لو قرأ الانسان هكذا لظن ان السعي جائز وليس بحرام , لقوله : لا جناح عليهم , لكن الصحابة يعرفون ان السبب في ذلك ان الناس كانوا يتحرجون من الطواف بينهما فنزلت الآية , اذن كان لنزول القرآن في عصرهم له أثر في معرفة المراد , ولانهم بعد الانبياء اصدق الناس في طلب الحق , لو سالك سائل : من اصدق الناس في طلب الحق بعد الانبياء ؟ لقلت الصحابة .
لهذا كان يرجع الواحد منهم لو كان اكبر واحد في المجتمع يرجع الى قول امرأة او قول صبي .
كان انس من الانصار يلومون الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على كون جاز لعبد الله بن عباس وهو صغير ان يحضر مجالس الكبار ,فجمعهم ذات يوم وسألهم ما تقولون في قوله تعالى :
-( إذا جاء نصر الله والفتح )- [النصر/1]
-( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا )- [النصر/2]
-( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا )- [النصر/3]
قالوا : نقول ان الله يأمر نبيه اذا جاء النصر والفتح ان يسبح بحمده ويستغفره .
فقال : ما تقول يا ابن عباس ؟
قال : اقول ان هذا نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم , يعني االاشعار بقرب أجله .
قال عمر : والله ما فهمت منها الا ما فهمت .
اذن هو رجع الى قول ابن عباس
اذن الصحابة هم أشد الناس قبولا للحق وان كان من صغير , ولانهم أسلمهم من الاهواء
وأطهرهم من المخالفات التي تحول بين المرء وبين التوفيق للصواب , اي مخالفات امر الله , لان المعاصي تحول بين الانسان وبين التوفيق للصواب , اللهم إنا نستغفرك , والدليل على هذا :
قوله تعالى :
-( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين )- [المائدة/13]
اذن جمعوا بين التحريف فيما يعلموه وبين النسيان لما كانوا يعلموه من قبل
لماذا ؟
لانهم نقضوا الميثاق
وقال تعالى :
-( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما )- [النساء/105]
-( واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما )- [النساء/106]
قال بعض اهل العلم , اذا نزلت بك نازلة فقدم بين يدي حلها الاستغفار , لان المعاصي تحول بين الانسان وبين الحق والتوفيق للصواب , ويدل على هذا ايضا
-( إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين )- [المطففين/13]
-( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون )- [المطففين/14]
هذا الرجل لم يصل حلاوة القرآن الى قلبه , بل قال ان هذا اساطير الاولين , بين الله السبب , ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون فلم يقدروا القرآن حق قدره .
قال تعالى :
-( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون )- [المائدة/6] ]
فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما ,انه فسر الملامسة بالجماع , وبعض العلماء فسر الملامسة هي اللمس باليد , فاذا نأخذ بقول ابن عباس , ونقول المراد بالملامسة الجماع , وكما انه قول ابن عباس فيؤيده سياق الآية , الآية فيها ذكر الطهارتين الاصلية(فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا) والبدنية(فتيمموا صعيدا طيبا)
والكبرى والصغرى
وفيها ذكر الحدثين الاصغر(او جاء أحد منكم من الغائط ) والاكبر( او لامستم النساء ) .
وهذا قوة البلاغة , ولهذا كان القول الراجح والمتعين ان المراد بالملامسة هو الجماع ,
د- كلام التابعين الذين اعتنوا بأخذ التفسير عن الصحابة رضي الله عنهم ، لأن التابعين خير الناس بعد الصحابة ، وأسلم من الأهواء ممن بعدهم . ولم تكن اللغة العربية تغيرت كثيرا في عصرهم ، فكانوا أقرب إلى الصواب في فهم القرآن ممن بعدهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيميه (7) : إذا أجمعوا - يعني التابعين - على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة ، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم ، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن ، أو السنة ، أو عموم لغة العرب ، أو أقوال الصحابة في ذلك .
وقال أيضا : من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك ، كان مخطئا في ذلك ، بل مبتدعا ، وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤة ، ثم قال : فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم ، فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعا
شرح الشيخ :
التابعين خير الناس بعد الصحابة ، وأسلم من الأهواء ممن بعدهم . ولم تكن اللغة العربية تغيرت كثيرا في عصرهم ، فكانوا أقرب إلى الصواب في فهم القرآن ممن بعدهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيميه (7) : إذا أجمعوا - يعني التابعين - على الشيء فلا يرتاب في كونه حجة ، فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حجة على بعض ولا على من بعدهم ، ويرجع في ذلك إلى لغة القرآن ، أو السنة ، أو عموم لغة العرب ، أو أقوال الصحابة في ذلك
ذكر ذلك في رسالة له ( مقدمة التفسير ) وهي رسالة مختصرة مفيدة جدا ينبغي لطالب التفسير ان يرجع اليها
وقال أيضا : من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك ، كان مخطئا في ذلك ، بل مبتدعا ، وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤة ، ثم قال : فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم ، فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعا
اذن المرجع بعد الصحابة هو أقوال التابعين .
