عرض مشاركة واحدة
قديم 16-06-09, 07:51 PM   #6
د.سهيرالبرقوقي
نفع الله بك الأمة
افتراضي


المتن:
قال سلمان :< وبعثت إلى النصارى , فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام ؛ تجار من النصارى فأخبرونى بهم .>

يقول الشيخ " حسين بن عَودِة العوايشة" في كتابه " من مواقف الصحابة
" معلقًا على المتن:

لم يستسلم لأوامر أبيه الظالمة , فقد كان يجاهد فى سبيل الهدى والرشاد .

"والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" ( العنكبوت :69)

كم تٌرك قول الحق لشح هالع (1) وجٌبن خالع .... كان مستعدا للسفر والترحال بٌغية الحق ....

لقد زهد فى المكث فى بلاده؛ طالما أ نها تغرقه فى الضلالة وتعيقه عن الهدى والنور.

لقد ارتضى بالحق ديارا وموطنا مهما نأت وتباعدت

لقد كان يتتبع الأمور ويستقصى ذلك , ليتقدم للأمام

وليهتدى السبيل ويتعرف الحق .

المتن: قال :< فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى , قال : فأخبرونى بهم . قال : فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم؛ فاذنونى بهم, فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبرونى .>

تعليق الشيخ العوايشة
:

لقد يسر الله تعالى ذلك الركب لسلمان ؛ليكون من شأنه ما يكون والله سبحانه فى عون الصادقين المخلصين ييسر لهم أمر الهداية والرشاد .

المتن:
< فألقيت الحديد من رجلى , ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام , فلما قدمتها قلت :من أفضل أهل هذا الدين ؟ قالوا : الأسقف فى الكنيسة >
< ثم خرجت حتى قدمت الشام>


التعليق:


لقد ودع بلده ووطنه ليبحث عن الحق
ودع أهله وأحبابه
ترك الجاه والمنزلة
آثر الغربة والسفر والعناء
على كل ذلك ؛ بحثا عن الصواب .

ليتنا نتعظ بجهاد سلمان المتواصل !!
هاهى الكتب بين أيدينا , ولكننا نعجز أن نبحث عن الحق فيها.
كم من الناس يسمعون نصوصا تنسب للنبى-صلى الله عليه وسلم- ,
فلا يكلف المستطيع منهم نفسه أن يبحث عن صحتها وأقوال أهل العلم فيها ؟
الأمر لايحتاج إلى سفر , ولا إلى ترك أوطانٍ أوأهلٍ أو مال !!!!

الأمر أيسر من ذلك ,

ولكن القلوب مع الأسف ضعيفة الإيمان !!!
انظر إلى التزام الناس فى دروس العقيدة والفقه والترتيل وعلوم القران والحديث وأصول الفقه والتربية وتزكية النفس

ما أضعف الإقبال على هذه الدروس !!
فلنجعل سفر وترحال سلمان عبرة لنا حين نعجز ونضعف .


ولنذكر قول ابن أبى كثير
" لاينال العلم براحة الجسم ".

المتن: < فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين ؟>

التعليق:


إنه يبحث عن الأفضل والأصح من بداية الطريق .
لم يكن يقنع بالقليل من الخير .
لقد كان يسأل : من أفضل أهل هذا الدين ؟
إن الناس يتخيرون من:
الأطعمة الأشهى ,
والأشربة الأطيب ,
والروائح الأذكى ,
والنساء الأجمل والأفضل من كل شىء,
بما يناسب أذواقهم ورغباتهم وأهواءهم ؛

أليس الأ ولى أن يتخيروا الأفضل والأصح لدينهم وأخراهم ؟!!
فلنبحث عن الأفضل والأصح فى الأشياخ والمربين والكتب وأسليب الدعوة إلى الله تعالى .


