عدد كبير من أهل العلم كلهم يؤكدون على أهمية دلالة السياق في فهم الآية وسنضرب لك بإذن الله عز وجل أمثلة توضح هذا بجلاء، توضح أهمية فهم دلالة السياق في أثره في إدراك المعنى الكامل للآية .
قال أحد الطلبة :
ودلالة السياق إما أنها تخصص العام أو تقيد المطلق وفي مقابل ذلك تطلق المقيد أو تعمم الخاص أو أيضاً ترجح عند اختلاف المفسرين والأمثلة في هذا أكثر من أن تحصى ولو أن طالب علم تفرغ لها لجمع فيها شيئاً كثيراً. ومن أمثلة ذلك:
المثال الأول قوله سبحانه وتعالى في سورة النازعات: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى [النازعات: 15، 16]. إلى آخر الآيات فأنت حينما تقرأ هذه القصة في كتاب الله جل وعلا فإنك تعجب من موضعها فالسورة كلها من أولها لآخرها في النزع والموت ثم ما بعد الموت ثم الراجفة ثم الرادفة والحافرة ثم في قيام الطامة الكبرى فما علاقة قصة موسى عليه السلام بهذه السورة ؟
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك ما علاقة قصة موسى عليه السلام بهذه السورة؟
أنت تنظر سورة النازعات أصلاً سميت ماذا سميت النازعة الكلام كله عن النزع عن الموت عن القيامة عن الراجفة عن الرادفة عن الكفار إذا أنكروا البعث ما الدليل على إثبات هذا البعث وكل الآيات تتكلم عن الموت عن البعث عن ما يتعلق باليوم الآخر عن أهوال يوم القيام وثم في آخر السورة ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى[النازعات: 34-36]. فالكلام كله من أوله لآخره يتعلق بالموت والحشر وقيام الساعة فقصة موسى مع فرعون ما علاقتها بهذه الأحداث؟ ما علاقتها بالموت؟ وما علاقتها بالبعث؟ ما علاقتها بأهوال اليوم الآخر؟
هذا السؤال هنا وإذا أدركت هذه العلاقة بين هذه القصة وبين هذه السورة ستدرك عظمة هذا القرآن ستدرك بديع ما تفهمه من كتاب الله عز وجل إذا تأملت وتدبرت هذه الآيات العظيمة وستدرك أيضاً أن هناك من المعاني الكثيرة الجليلة غائبة عن ذهنك وبعيدة عن تأملك وتدبرك وسبب ذلك أن هناك انفصام كبير وقلة اهتمام فيما يتعلق بتفسير كتاب الله عز وجل وإلا كان في الأصل من المفروض أن مثل هذه القصة إذا جاءت في مثل هذا الموطن أن يسأل الإنسان نفسه لم تأتي مثل هذه القصة في مثل هذا السياق ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى[النازعات: 13-15]. ماالرابط بينهم هل هناك انفصال بين هذه الآيات وبين قصة موسى أم هناك رابط متكامل بين هذه الآيات وهذه القصة نعم هناك رابط يكمل بين هذه الآيات ما هو نسمع :
قرأ الطالب :
والذي لا يتأمل في دلالة هذا السياق يغيب عنه جداً هذا المعنى إذا تمر عليه قصة موسى عليه السلام وكأنها في أية سورة أخرى ذكر الله فيها هذه القصة وهذه غفلة عن دلالة السياق فإن الله لما قص هذه القصة في هذه السورة كان لابد أن يكون لها معنى خاص في هذا السياق وهذا المعنى الذي دل عليه السياق هو أن الله عز وجل لما ذكر تكذيب كفار أهل مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عنهم أنهم قالوا: ﴿ يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ *أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً *قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ *فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ *هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى [النازعات: 10-15]. فلما ذكر تكذيبهم وردهم لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن الساعة ثم أخبر عن قوته جل وعلا ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن تأمل هذه الآيات وتأمل السياق: الآيات تقول لك بعد أن ذكر الله عز وجل الموت وما يتعلق بالبعث يعني أخبر عنها خبراً ثم ذكر تكذيب هؤلاء الكفار لمحمد صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالبعث فقال سبحانه وتعالى حكاية عنهم، ﴿ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ *أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً *قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ يعني إذا حصل هذا فهذا خسران،﴿ قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ ﴾ فقال الله عز وجل: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ يعني إنما زجرة نفخة واحدة قوية زجرة نفخة فيها قوة ﴿فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾ كذبوا فعاد الرب سبحانه وتعالى لإثبات حقيقة البعث ثم أخبر الله سبحانه وتعالى عن قصة موسى فقال ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾ ما جزاء هؤلاء المكذبين؟ قال: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى فالرابط بينهما هنا أن هؤلاء المكذبين إن أصروا على تكذيبهم وعلى استبعادهم لقيام الأرواح بعد الموت وأنكروا البعث وأنكروا الحياة الآخرة فاتركهم ودعهم وذكرهم إن أرادوا أن يتذكروا بشيء قد سبق من أحوال الأمم السابقة وهو ما جرى لموسى مع قومه ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ يا محمد صلى الله عليه وسلم إن أنكر هؤلاء وكفروا وردوا ما أخبرت به ولم يؤمنوا بهذه المعجزة العظيمة التي جاءت مع محمد صلى الله عليه وسلم لا تكترث لهم كثيراً ولا تظن أنهم غلبوا في الأرض وأنهم على قوة يمتنعون فيها عن عذاب الله سبحانه وتعالى أبداً لكن ذكرهم بما جرى لموسى مع قومه ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ *فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ فإن أنكروا ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ ماالذي جرى مع موسى وقومه ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [النازعات: 15-17]. إلى آخر هذه الآيات فهو تذكير لما جرى مع موسى وقومه والذي جرى مع موسى وقومه قص الله عز وجل في هذه السورة وتأمل ما قص لأن قصة موسى واسعة طويلة مكررة في كتاب الله عز وجل لم يذكر منها الله سبحانه وتعالى في هذا الموطن إلا ما يناسب هذه السورة وفقط وهو ذكر جزاء هؤلاء الكافرين المعاندين الذين أبوا دعوة موسى عليه السلام ذكر الله خبرهم بدءاً ثم ذكر جزاءهم ذكر خبرهم في تكذيبهم ثم ذكر جزاءهم وكأنه يشير إلى هؤلاء القوم أنكم إذا كذبتهم وأنكرتم الحافرة وزعمتم أنه ليس هناك زجرة وليس هناك ساهرة فإن جزاءكم سيكون كجزاء قوم موسى حين كذبوا موسى عليه السلام .
قال أحد الطلبة :
قال سبحانه وتعالى : ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى﴾ أي إن لم يؤمن هؤلاء الكفار بالبعث والنشور ولم يصدقك يا رسول الله بما أخبرت به فدعهم فإن مصيرهم كمصير قوم موسى ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى﴾ ويدل على ذلك قوله جل وعلا: ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى[النازعات: 25]. وذلك لأن كلمة "نكال" إنما تطلق في اللغة على التعذيب والتأديب الذي يكون فيه عبرة للغير لأن النكال في أصل اللغة يدل إنما هو الرجوع يقول نكلت عن كذا أي رجعت عنه فأخذ الله عز وجل فرعون وقومه أخذة يكونوا فيها عبرة وعظة لمن جاء بعده إن كانوا يعقلوا ، فذكَّر الله أهل مكة بما جرى لفرعون وقومه تهديداً لهم بأنهم إن كذبوا محمداً كما كذب فرعون وقومه موسى عليه السلام فإن مصيرهم كمصير أولئك .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك واضح الآن وجه الرابط هذه القصة جاءت كما ذكرت لك إنما ذكر فيها ما يناسب السياق ومن أنسب ما يكون لهذا السياق هو ما ذكره الله عز وجل في قصة موسى من قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى﴾ فذكر هذا النكال أن الله عز وجل أخذه نكالاً والنكال إنما هو العذاب الذي يقع على إنسان من هؤلاء الناس يقع عليه عذاب ويكون فيه عبرة لغيره وهذه العبرة تكون سبباً في رد غيره عن سلوك طريقه ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ﴾ هنا ليس المقصود النكال الذي هو العذاب المجرد لا وكان بالإمكان استخدام هذه الكلمة كلمة العذاب ولكن المراد هنا ان هذا الذي وقع من الله سبحانه وتعالى في تعذيبه لقوم موسى عبارة عن أمر شديد عظيم حتى أنه بلغ من عظمته وشدته أنه أصبح نكالاً وعبرة لغيرهم أن يسلكوا طريقهم فكل من أراد أن يسلك طريقهم ودربهم وما فعلوه مع نبيهم عليه السلام فإنه ينكل ويرجع ويعود لأنه رأى ما حل بهم فالله سبحانه وتعالى يذكر هؤلاء بالنكال الذي وقع على قوم موسى عليه السلام لكي ينكلهم عن طريقهم ويعودوا عن تكذيبهم كما كذب أولئك وإن أصروا فإن مصيرهم كمصير أولئك القوم لذا عادت الآيات بعد ذلك للتذكير بأمور الآخرة والسماء الدنيا وما خلق الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا لهم ثم بعد ذلك جاء الكلام عن أهوال يوم القيامة.
