عرض مشاركة واحدة
قديم 24-04-07, 03:45 PM   #6
أم البراء
~ وقــف لله ~
حفيدة خديجة رضي الله عنها
افتراضي

أمر الشاة المسمومة‏


ولما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد فتحها أهدت له زينب بنت الحارث، امرأة سَلاَّم بن مِشْكَم، شاة مَصْلِيَّةً، وقد سألت أي عضو أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ فقيل لها‏:‏ الذراع، فأكثرت فيها من السم، ثم سمت سائر الشاة، ثم جاءت بها، فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تناول الذراع، فَلاَكَ منها مضغة فلم يسغها، ولفظها، ثم قال‏:‏ ‏(‏إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم‏)‏، ثم دعا بها فاعترفت، فقال‏:‏ ‏(‏ما حملك على ذلك‏؟‏‏)‏ قالت‏:‏ قلت‏:‏ إن كان ملكًا استرحت منه، وإن كان نبيًا فسيخبر، فتجاوز عنها‏.‏

وكان معه بِشْر بن البراء بن مَعْرُور، أخذ منها أكلة فأساغها، فمات منها‏.‏
واختلفت الروايات في التجاوز عن المرأة وقتلها، وجمعوا بأنه تجاوز عنها أولا، فلما مات بشر قتلها قصاصا‏.‏

قتلى الفريقين في معارك خيبر‏
وجملة من استشهد من المسلمين في معارك خيبر ستة عشر رجلاً، أربعة من قريش وواحد من أشْجَع، وواحد من أسْلَم، وواحد من أهل خيبر والباقون من الأنصار‏.‏
ويقال‏:‏ إن شهداء المسلمين في هذه المعارك 81 رجلاً‏.‏
وذكر العلامة المنصورفوري 91 رجلاً، ثم قال‏:‏ إني وجدت بعد التفحص 32 اسما، واحد منها في الطبري فقط، وواحد عند الواقدي فقط، وواحد مات لأجل أكل الشاة المسمومة، وواحد اختلفوا هل قتل في بدر أو خيبر، والصحيح أنه قتل في بدر‏.‏
أما قتلي اليهود فعددهم ثلاثة وتسعون قتيلاً‏.‏
فَـدَك‏‏
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، بعث مُحَيِّصَة بن مسعود إلى يهود فَدَك، ليدعوهم إلى الإسلام، فأبطأوا عليه، فلما فتح الله خيبر قذف الرعب في قلوبهم، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك بمثل ما عامل عليه أهل خيبر، فقبل ذلك منهم، فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة؛ لأنه لم يُوجِف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب‏.‏

وادي القُرَي‏
ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر، انصرف إلى وادي القري، وكان بها جماعة من اليهود، وانضاف إليهم جماعة من العرب‏.‏
فلما نزلوا استقبلتهم يهود بالرمي، وهم على تعبئة، فقتل مِدْعَم ـ عَبْدٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فقال الناس‏:‏ هنيئا له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏كلا، والذي نفسي بيده، إن الشَّمْلَة التي أخذها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارًا‏)‏، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشِرَاك أو شراكين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏شراك من نار أو شراكان من نار‏)‏‏.‏
ثم عَبَّأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال، وصَفَّهم، ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة، وراية إلى الحُبَاب بن المنذر، وراية إلى سهل بن حُنَيْف، وراية إلى عباد بن بشر، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، وبرز رجل منهم، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله، ثم برز آخر فقتله، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله، حتى قتل منهم أحد عشر رجلاً، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام‏.‏

وكانت الصلاة تحضر هذا اليوم، فيصلي بأصحابه، ثم يعود، فيدعوهم إلى الإسلام وإلى الله ورسوله، فقاتلهم حتى أمسوا، وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم، وفتحها عنوة، وغَنَّمَهُ اللهُ أموالهم، وأصابوا أثاثا ومتاعًا كثيرًا‏.‏

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القري أربعة أيام‏.‏ وقسم على أصحابه ما أصاب بها، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود، وعاملهم عليها ـ كما عامل أهل خيبرـ‏.‏