المتن:
< قالوا : الأسقف فى الكنيسة , قال : فجئته , فقلت : إنى قد رغبت فى هذا الدين , وأحببت أن أكون معك ,أخدمك فى كنيستك , وأتعلم منك وأصلى معك . قال :فادخل فدخلت معه >.


التعليق:


جاء سلمان الأسقف وأبلغه رغبته فى الدين ,
وأبدى استعداده لخدمته ليتعلم منه ويصلى معه .

لقد أدرك سلمان وهو فى بداية الطريق أن الدين ينال بملازمة أهل العلم وطلابه ؛
لذلك أراد أن يدفع هذا الثمن ,

فكان فى غاية التواضع وهو يعرض نفسه خادما للأسقف !!

فهل تعلمنا من سلمان –رضى الله عنه – هذا الدرس ؟
هل تعلمنا ملازمة العلماء ؟
هل تعلمنا ملازمة طلاب العلم ؟
هل تعلمنا ملازمة من نحسبهم على خير ؟

تواضع سلمان وأراد أن يجعل من نفسه خادما للأسقف ؛ حتى يتعلم منه ويصلى معه .
لقد كان يدرك أن الدين لاينال إلا بالتواضع ؛
فكيف بمن يريد الفردوس وهو متكبر ؟
كيف بمن يكره النار وهو معجب بنفسه ؟

عجبا......عجبا !!!

كم من طلاب العلم من يتكبر أن يقول : " تعلمت هذا من الشيخ الفلانى " ! كم من طلاب العلم يتكبر أن ينسب العلم لاصحابه !!
وكم من الناس رفضوا التعلم من البعض ؛ كيلا يقال فلان هو الذى علم فلانا !!
لقد أنزل سلمان نفسه منزلة الخدم ؛ حتى يصل إلى غايته السامية وهدفه النبيل ؛
فلنتحمل المشاق مهما كانت فى طلب العلم ,
ولنتحمل المصاعب مهما عظمت فى سبيل الله تعالى .


المتن: قال: <أتعلم منك وأصلى>

التعليق:

إنه فى بداية مسيرته يدرك جيدا أن العلم هو السبيل القويم للحق والصواب .
فليكن لنا حظ يومى من التعلم فيما ينفعنا ويقربنا من الله تعالى .
لابد من معرفة فضل العلم ؛ وما ورد فيه من نصوص ,
لنقبل عليه بجد ومثابرة
ولنحذر من البخل بالمال ؛ لشراء الكتب النافعة الطيبة التى تُعلمنا ديننا .

المتن:< وأصلى معك >

لقد كان سلمان يدرك أيضا أن للصلاة (2) منزلة عظيمة ؛
أدركها قبل أن تتلى عليه نصوص فضل الصلاة من القرآن الكريم والسنة المطهرة ؛

فماذا يكون من شأنه بعد أن تليت ؟
فلندرك إذن أن الله تعالى أنزل المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ؛

كما فى حديث أبى واقد الليثى قال :


" كنا نأتى النبى –صلى الله عليه وسلم – إذا أنزل عليه , فيحدثنا ؛
فقال لنا ذات يوم : إن الله –عزوجل –قال :


إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ؛ ولو كان لابن آدم واد ,لأحب أن يكون إليه ثان ,
ولو كان واديان لأحب إليهما ثالث ,
ولا يملأ جوف ابن آدم إلاالتراب ؛ ثم يتوب الله على من تاب . "
(3)

أجل أن الصلاة مرآة العبادة وثمرتها ؛
فلنحرص على إتقانها ,
ولنصلها كما صلاها رسول الله –صلى الله عليه وسلم –
ولنجعلها خاشعة ,

تقر بها عيوننا وتسعد بها قلوبنا .
ولنقبل على صلاتنا وكأننا مودعون ,
نبكى على ذنوبنا ونتوب منها

ونخاف فتنة القبر وعذاب النار وسوء العاقبة ؛
فنزداد إيمانا يوما بعد يوم ؛ ونزداد تخلقا بالقرآن ,
ونسعى لما يرضى الله تعالى علما وعملا ودعوة وجهادا .