قال أحد الطلبة :
هذا هو المعنى الذي دل عليه السياق وهو معنى زائد عن دلالة الآيات بمفردها ولكن السياق دل على هذا المعنى بوضوح وهذا النوع من الدلالة هو من الدلالة على أمر زائد على دلالة اللفظ وهذا أحد أنواع دلالات السياق أن يدل السياق على شيء جديد لم يدل عليه اللفظ .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك نعم هذا هو المقصود وتأمل الآيات في قصة موسى ستجد هذا واضحاً بيناً وخصوصاً في آخرها ﴿ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى[النازعات: 25، 26]. يعني إن كنتم تخشون ففي ذلك عبرة لكم يأهل مكة ويا من أنكر بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من قيام البعث بعد الموت نأخذ المثال الثاني .
قال أحد الطلبة :
المثال الثاني في سورة الصف قوله تعالى ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[الصف: 5]. من المتقرر أن سورة الصف من أولها إلى آخرها في الجهاد فقص الله تعالى قصة موسى عليه السلام والذي يظهر أنها ليست لها علاقة بالجهاد ولكن دلالة السياق لها دلالة هنا لابد أن تظهر وإلا يكون الكلام منقطعاً بعضه عن بعض وهذا لا يَرِدُ في كتاب تعالى.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك نعم هذا المثال نريد منه أيضاً أن نقرر دلالة السياق وأثر هذه الدلالة في فهم الآية بنفسها فهذه الآية مرت وذكرت ضمن آيات وهي في سورة تتكلم عن الجهاد وفيها أن موسى عليه السلام يقول: ﴿يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾. لو أردت أن أخذ هذه الآيات بمجردها بمفردها لَفهمت فهماً أن موسى يشتكي إلى الله عز وجل من حال قومه ويخاطب قومه فيقول لم تؤذونني وأنتم تعلمون أني رسول حق من عند الله سبحانه وتعالى فهذا الفهم لهذه الآية بهذه السورة المجردة فقط يعطيك جزء من المعنى فقط ، أما كامل المعنى الذي جيء بالآية في هذه السورة من أجله لن يتبين لك مطلقاً يعني لو سئِلت لما جاءت هذه الآية في هذه السورة ما الجواب نعم أنا فهمت دلالة الآية بمفردها وهذا ظاهر ولكن ما دلالة هذه الآية في السورة بكاملها وما علاقة هذه الآية بما قبلها وما بعدها هل هناك انقطاع كامل بين هذه الآية وبين ما سبق وبين ما لحق لا وإنما هناك اتصال وتكامل بين هذه الآيات في الدلالة على المراد وهذا التكامل يظهر لك عند النظر في حال هذه السورة وفي قصة موسى عليه السلام.
السورة كما ذكرنا لك في الجهاد بدليل أن الله عز وجل قد حكى في أولها : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ[الصف: 4]. وكذلك بالنسبة لآخر السورة : ﴿ يأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ[الصف: 10، 11]. فالكلام إذن عن الجهاد في أول السورة وفي آخرها فكيف نربط بين هذه الآية وبين ما تقدم وبين ما تأخر هذا ما سنتكلم عنه بإذن الله جل وعلا.

فـاصـــــــــــــل تليفـزيـونـــــــــــــــــــــي

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين حياكم الله مرة أخرى في روضة من رياض الجنة .