تَيْمَـــاء‏‏

ولما بلغ يهود تيماء خبر استسلام أهل خيبر ثم فَدَك ووادي القُرَي، لم يبدوا أي مقاومة ضد المسلمين، بل بعثوا من تلقاء أنفسهم يعرضون الصلح، فقبل ذلك منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقاموا بأموالهم‏.‏ وكتب لهم بذلك كتابا وهاك نصه‏:‏ هذا كتاب محمد رسول الله لبني عاديا، أن لهم الذمة، وعليهم الجزية، ولا عداء ولا جلاء، الليل مد، والنهار شد، وكتب خالد بن سعيد‏.‏

العودة إلى المدينة‏

ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في العودة إلى المدينة، وفي الطريق أشرف الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير‏:‏ ‏(‏الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله‏)‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصَمَّ ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا‏)‏‏.‏

وفي مرجعه ذلك سار النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، ثم نام في آخر الليل ببعض الطريق، وقال لبلال‏:‏ ‏(‏اكلأ لنا الليل‏)‏، فغلبت بلالاً عيناه، وهو مستند إلى راحلته، فلم يستيقظ أحد، حتى ضربتهم الشمس، وأول من استيقظ بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج من ذلك الوادي، وتقدم، ثم صلي الفجر بالناس، وقيل‏:‏ إن هذه القصة في غير هذا السفر‏.‏
وبعد النظر في تفصيل معارك خيبر، يبدو أن رجوع النبي صلى الله عليه وسلم كان في أواخر صفر أو في ربيع الأول سنة 7 هـ‏.‏

سرية أبَان بن سعيد‏
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرف أكثر من كل قائد عسكري أن إخلاء المدينة تماما بعد انقضاء الأشهر الحرم ليس من الحزم قطعًا، بينما الأعراب ضاربة حولها، تطلب غرة المسلمين للقيام بالنهب والسلب وأعمال القرصنة ؛ ولذلك أرسل سرية إلى نجد لإرهاب الأعراب تحت قيادة أبان بن سعيد، بينما كان هو إلى خيبر، وقد رجع أبان بن سعيد بعد قضاء ما كان واجبًا عليه، فوافي النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقد افتتحها‏.‏
والأغلب أن هذه السرية كانت في صفر سنة 7هـ، وقد ورد ذكرها في البخاري‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ لم أعرف حال هذه السرية‏.‏

بقية السرايا والغزوات في السنة السابعة
غزوة ذات الرِّقَاع‏


ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كسر جناحين قويين من أجنحة الأحزاب الثلاثة تفرغ تمامًا للالتفات إلى الجناح الثالث، أي إلى الأعراب القساة الضاربين في فيافي نجد، والذين ما زالوا يقومون بأعمال النهب والسلب بين آونة وأخري‏.‏

ولما كان هؤلاء البدو لا تجمعهم بلدة أو مدينة، ولم يكونوا يقطنون الحصون والقلاع، كانت الصعوبة في فرض السيطرة عليهم وإخماد نار شرهم تمامًا تزداد بكثير عما كانت بالنسبة إلى أهل مكة وخيبر ؛ ولذلك لم تكن تجدي فيهم إلا حملات التأديب والإرهاب، وقام المسلمون بمثل هذه الحملات مرة بعد أخري‏.‏

ولفرض الشوكة ـ أو لاجتماع البدو الذين كانوا يتحشدون للإغارة على أطراف المدينة ـ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحملة تأديبية عرفت بغزوة ذات الرقاع‏.‏

وعامة أهل المغازي يذكرون هذه الغزوة في السنة الرابعة، ولكن حضور أبي موسي الأشعري وأبي هريرة رضي الله عنهما في هذه الغزوة يدل على وقوعها بعد خيبر، والأغلب أنها وقعت في شهر ربيع الأول سنة 7 هـ‏.‏
وملخص ما ذكره أهل السير حول هذه الغزوة‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع باجتماع بني أنمار أو بني ثعلبة وبني مُحَارِب من غطفان، فأسرع بالخروج إليهم في أربعمائة أو سبعمائة من أصحابه، واستعمل على المدينة أبا ذر أو عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وسار فتوغل في بلادهم حتى وصل إلى موضع يقال له‏:‏ نخل، على بعد يومين من المدينة، ولقي جمعاً من غطفان، فتقاربوا وأخاف بعضهم بعضاً ولم يكن بينهم قتال، إلا أنه صلي بهم يومئذ صلاة الخوف‏.‏وفي رواية البخاري‏:‏ وأقيمت الصلاة فصلي بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلي بالطائفة الأخري ركعتين، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع، وللقوم ركعتان‏.‏