المتن:
<قال : فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها ؛ فإذا جمعوا إليه منها أشياء ؛ اكتنزه لنفسه, ولم يعطه المساكين , حتى جمع سبع قلال من من ذهب وورق. >


التعليق:

وهذا شأن المفسدين فى الأرض فى كل عصر ومصر ,
يرتدون ثياب الإسلام والإيمان ؛
ويخفون فى جنباتهم نفوس النفاق والعصيان .

ومن هذه النوعية الفاسدة المعاصرة إمام مسجد فى بعض الدول العربية ,

قالت اللسان مهرج –مع الأسف – جاء أحدهم يخبره أنه كان ذاخلق ذميم وذا بطش ,

فعدها تهديدا له فقال :
" واجعلنى للزعران (4)إماما " !!

هذه على خطورة مدلولها وبشاعة أسلوبها قد ذكرتها ,
أما الألفاظ الأخرى ؛ فلا أستطيع أن أذكرها ,
لأنه ينتقد نطقها فى أقذر الشوارع !!
وأما عن وضع اليد على الصدر فيقول :
" زى الحامل بطيخة " أو " اللى برضع " !!
وأما المنبر فإنه مجال الهجوم على من خاصمه وخالفه ؛

أيصلح هذا أن يكون بائعا فى سوق من أسواق المسلمين !!
فضلا عن أن يكون إماما من أئمة مساجدهم
وخطيبا من خطبائهم فى مسجد كبير يحضره يوم الجمعة عدد كبير !!!

ومن النماذج القديمة ؛ ذلك الأسقف الخبيث ,
الذى استغل عواطف الناس الدينية فى اكتناز الأموال وادخارها لنفسه .

ولكن ما أثر هذا الأمر على سلمان ؟
هل ارتد عن الدين ؟
هل نظر إليه نظرة سوداء من خلال ذلك الأسقف ؟
لم يكن من ذلك شىء ؛
لأنه يدرك أنه لاعلاقة للدين بفسادالرجال .

ولاتنس –يرحمك الله – أن الصدمة كانت مع أول أسقف !!

إننا لندعو الله تعالى أن يثبت من يعلن إسلامه من الكفار والمشركين ؛
مما يرى من حال المسلمين ؛
مما قد يرجف قلبه ,
ويعيده إلى حظيرة الكفر والعصيان – عياذا بالله تعالى –

كم من الناس حرموا فعل الخيرات لصدمات تلقوها ممن يحسبهم على خير .

وهناك من يحلفون الأيمان على ترك الخير بسبب هذه الصدمات . ويقول ربنا – سبحانه - فى هذا : { ولاتجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم } (5)

المتن: <قال : < وأبغضتهم (6) بغضا شديدا لما رأيته يصنع >

التعليق:

لقد ربط الله تعالى على قلبه ؛ فلم تثنيه تلك السلوكيات الخاطئة عن الاستمرار فى طلب الحق ولكنه أبغضه بغضا شديدا لفعله القبيح .

المتن:
< ثم مات فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه , فقلت لهم : إن هذا رجل سوء , يأمركم بالصدقة , ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه , ولم يعط المساكين منها شيئا . قالوا : وماعلمك بذلك ؟ قال : قلت : أنا أدلكم على كنزه قالوا : فدلنا عليه . قال : فأريتهم موضعه , قال : فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا ؛ فلما رأوها قالوا : والله لاندفنه أبدا , فصلبوه ثم رجموه بالحجارة .>


التعليق:

لقد تطوع لخدمة ذلك الأسقف – وما أصعب ذلك على النفس – لياخذ منه ويتعلم منه و , ويقتدى به ولكنه مع الأسف لم ير – وهو فى بداية الطريق – إلا النفاق والمراءاه والكذب والدجل؛ ومع هذا فقد تصرف بحكمة وصبر وأناة وحلم طيلة حياة ذلك الأسقف , حتى إذا وافته المنية ؛ أخبر الناس ما كان منه , وسألوه عن الدليل والبرهان فأتى بذلك ؛ فلما استخرجوا جرار الذهب والفضة أقسموا بالله ألايدفنوه فصلبوه ثم رجموه بالحجارة
ثم جاءوا برجل آخرفجعلوه بمكانه .
نتابع معًا رحلة سلمان الفارسي في بحثه عن الحقيقة ليصل إلى نور الإسلام
ونتعرف على مافيها من دروس نستفيد منها في تربية النفس وتزكيتها وتهذيبها

يُتْبَعُ
_________________________________
الحاشية:

(1) رواه الطحاوى فى "مشكل الاثار"
من حديث ابن عباس- رضى الله عنهما-
وروى الحاكم منه الشطر الاول, وقال : "صحيح الإسناد" ,
ووافقه الذهبى . وله شواهد من حديث عائشة-رضى الله عنها –
اخرجه ابو نعيم فى" الحلية" , وهو عند الدرامى نحوه ,
وانظر تفصيل تخريجه فى "اداب الزفاف " (ص269 ) .

(2) انظر رسالتى " الصلاة وأثرها فى تربية النفس وتهذيبها " ؛
طبع المكتبة الإسلامية – عمان .
(3) أخرجه أحمد والطبرانى فى " الكبير " وإسناده حسن , كما فى:
" الصحيحة " برقم (1639) وله شواهد أخرى ,
وهو فى الصحيحين دون قوله : " إنا أنزلنا ....
" البخارى (6436) ,(6637) ,( 6438) , (6439)
ومسلم "كتاب الزكاة "
(باب لو كان لابن آدم واديين .....) ؛
وانظر كلامى حول هذا الحديث ,فى الكتاب المشار إليه آنفا .

(4) الأزعر : السىء الخلق , والجمع زعر " الوسيط " .
(5) ( البقرة :225 ) . وللناس فى هذه الآية فهم سقيم فهم يفهمون من ذلك عدم الإكثار من الحلف بالله سبحانه , والتحرج من أصل ذلك , وقد ثبت عن النبى –صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " أحلفوابالله وبروا واصدقوا ؛ فإن الله يكره أن يحلف إلا به " # وقد وردت أحاديث كثيرة ؛ صدرها النبى –صلى الله عليه وسلم –بالحلف والقسم بلفظ " والذى نفسى بيده " ؛ ولفظ "والله " وغير ذلك . ومما جاء فى تفسير الآية السابقة – كما فى " تفسير ابن كثير " - : " لاتجعلوا أيمانكم بالله تعالى مانعة لكم من البر وصلة الرحم إذا حلفتم على تركها ...." ؛ وقال على بن طلحة عن ابن عباس فى قوله : "و لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " قال :" لاتجعلن عرضة ليمينك أن لاتصنع الخير , ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير . " وكذا قال معروف والشعبى وإبراهيم النخعى ومجاهد وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومكحول والحسن والزهرى وقتادة ومقاتل بن حبان والربيع بن أنس والضحاك وعطاء والخرسانى والسدى –رحمهم الله . وذكر – رحمه الله – ما يؤيد ذلك من النصوص .
# " رواه السهمى فى " تاريخ جرجان " وأبو نعيم فى "الحلية " وغيرهما وللحديث طريق آخر عن ابن عمر " بلفظ مقارب وإسناده حسن ؛ كما فى " الصحيحة " برقم (1119) .
(6) الظاهر أنه تصحيف ........كما هو واضح من نفس الحديث المذكور ( ص306 )
حيث جاء فى متن الحديث: " وأبغضته "









توقيع د.سهيرالبرقوقي
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}
http://www.tvquran.com/


{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }

د.سهيرالبرقوقي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس