ر
نحو تغيير إيجابي في حياتنا
مما لاشك فيه أن دين الإسلام العظيم ، وتربيته الإسلامية السامية ، قد قرّرت قاعدة [ التغيير ] في حياة الإنسان المسلم ومن ثم في المجتمع المسلم ، وجعلتها مبنيةً على مدى قدرة الأفراد على تغييرهم لأنفسهم ، وهو ما يُشير إليه قوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (سورة الرعد: من الآية 11) .
ومعنى هذا أن حكمة الله تعالى وإرادته (جل جلاله) ، جعلت مسألة تغير المجتمع راجعةٌ إلى تغير ما في أنفس أفراده ، فإذا غيَّر الأفراد ما بأنفسهم نحو الأفضل تغير المجتمع نحو الأفضل ، وإن كان التغيير - والعياذ بالله - إلى الأسوأ كان تغير المجتمع نحو الأسوأ .
وهذا يؤكد أن الله (عز وجل) جعل مسألة التغيير بيد الإنسان ، وأمرٌ راجعٌ إلى خياره وقراره لأنه صانع التغيير ، وصاحب القرار الذي بيده أن يمضي فيه ويُحققه . ولعل مما يُعزز هذا قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (سورة الأنفال : من الآية 53) .
" إن تغيير ما بالأنفُس من أفكارٍ ومفاهيم واتجاهاتٍ وميول ، أمرٌ موكولٌ للبشر بقدَّر الله ، وذلك هو ما تُشير إليه الآيات الكريمة في قوله تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا } (سورة الشمس : 7 - 10)
واللافت للنظر أن مجموعة القدرات الإنسانية يمكن أن تُصنف من حيث ظهورها إلى نوعين رئيسين ، هما :
أ -قدرات ظاهرة : وهي القدرات الملاحظة أو الفاعلة التي يمكن مشاهدتها عند الإنسان على اختلاف أنواعها .
ب - قدرات غير ظاهرة (كامنة) :
وهي القدرات التي تكون موجودةً عند الإنسان ولكنها غيرُ مُفعّلة ؛ فهي في انتظار من يقوم بتحريرها وتفعيلها وتوفير البيئة والظروف المناسبة لظهورها .
وهنا يأتي سؤالٌ يطرح نفسه ويقول :
= ما الداعي للتغيير ؟ وهل هناك ما يُبرر الدعوة إليه والحرص عليه ؟
فيأتي الجواب ليوضح أن من دواعي التغيير ما يلي :
1. أن التغيير سُنةٌ كونيةٌ ، وأمرٌ فطريٌ في هذه الحياة الدنيا ؛ إذ إن حياة الإنسان قائمةٌ على مبدأ التغيير .
2.
أن في التغيير إقتداءٌ بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسنته الشريفة التي تُخبرنا في أكثر من موضعٍ أنه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم غيّر كثيراً من شؤون حياته وحياة أصحابه القولية والفعلية .
3.
أن التغيير سبيلٌ لبلوغ الكمال البشري المأمول ، وتحقيق الأهداف والغايات المنشودة ، وما دمنا لم نبلغ هذه الدرجة - ولن نبلغها - ؛ فإن علينا أن نحرص على التغيير الإيجابي المطلوب لنقترب قدر المستطاع منها .
4.
أن التغيير دليلٌ على الطموح والتطلع والرغبة في تحقيق الأفضل والأجمل والأكمل .