وفي البخاري عن أبي موسي الأشعري رضي الله عنهم قال‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن ستة نفر بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، فكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت ذات الرقاع، لما كنا نعصب الخرق على أرجلنا‏.‏

وفيه عن جابر‏:‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع، فإذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفرق الناس في العضاة، يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق بها سيفه‏.‏ قال جابر‏:‏ فنمنا نومة، فجاء رجل من المشركين‏:‏ فاخترط سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ أتخافني‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لا‏)‏، قال‏:‏ فمن يمنعك مني‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏الله‏)‏‏.‏ قال جابر‏:‏ فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، فجئنا، فإذا عنده أعرابي جالس‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن هذا اخترط سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صَلْتًا‏.‏ فقال لي‏:‏ من يمنعك مني‏؟‏ قلت‏:‏ الله، فها هو ذا جالس‏)‏، ثم لم يعاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي رواية أبي عوانة‏:‏ فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏(‏من يمنعك مني‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ كـن خـير آخـذ، قال‏:‏ ‏(‏تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله‏؟‏‏)‏ قال الأعرابي‏:‏ أعاهدك على ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، قال‏:‏ فخلي سبيله، فجاء إلى قومه، فقال‏:‏ جئتكم من عند خير الناس‏.‏


وفي رواية البخاري‏:‏ قال مسدد عن أبي عوانة عن أبي بشر‏:‏ اسم الرجل غَوْرَث ابن الحارث‏.‏قال ابن حجر‏:‏ ووقع عند الواقدي في سبب هذه القصة‏:‏ أن اسم الأعرابي دُعْثُور، وأنه أسلم، لكن ظاهر كلامه أنهما قصتان في غزوتين‏.‏ والله أعلم‏.‏


وفي مرجعهم من هذه الغزوة سبوا امرأة من المشركين، فنذر زوجها ألا يرجع حتى يهريق دماً في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فجاء ليلاً، وقد أرصد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين رَبِيئة للمسلمين من العدو، وهما عباد بن بشر وعمار بن ياسر، فضرب عباداً، وهو قائم يصلي، بسهم فنزعه، ولم يبطل صلاته، حتى رشقه بثلاثة أسهم، فلم ينصرف منها حتى سلم، فأيقظ صاحبه، فقال‏:‏ سبحان الله‏!‏ هلا نبهتني، فقال‏:‏ إني كنت في سورة فكرهت أن أقطعها‏.‏


كان لهذه الغزوة أثر في قذف الرعب في قلوب الأعراب القساة، وإذا نظرنا إلى تفاصيل السرايا بعدالغزوة نري أن هذه القبائل من غطفان لم تجترئ أن ترفع رأسها بعد هذه الغزوة، بل استكانت شيئاً فشيئاً حتى استسلمت، بل وأسلمت، حتى نري عدة قبائل من هذه الأعراب تقوم مع المسلمين في فتح مكة، وتغزو حُنَيْناً، وتأخذ من غنائمها، ويبعث إليها المصدقون فتعطي صدقاتها بعد الرجوع من غزوة الفتح، فبهذا تم كسر الأجنحة الثلاثة التي كانت ممثلة في الأحزاب، وساد المنطقة الأمن والسلام، واستطاع المسلمون بعد ذلك أن يسدوا بسهولة كل خلل وثلمة حدثت في بعض المناطق من بعض القبائل، بل بعد هذه الغزوة بدأت التمهيدات لفتوح البلدان والممالك الكبيرة ؛ لأن الظروف في داخل البلاد كانت قد تطورت لصالح الإسلام والمسلمين‏.‏
وبعد الرجوع من هذه الغزوة أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شوال سنة 7 هـ‏.‏



توقيع أم البراء
معهد أم المؤمنين خديجة
رضي الله عنها ..
أنت أغلى ما أملك ..~
أم البراء غير متواجد حالياً