كنا نتكلم عن هذه الآية وعن علاقتها بالسورة بما تقدم وما تأخر وأريد أن أؤكد على قضية وهو أن فهم الآية بمجردها هذا يلغي كثيراً من المعنى يعني عندما تتبين في هذه السورة وفي دلالة هذه السورة وفي السياق الذي جاء الكلام عنه ومن أجله في هذه السورة :عدم الربط بين الآيات يلغي كثيراً من هذا المعنى وهذا لا يناسب ابداً في كتاب الله سبحانه وتعالى لا يناسب ابداً أن تقول بأن هذه الآية جاءت في الكلام عن قصة موسى وقصة عيسى عليهما السلام وانتهى الأمر ما علاقة ما تقدم وما تأخر هذا لا يكون حتى في الكلام العربي الفصيح لا يكون حتى في الكلام العربي الذي تتناقله أو تأخذه عن عربي فصيح اما شعراً أو نثراً أو نحو ذلك فكيف إذا كان الكلام عن كتاب الله عز وجل وكان النظر في كلام الله سبحانه وتعالى في هذا القرآن المعجز في كل أحواله ومن أحواله في الإعجاز الإعجاز في البيان والفصاحة والقوة في إيراد المعنى المراد على أكمل وجه من دون أن يكون هناك شيء من الضعف وشيء من الانقطاع في دلالة المعاني هذا لا يكون أبداً في كلام الله سبحانه وتعالى وإنما يكون في أفهامنا نحن إنما يكون لقصور في ادراكاتنا أما في كلام الله عز وجل فثق ثقة كاملة أن هذا لا يمكن أن يكون في كلام الله سبحانه وتعالى في هذا القرآن العظيم الذي هو أعظم ما نزل الله سبحانه وتعالى على عبدٍ من عباده فإذاً لنأخذ في هذه الآية ونحاول أن نقف على سر إراد هذه الآية والآية التي تليها في هذا السياق فالسياق في شأن وهذه القصة في ظاهرها في شأن فما سر الجمع بينهما ؟هذا من نريد أن نقف عليه.
قال أحد الطلبة :
فعند تأمل قوله تعالى : ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي﴾ تجد في هذا إشارة إلى قصة موسى عليه السلام في سورة المائدة قوله تعالى: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ[المائدة: 21]. إلى قوله : ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[المائدة: 24]. فأشارت الآيات إلى نوع من أذى قوم موسى له وهو التخلي عنه في موضع الجهاد حيث خذلوه في اشد المواقف الذي هو في أشد حاجة إليهم فلما ذكرت الآية هذه القصة من موسى وقومه أرادت أن تذكر امة محمد أن لا يقولوا له كما قال قوم موسى له ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ﴾.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن عندما تنظر في قوم موسى مع موسى عليه السلام ماذا كان جواب قوم موسى لموسى عندما دعاهم للجهاد ؟
موسى دعاهم للجهاد قد أخبر الله عز وجل عن ذلك في سورة المائدة دعاهم إلى الجهاد فقال لهم: ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ[المائدة: 21]. فدعاهم إلى الجهاد دعاهم أن يدخلوا الأرض المقدسة أن يقوموا إلى الجهاد في سبيل الله وان يدخلو الأرض المقدسة وأن الله سبحانه وتعالى سيفتح لهم هذه الأرض المقدسة ماذا كان جواب قوم موسى لموسى عليه السلام : ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾. موقف في غاية الخزي في غاية الخسة قلة المروءة فضلاً أن يكون هناك دين وفضلاً أن يكون هناك طمع في ما عند الله عز وجل في الآخرة لوكان هؤلاء الناس لهم طمع في المروءة فقط لو كان لهم طمع في مكارم الأخلاق لما قالوا هذا الكلام فكيف والأمر أعظم من هذا بكثير الذي يأمرهم هو الآن نبي من الأنبياء بل من أولي العزم من الرسل فيقول لهم : ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ فيأتونه بهذا الجواب الذي هو في غاية اللؤم يقولون لنبيهم عليه السلام ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ﴾. هذا الجواب يقولونه لقائد لهم فضلاً أن يقوله قوم لنبيهم عليه السلام فالله عز وجل اراد أن يذكر أتباع محمد صلى الله عليه وسلم حين أمرهم بالقتال وذلك أن سورة الصف تنزلت في أوائل الأمر بالجهاد فجاءت هذه الآيات في أوائل السنة الثانية من الهجرة في بداية القتال والجهاد وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بدأ كما تعلمون الغزوات بالمهاجرين بدءاً ثم شيئاً فشيئاً حتى وقعت موقعة بدر الكبرى فتنزلت هذه السورة في هذا الحين حتى تنبه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن لا تقول لمحمد صلى الله عليه وسلم كما قال اليهود عليهم من الله اللعنة والغضب كما قالوا لنبيهم موسى عليه السلام فلا يقول لنبيهم محمد : ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَ﴾ وإنما يقولا له قولاً يليق بمقامه صلى الله عليه وسلم فكان هذا كان أن تنبه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الأمر وإلى هذا التحذير والوعيد الشديد الذي حصل ووقع لبني إسرائيل بسبب معصيتهم لنبيهم موسى عليه السلام فاستجابوا لأمر محمد صلى الله عليه وسلم وقاموا إلى داعي الجهاد وقالوا كلمات عظيمة جليلة ما زال التاريخ يحفظها في مقابل مقولة أولئك القوم لنبيهم قبحهم الله.