وإليكم (إخواني القراء) مجموعةً من الأمثلة للطاقات والأوقات المهدرة في حياة كثيرٍ من الناس في واقعنا :
= كم من ساعةٍ يقضيها الكثير من الناس ولاسيما الشباب أمام شاشات التلفزيونات وأجهزة الحاسب الآلي ؟
=
كم من ساعةٍ يقضيها الشباب - على وجه الخصوص - وهم يتجولون بسياراتهم هنا وهناك بلا فائدةٍ ولا مصلحة ؟
=
كم من المكالمات يجريها كثيرٌ من الناس بلا داعٍ ولا ضرورة ؟
=
كم من الساعات الزائدة ينامها كثيرٌ من الناس على مدار اليوم والليلة ؟
=
كم من الفرائض تؤخر عن وقتها وربما تضيع تساهلاً وتهاونًا والعياذ بالله ؟
=
كم من الكلمات التي يُطلقها الإنسان وهو لا يدري أهي محسوبةٌ له أم عليه ؟
=
كم من النقود تُصرف في أشياء ليست ضرورية ولا تدعو إليها الحاجة ؟
=
كم من الساعات تقضيها النساء وبعض الرجال في القيل و القال ؟
=
كم من الأوقات ضاعت في ألوانٍ من اللهو والغفلة ولم يستفد منها معظم الناس في حياتهم ؟
=
كم من الملابس والأثاث والممتلكات التي لم نعد نحتاج إليها في دورنا ومنازلنا ؟
=
كم من النصائح والمواعظ والمواقف التي سمعناها وعرفناها وتأثرنا بها في حينها ثم نسيناها بعد ذلك ؟
=
كم من الأوقات تضيع منا في كثيرٍ من المناسبات والحفلات والاجتماعات ؟
=
كم من الأوقات نُهدرها في تصفح الصحف والمجلات وغيرها من المطبوعات التي لا نفع فيها ولا فائدة منها ؟
=
كم الفائض من أصناف الأطعمة والمشروبات على موائدنا في الحفلات والمناسبات العامة والخاصة ؟
إن هذا الموضوع سيُركِّز على مسألة التغيير الإيجابي
وإليك مجموعة من الأمثلة التي أقترح عليك القيام بها ، والتي يمكن - متى تم تطبيقها أو تطبيق بعضها لمدة أسبوعٍ مثلاً - أن يتحقق جزءٌ كبيرٌ من التغيير الإيجابي المطلوب في حياتك ، ومنها ما يلي :
= عوّد نفسك المحافظة على بعض الأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم على مدار اليوم والليلة .
=
اغتنم فترة قيادتك للسيارة (ذهاباً و إياباً) في إشغال لسانك بذكر الله تعالى تسبيحًا ، وتهليلاً ، وحمدًا ، واستغفارًا ، وتكبيرًا .
=
اجعل من ضمن برنامجك الأُسبوعي زيارة أحد الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران للسلام والاطمئنان عليه .
=
مارس رياضة المشي أو الجري الخفيف لمدة عشر دقائق يوميًا .
=
عوّد نفسك الجلوس مع والديك ، أو مع أفراد أسرتك وتبادل الحديث الودي معهم ولو لوقتٍ قصيرٍ يومياً .
=
احرص على التبكير في حضور مواعيدك خلال هذا الأسبوع .
=
جرِّب أن تنام مبكراً خلال هذا الأسبوع .
=
تصدق ولو بريالٍ واحدٍ يوميًا خلال هذا الأسبوع .
=
حافظ على ذكر الله تعالى (تسبيحًا وتحميدًا وتهليلاً وتكبيرًا واستغفارًا) في أوقات الفراغ بدلاً من الصمت ، أو الغناء ، أو نحو ذلك .
=
حافظ على استعمال السواك باستمرار ، أو قم بتنظيف أسنانك ثلاث مرات في اليوم والليلة .
=
احرص على جمال المظهر والأناقة المعقولة والمقبولة في الملبس والمظهر والشكل العام .
=
تعود على سماع وجهات نظر الآخرين وتقبُلها وإن كانت مُخالفة لوجهة نظرك الخاصة ..
=
أعد النظر في قائمة القنوات التلفزيونية التي تُشاهدها في بيتك .
=
حاول تنظيم وقتك وأداء ما عليك من واجباتٍ في حينها دون تأخير .
=
أعد ترتيب محتويات غرفتك أو مكتبك أو سيارتك حتى تبدو أكثر نظاماً .
=
حاول زيارة المستشفى للسلام على المرضى من إخوانك المسلمين وإن لم تعرفهم .
=
حافظ على زيارة المقابر والسلام على أموات المسمين والدعاء لهم .
=
قم بتلبية الدعوات التي توجَّه لك ، ولاسيما من الأهل والأقارب والجيران ..