المتن :
هـ - ما تقتضيه الكلمات من المعاني الشرعية أو اللغوية حسب السياق لقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ )(النساء: الآية 105) وقوله : (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الزخرف:3) وقوله : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ )(ابراهيم: الآية 4) .
فإن اختلف المعنى الشرعي واللغوي ، أخذ بما يقتضيه الشرعي ، لأن القرآن نزل لبيان الشرع ، لا لبيان اللغة إلا أن يكون هناك دليل يترجح به المعنى اللغوي فيؤخذ به .
مثال ما اختلف فيه المعنيان ، وقدم الشرعي : قوله تعالى في المنافقين : (وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً )(التوبة: الآية 84) فالصلاة في اللغة الدعاء ، وفي الشرع هنا الوقوف على الميت للدعاء له بصفة مخصوصة فيقدم المعنى الشرعي ، لأنه المقصود للمتكلم المعهود للمخاطب ، وأما منع الدعاء لهم على وجه الإطلاق فمن دليل آخر .
ومثال ما اختلف فيه المعنيان ، وقدم فيه اللغوي بالدليل : قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)(التوبة: الآية 103) فالمراد بالصلاة هنا الدعاء ، وبدليل ما رواه مسلم (8) عن عبد الله بن أبي أوفي ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بصدقة قوم ، صلى عليهم ، فأتاه أبي بصدقته فقال : " اللهم صل على آل أبي أوفي " .
وأمثلة ما اتفق فيه المعنيان الشرعي واللغوي كثيرة : كالسماء والأرض والصدق والكذب والحجر والإنسان
شرح الشيخ :
اذن تفسير القرآن بما تقتضيه اللغة , او بما يقتضيه الشرع
اذا اتفق الشرع واللغة فالامر واضح , وان اختلفا نقدم الشرع لان القرآن نزل لبيان الشرع لا لبيان اللغة الا ان يكون هناك دليل يترجح به المعنى اللغوي فيؤخذ به ,
مثال ما اختلف فيه المعنيان وقدم الشرعي :
قال تعالى:
-( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا )- [التوبة/84]
الصلاة لغة هي الدعاء
شرعا : هنا , قوله هنا احترازا من الصلاة على غير جنازة فان لها معنى شرعيا غير هذا وفي الشرع هنا : الوقوف على الميت بالدعاء له بصفة مخصوصة
كيف الصلاة ؟
يقف المصلي عند راس الرجل وعندعجيزة المرأة ( هكذا جاء في السنة ) ولا فرق بين ان يكون الراس من الجانب الايمن او من الجانب الايسر , واما ما يظنه بعض العوام الآن انه لا بد ان يكون الراس من الجانب الايسر فهذا لا صحة له , بل لو اردنا ان نرجع الى عموم الميت لقنا يجب ان يكون الراس عن اليمين , لانه في القبر يكون الراس عن اليمين , لكن الامر واسع في هذا .
اذن قوله ( لا تصل على احد منهم مات ابدا )
هل المعنى لا تدعو لهم ؟
لا , لا تقوم عليه مصليا بالصفة المخصوصة , يقدم المعنى الشرعي لانه المقصود للمتكلم , واما منع الدعاء لهم على وجه الاطلاق فله دليل آخر , اي للكفار , ماهو ؟
الدليل قوله تعالى :
-( ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم )- [التوبة/113]
من السنة :
استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أعظم الناس جاها عند الله وأكرمهم عند الله - استأذن ربه ان يستغفر لأمه , فلم يأذن له , فاستأذنه ان يزور قبرها فأذن له , فزاره مرة واحدة ومعه من اصحابه من كان معه , وبكى عليه الصلاة والسلام , وأخبر انه بكى رحمة بأمه لانها من اهل النار , ومعلوم ان حنان الرحم والقربى لا شك ان الانسان يبكي ان فات امه او اباه الاسلام , فبكى الصحابة معه .
لكن هل وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرها يدعو لها ؟
لا ابدا لم يقف لهذا لانه عليه الصلاة والسلام هو أشد الناس امتثالا لربه عز وجل , عبد الله ورسوله , لكنه زار القبر فقط وبكى رحمة لامه من النار .
وهل شفع لها او لابيه ؟
لا ابدا , جاءه رجل يقول : يا رسول الله أين أبي ؟
فقال : ابوك في النار , ثم ناداه فقال : ابي وابوك في النار .
حتى يسليه , ولا يمكن ان يكون الرسول قد قال هذا كذبا لاجل تسلية الرجل , بل نحن نشهد بما اخبر به الرسول عليه الصلاة والسلام بان اباه في النار ,
-( إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )- [الحجرات/13]
ابو طالب , قال النبي له : لاستغفرن لك ما لم أنه عنك .