قال أحد الطلبة :
وإنما يقولون كما قال المقداد بن الأسود "إنا لا نقول كما قال قوم موسى ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ ﴾ وإنما نقول اذهب انت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون" .
لذلك فقد جاءت إشارة لهذا المعنى في أول السورة : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ[الصف:2] وأن الذي يقول ما لا يفعل يكون مصيره مصير موسى وقومه.
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك وهذا الذي نريد أن نصل إليه والآن سأبين لك أمر فيما يتعلق بسورة الصف واربطه بما تقدم من الكلام سورة الصف ما السبب في نزولها ما السبب في نزول سورة الصف؟ ذكر الترمذي رحمه الله في سننه وكذلك غيره أن سبب نزول سورة الصف أن عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان منهم عبد الله بن سلام رضي الله عنه جلسوا مجلساً في المدينة فقالوا: لِنسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل العمل فلما اجتمعوا على هذا كأنهم يريدون الجهاد فذهبوا إليه صلوات ربي وسلامه عليه فسألوه فأنزل الله عز وجل الأمر بالجهاد أنزل فرضية الجهاد فلما علموا أن الذي فرض عليهم والذي سألوا عنه كان سبباً في وجوب الجهاد عليهم كأنهم شعروا بأنهم قد استعجلوا أمراً كان لهم فيه أناه فهم الآن يشعرون بأنهم لم يستعدوا استعداداً كاملاً للجهاد وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل العمل في هذا الحين فتنزل الأمر بالجهاد عليهم فشعروا من أنفسهم ضعفاً عن القيام بواجب الجهاد فكأنهم ترددوا في الأمر فأنزل الله عز وجل هذه الآية مباشرة على هؤلاء الصحابة الذين سألوا عن أفضل العمل فأجيبوا بالجهاد في مثل هذا الحين أن أفضل العمل في مثل هذه الأوقات هو الجهاد فتنزل عليهم الأمر بالجهاد فلما ترددوا وتلكؤوا بعد أن كان هم السبب في طلب أفضل العمل وفي سبب فرضية الجهاد على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزلت عليهم هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ﴾ قبل السؤال وقبل الفرض كان الأمر فيه سعة لما سألتهم ونزل الفرض اختلف الأمر فليس لكم الآن أن تنكصوا وتتراجعوا قد فرض الجهاد فتنزل قول الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ . تطلبون الجهاد وتريدونه ثم لم فرض تتراجعون تتلكأون لا ليس لكم هذا ﴿ كَبُرَ مَقْتًا﴾ المقت هو شدة الغضب ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ[الصف: 3] . انظر كيف تغير الأمر كان في البدء سؤال عن أفضل الأعمال فنزل عليهم فرض الجهاد فلما تلكئوا تغير الأمر نزل وانتهى نزل الفرض من الله سبحانه وتعالى والإجابة فنزلت : ﴿ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ أن تقولوا قولاً ثم لا تفعلون بموجب هذا القول وهذا الحديث قد حكم عليه الترمذي حسن صحيح وكذلك ممن صححه شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله والحديث صحيح إسناده صحيح ذكرت لك من حكم بالصحة عليه من أهل العلم إذاً هذا الكلام من مبدأه إلى نهايته في الجهاد وفي النكول عن الجهاد بعد فرضيته وهذا الذي حذر الله منه عز وجل قوم محمد صلى الله عليه وسلم ممن آمنوا به أن يقعوا في ما وقع فيه قوم موسى بعد أن آمنوا به عليه السلام واضح بين الآن كيف جاءت هذه القصة في هذا السياق في هذه السورة .