=
اجتهد أن تُصلي كل الفروض مع جماعة المسلمين في المسجد .
=
زد معدل تلاوتك للقرآن الكريم في اليوم الواحد بضع آيات .
=
حاول أن تقرأ عدة صفحات من كتابٍ مفيدٍ في اليوم الواحد .
=
أعد النظر في محتويات رسائل الجوال المكتوبة والمرئية عندك ، وتخلّص مما لا يرضاه الله تعالى منها .
=
استمع لشريطٍ إسلاميٍ واحدٍ في كل يوم لأحد الدعاة .
=
حافظ على أداء صلاة الوتر قبل أن تأوي إلى فراشك .
=
احرص على أداء صلاة الضحى ولو ركعتين .
لا شك أن تطبيقك لهذه الأمثلة في حياتك والمحافظة عليها ستؤدي إلى نتائج مُدهشة قد لا تتوقعها ، والتجربة أكبر برهان كما يُقال . ولاسيما أنك ستشعر - بإذن الله تعالى - بتجدد حياتك ، وتبدُل أحوالك ، وتغير قناعاتك ، وزيادة التصرفات الإيجابية في أدائك اليومي ؛ وبذلك يتحقق التغيير الإيجابي المطلوب .
وختامًا : هذه بعض النقاط الرئيسة التي أرى - من وجهة نظري الخاصة - أنه لا بد من مراعاتها وتحققها عند الرغبة في التغيير ، ومنها ما يلي :
(1)
استعن بالله وحده عند شروعك في مشوار التغيير ؛ فهو الذي له الأمر كُله ، وهو الذي يُقدِّر الأقدار ، وهو الذي يشاءُ ويختار .
(2)
ليكن أول تغييرٍ تحرص عليه أن تعمل على مضاعفة إيمانك بالله تعالى ، وتقويته عن طريق زيادة الأعمال الصالحة التي ترضيه سبحانه .
(3)
تذكّر أن كل إنسانٍ موفّق إلى عملٍ صالحٍ من أعمال الخير ، فمن الناس من وفّق إلى الصلاة ، ومنهم من وفق إلى الصدقة ، ومنهم من وفق إلى الصيام ، ومنهم من وفق إلى الدعوة إلى الله تعالى ، ومنهم من وفق إلى الخُلق الحسن ، ومنهم من وفق للإصلاح بين الناس ، وهكذا .
(4)
التغيير لا يمكن أن يكون إلاّ من الداخل ، ولا بُدأن ينبع من قناعةٍ داخل النفس ، و مهما قام الآخرون بمساعدتنا ، فلن يحدث التغيير إلا إذا رغبه الإنسان وبدأه .
(5)
التغيير يحتاج إلى البدء الفوري فيه ، وسرعة المبادرة إليه ، و عدم التسويف أو التأجيل و التأخير . قال تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } (سورة آل عمران : الآية 133) . (6) تأكد أن تحقيق التغيير المطلوب (لا ولم ولن) يحصُل بخطوةٍ واحدةٍ عملاقةٍ أو ضخمة ، ولكنه يحصل بمجموعة خطواتٍ صغيرة .
(7)
لا تنس أنه حتى يكون التغيير إيجابيا ، فلابد أن يكون صادقاً ، ومستمراً ، ومنتظماً ، وشاملاً .
(8)
التغيير ممكن للجميع ويناسب جميع الأعمار .
(9)
إن إحداث التغيير يجب أن يُراعي قدرات الإنسان واستعداداته ، حتى لا يُحمِّل نفسه ما لا تطيق . وحتى يكون التغيير منسجمًا مع عقل الإنسان ، فلا يجنح به إلى ما يضر بمصالحه، أو يتعارض مع رغباته ، فلا يحرمه المتاع الحلال ، أو يتنافى مع أخلاقه وسلوكياته الثابتة .
(10) ليكن في علمك أنه ليس هناك تغيير إيجابي دون عناءٍ أو مشقة ، وهنا تكمن اللذة والاستمتاع بالانتصار على هوى النفس . وهذا يعني أن علينا أن نُردد العبارة الشهيرة :