فنهاه الله , لكن هل أذن له أن يشفع فيه ؟ نعم أذن له ان يشفع فيه , فكان في ضحضاح من نار عليه نعلان يغلي منهما دماغه , اعوذ بالله , خفف عنه .
فاذا قال قائل : لماذا أذن له ان يشفع في عمه دون أبيه ؟وأيهما أحق ؟
الاب أحق . لا شك , لكن الله عز وجل لا يقرب احد عنده من نسب بل ان اكرمكم عند الله اتقاكم
اذن له ان يشفع لعمه لان عمه نصره , ودافع عنه وحصر معه في الشعاب وصبر على أذى قريش واعلن في قصائده المشهورة ان الرسول حق , قال
ولقد علمت ان دين محمد من خير اديان البرية دينا
لولا الملامة واحضار المسبة لرأتني سمحا بذلك مبينا
وقال
ولقد علموا ان ابننا لا مكذب لدينا ولا يعنى بقول الاباطل
سبحان الله اذنفهو صادق , هذا الكلام حصل له من الذود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه وحمايته , لهذا أذن الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ان يشفع لعمه شفاعة ليست لاخراجه من النار , وانما لتخفيف العذاب عنه لانه ذب عن دين الاسلام وعن رسول الله عليه الصلاة والسلام , وليس لانه عم الرسول , عم الرسول الثاني ابو لهب انزل الله فيه آيه نتقرب الى الله تعالى بتلاوتها , وتقرأ في الصلوات , لانه ما فيه خير ولا نصر رسول الله بل قام ضد دعوته .
فالمهم نحن اطلنا في هذا ليتبين ان الامر هو امر الله , وان الله لا ينظر الى الانساب ولا الى القرابات , وكفى بذلك عزا وسلطانا لرب العالمين ان يكون ابن الكافر نبيه , ابراهيم عليه الصلاة والسلام ابوه كافر , حتى النبي لما امره بالتغيير قال له : ان لم تنته لارجمنك بالحجارة , وانا اعجب من بعض الناس من يقول ان هذا عم ابراهيم عليه السلام وليس اباه , لان العم يطلق عليه اب كما في قوله تعالى :
-( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون )- [يوسف/38]
وهم اسحاق ويعقوب اعمامه , نقول نعم اذا كان عن طريق الاشتراك لا باس
لكن اما ان يسنى العم ابا ويصرح به , فهذا كذب على اللغة العربية , وما يهمنا نحن اذا كان ابا محمد او ابا ابراهيم كافرا هل يهمنا شي ؟ هل يضر الرسول شيئا , بل هو مما يدل على عظمة الله انه يخرج اصبياء الخلق من اراذل الخلق , في الكفر , لكن الحمد لله مسألة الخنا والاخلاق السافلة , هذا لا يوجد ولله الحمد لا في ابراهيم ولا محمد عليهما الصلاة والسلام , يعني انه ليس فيهم من تجرأ على الزنا والعياذ بالله , ابدا هم طاهرون مطهرون , لكن مسالة الكفر والايمان .
اذا قال احدهم لآخر : يا كافر , كم جلدة حده ؟
لا حد فيها . يضرب جلدات ليردع عن هذا القول , لكن لو قال يا زاني , ولم تقم البينة , يجلد ثمانين جلدة .
لان عيب الناس في الزنا اعظم من عيبهم في الكفر .
بالعودة الى التفسير .
مثال ما اختلف فيه المعنيان وقدم المعنى اللغوي
قوله تعالى :
-( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم )- [التوبة/103]
الصلاة هنا الدعاء بدليل ما رواه مسلم عن عبد الله بن أبي أوفي ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بصدقة قوم ، صلى عليهم ، فأتاه أبي بصدقته فقال : " اللهم صل على آل أبي أوفي
فالرسول عليه الصلاة والسلام أشد الناس امتثالا لامر الله عز وجل , اذا جاءه الناس بصدقة قال : اللهم صل عليهم . امتثالا لامر الله , ما قال دعاء آخر مثل : الله اخلف على من أنفق , ... يقول : الله صل عليه . لان الله يقول : فصل عليهم . فاراد ان يكون دعاؤه مطابقا للفظ النص .
وامثلة ما اختلف فيه المعنيان كثيرة
السماء :
لفة هو العلو وقد يراد من السماء التي هي السقف المرفوع , وكذلك في الشرع
قال تعالى :
-( أأمنتم من في السماء )- [الملك/16]
يراد به العلو .
قال تعالى :
-( وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون )- [الأنبياء/32]
المراد هو السماء المبنية
كقوله تعالى
-( والسماء وما بناها )- [الشمس/5]
-( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها )- [النازعات/27]
يتبع >>>>>>>>>