قال أحد الطلبة :
المثال الثالث :اختلف السلف رحمهم الله تعالى في المراد بقول الله تعالى : ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ[التكوير: 15، 16]. في سورة التكوير:
- فمنهم من قال هي الكواكب والنجوم جاء ذلك عن علي وابن عباس رضي الله عنهما واختاره جماعة من السلف .
-ثانياً: قالوا المراد بالخنس والجواري الكنس البقر الوحشي والضباع التي تكون في الصحاري والبراري فإنها تخنس إذا رأت الانسان والخنوس هو الاختباء والاختفاء مع تأخر .
والكنس أي أنها تكنس وتعود أي أنها ترجع إلى أماكنها التي تسمى الكناسة
أجاب الشيخ :
والكناسة تطلق على المكان الذي يعود إليه من يختبيء فالكناسة مكان يخفى فيه الشيء يختبيء فيه الانسان يختبيء فيه الحيوان يخفى فيه أي أمر كان لحاجة من الحاجات
أكمل الطالب :
وتعود إلى أماكنها الكناسة هي المكان الذي يبيت فيه الحيوان ونحوه جاء ذلك عن جماعة من السلف مجاهد وإبراهيم النخعي .
ومن المرجحات التي ترجح القول الأول دلالة السياق فإن السورة من أولها جاءت بذكر الكواكب والنجوم والصبح والليل فكان أولى بالذكر بعد هذه الكواكب هو ما يناسبها من أحوال بقية الكواكب الأخرى لذلك كان أظهر في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ هي الكواكب التي تخنس وتختفي وتتأخر حيناً وتجري في حين آخر في وقت الليل ثم تكنس فتبيت قليلاً في مكان لا يعلمه إلا الله عز وجل ثم تعود إلى شريانها وخلوصها .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن لو تأملت في كلام المفسرين في قوله سبحانه وتعالى ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ تجد أن هناك من يقول أن هذه الجواري وهذه الأشياء التي تخنس منهم من يقول أنها النجوم والكواكب ومنهم من يقول أنها البقار والضباع ونحو ذلك لأنها هذه كما أنها تخنس هذه الكواكب و نحوها والنجوم فكذلك هذه تخنس لأنها إذا اشتد عليها الحر واحتاجت إلى الراحة فإنها تدخل من مكانها التي هي فيه وتذهب إلى أماكن تناسبها فتبيت فيها فاختلف المفسرون في هذه الآية هل المراد الكواكب والنجوم أو المراد البقر الوحشي والضباع وما في معناها ما الذي يرجح هذا من ذاك؟
-يرجحه السياق .
ماذا يرجح السياق؟
-يرجح أن المعنى الأول هو الأظهر وهو أن المراد الكواكب والنجوم والدليل أن السورة في أولها ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ *[التكوير: 1، 2]. فالكلام كله عن الكواكب وعن النجوم وعن السماء ...وإذا جاء كلام بعد هذا يحتمل هذا أو ذاك فإن قرينة السياق تدل على أن المراد هي الكواكب والنجوم وما في معناها واضح الآن الترجيح بدلالة السياق.
قال أحد الطلبة :
المثال الرابع من سورة الماعون قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ[الماعون: 1، 2]. فدلالة السياق أن هذه الصفات ليست من صفات أهل الإيمان بل هي من صفات الكافرين المكذبين فلا يمكن أن مؤمناً كامل الإيمان وهو يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فدلالة السياق هي التي تظهر المعنى الكلي .
أجاب الشيخ :
أحسنت بارك الله فيك الآن تأمل في سورة الماعون وقد تكلمت إشارة في هذا السورة فيما تقدم والآن نريد أن نقف قليلا معها بشكل أوضح وأكمل.
الآن هذه السورة أولاً هل هي من آواخر ما نزل على محمد صلى الله عليه وسلم أو من أوائل ما نزل ؟ من أوائل ما نزل سورة مكية ونزلت في أوئل البعثة هذه السورة بما تأمر وعن ماذا تنهى ؟
السورة في أولها يقول الله سبحانه وتعالى فيها : ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ *وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ عندما تريد أن تفسر هذه السورة تفسيراً فيه فهم جزئي للآيات فعندئذٍ ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ أي أن هذا الذي يكذب بالدين ايضاً كذلك ﴿يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ ونحو ذلك لكن هذا الفهم لهذه السورة وهو الذي يقع في قلوب كثير من الناس وللأسف الشديد عندما يسمع هذه السورة لا يعرض في باله أن الله عز وجل قرن بين أمور عظيمة جليلة كبيرة الشأن جداً الآن.
لو تأملت الاقتران الذي جعله الله عز وجل بين هذه الآيات لهذه السورة لظهر لك معنى جلي معنى واضح لابد أن تقف عليه لابد أن تتأمله كثيراً خصوصاً وأن هذه السورة نزلت من أوائل ما نزل فمعناها أنك لابد أن تخاطب نفسك هل أنت قد فعلت بمضمون هذه السورة أو ان المسألة غائبة عنك أنت الآن في نفسك أنك مسلم وأنك ولله الحمد حافظت على أصول دينك وأنك فعلت كثيراً من الواجبات وتركت كثيراً من المنهيات هل هذا حق أو ليس بحق؟ هل هذا من جهة الواقع واقع نفسك أنت واقع هذه النفس هل هو كما تقول أنت الآن عن نفسك بأنك والله قد فعلت ما ينبغي وتركت ما لا ينبغي؟
تأمل هذه السورة وانظر في نفسك هذه السورة من أوائل ما نزل، فالرسول صلى الله عليه وسلم أُمِر بها وأَمَر بها من معه من أمته من أجل أن يلتفتوا في هذا الشأن هل طبقوه حقاً أم انهم قد أهملوه وإن كانوا أهملوا فلينظر الانسان في نفسه فقد أخل بشيء يجب عليه أن يأتي به من أوائل ما يجب في أوائل تربيته لنفسه وفي أوائل تزكيته لها وفي اوئل وقوفه مع هذه النفس في ترقيتها إلى الله عز وجل أما ان يؤخر هذا الأمر إلى سنوات قادمة فليس بصحيح أنت في الحقيقة قد تجاوزت هذه السورة فإن لم تفعل بمضمونها يجب عليك الآن أن تعود إلى الوراء لتعود إلى حد السورة وتقف معها قليلاً فما الذي يأمر به الله عز وجل في هذه السورة يقول: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾ ما صفته ﴿فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ ذكرنا قبل أن هذه الفاء فاء الفصيحة معناه تفصح عن شيء محذوف والمحذوف هنا شرط مقدم معنى الكلام: أرأيت الذي يكذب بالدين فمن كان هذا حاله فإن صفته إنه يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين ، إذاً قف قليلاً مع هذه الآيات ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾ اي أن من صفة الذي يكذب بالدين أنه يدع اليتيم وأيضاً ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ سبحان الله مجرد عدم الحض معناه أن الانسان قد تلبس بصفة هي من صفات الذين يكذبون بيوم الدين فالذي يكذب بيوم الدين في حقيقته هو الذي يتصف بهذه الصفات أما من كان لا يكذب بيوم الدين وكان من المؤمنين بهذا اليوم فهو أبداً لا يكون ممن يدع اليتيم ولا يكون ممن لا يحض على طعام المسكين انظر النهي مجرد أنه فقط لا يحض فلو كان أيضاً يحسن إلى المسكين لكن لا يحض الناس هذا قد وقع في صفة منكرة من صفات الذي يكذب بالدين وكذلك ما بعدها من الآيات : ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾أيضاً هذه من صفات الذين يكذبون بيوم الدين ﴿الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ إلى أن قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [سورة الماعون] . يمنع الماعون يعني القلم الذي معك تمنع وأنت لا تحتاج إليه قد تقع في صفة من صفات الذين يكذبون بيوم الدين نقف عند هذا الحد ونكمل بإذن الله عز وجل في حلقات قادمة.
نسأل الله عز وجل أن يرزقني وإياكم علماً نافعاً وعملاً صالحاً وأن يجمعنا في مستقر رحمته وأن يجعلنا جميعاً من أهل جنته.
اللهم بمنك وكرمك وجودك اجمعنا في الفردوس الأعلى من الجنة يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله عليه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .



توقيع أم أسماء
قال ابن القيم رحمه الله:
(القلب يمرض كما يمرض البدن، وشفاؤه في التوبة والحمية
ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر
ويعرى كما يعرى الجسم وزينته التقوى
ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة)

التعديل الأخير تم بواسطة أم أسماء ; 10-01-09 الساعة 12:36 AM
أم أسماء غير متواجد حالياً