(22 ) قول ابن تيمية المفصل فى ذلك
" وأنه لايجوز استحباب شىء لمجرد وجود حديث ضعيف فى الفضائل"
وقد فصل الشيخ –رحمه الله- هذه المسألة الهامة فى مكان آخر من "مجموعة الفتاوى" (18/65-68) تفصيلا لم أره لغيره من العلماء ؛ فأرى لزاما على أن أقدمه إلى القراء لما فيه من الفوائد والعلم ؛ قال بعد أن ذكر قول الإمام أحمد المتقدم (ص 51) :
[وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف فى فضائل الأعمال ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذى لا يحتج به ؛ فإن الاستحباب حكم شرعى ؛ فلا يثبت إلا بدليل شرعى ؛ ومن أخبر عن الله أنه يحب عملا من الأعمال من غير دليل شرعى فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله ؛ كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم ؛ ولهذا يختلف العلماء فى الاستحباب كما يختلفون فى غيره ؛ بل هو أصل الدين المشروع .
(23) مراد العلماء من العمل بالحديث الضعيف فى الفضائل
وإنما مرادهم بذلك أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله ؛ أو مما يكره الله بنص أو إجماع ؛ كتلاوة القرآن , والتسبيح , والدعاء , والصدقة , والعتق , والإحسان إلى الناس ,وكراهة الكذب والخيانة , ونحو ذلك ؛ فإذا روى حديث فى فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها , وكراهة بعض الأعمال وعقابها ؛ فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه ؛ إذا روى فيها حديث لانعلم أنه موضوع ؛ جازت روايته والعمل به ؛بمعنى : أن النفس ترجو ذلك الثواب , وتخاف ذلك العقاب ؛ كرجل يعلم أن التجارة تربح ؛ لكن بلغه أنها تربح ربحا كثيرا فهذا إن صدق نفعه , وإن كذب لم يضره .
(24) مثال للعمل بالحديث الضعيف بشرطه
ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائليات والمنامات, وكلمات السلف والعلماء , ووقائع العلماء , ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعى ؛ لا استحباب ولا غيره ؛ ولكن يجوز أن يذكر فى الترغيب والترهيب , والترجية والتخويف , فما علم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع ؛فإن ذلك ينفع ولا يضر , وسواء كان فى فى نفس الأمر حقا أو باطلا ؛ فما علم أنه باطل موضوع لم يجز الالتفات إليه ؛ فإن الكذب لايفيد شيئا , وإذا ثبت أنه صحيح أثبتت به الأحكام ؛ وإذا احتمل الأمرين روى لإمكان صدقه ؛ ولعدم المضرة فى كذبه , وأحمد إنما قال :"إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا فى الأسانيد " . ومعناه : أننا نروى فى ذلك بالأسانيد؛ وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتج بهم . وكذلك قول من قال : يعمل بها فى فضائل الأعمال إنما العمل بها العملبما فيها من الأعمال الصالحة ؛ مثل التلاوة والذكر , والاجتناب لما كره فيها من الأعمال السيئة. ونظير هذا قول النبى –صلى الله عليه وسلم- فى الحديث الذى رواه البخارى عن عبد الله بن عمرو:
{بلغوا عنى ولو آية ؛ وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج ؛ ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار }.
مع قوله –صلى الله عليه وسلم- فى الحديث الصحيح :
{إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم }؛ فإنه رخص فى الحديث عنهم ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم ؛ فلو لم يكن فى التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخص فيه وأمر به , ولو جاز تصديقهم بمجرد الإخبار لما نهى عن تصديقهم ؛ فالنفوس تنتفع بما تظن صدقه فى مواضع .
نتابع معًا يإذن الله تعالى.......
|