(26) خلاصة كلام ابن تيمية فى العمل بالحديث الضعيف فى الفضائل
أقول : ذلك كله من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- وجزاه عن المسلمين خيرا ؛
ونستطيع أن نستخلص منه أن الحديث الضعيف له حالتان :
*الأولى :أن يحمل فى طياته ثوابا لعمل ثبتت مشروعيته بدليل شرعى ؛ فهنا يجوز العمل به ؛ بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب ؛ ومثاله عندنا {التهليل فى السوق} بناء على أن حديثه لم يثبت عنده , وقد عرفت رأينا فيه .
*والأخرى: أن يتضمن عملا لم يثبت بدليل شرعى ؛
يظن بعض الناس أنه مشروع فهذا لايجوز العمل به ؛ وتأتى له بعض الأمثلة الأخرى .
وقد وافقه على ذلك العلامة الأصولى المحقق الإمام أبو إسحاق الشاطبى الغرناطى فى كتابه العظيم " الاعتصام"
فقد تعرض لهذه المسألة توضيحا وقوة بما عرف عنه من بيان ناصع , وبرهان ساطع , وعلم نافع ,
فى فصل عقده لبيان طريق الزائفين عن الصراط المستقيم ؛
وذكر أنها من الكثرة بحيث لايمكن حصرها ؛ مستدلا على ذلك بالكتاب والسنة ؛
وأنها لاتزال تزداد على الأيام ؛ وأنه يمكن أن يجد بعده استدلالات أخر ؛
ولاسيما عند كثرة الجهل وقلة العلم وبعد الناظرين فيه عن الاجتهاد ؛ فلا يمكن إذن حصرها ؛
قال (1/229) :
"لكنا نذكر من ذلك أوجها كلية يقاس عليها ما سواها ".
(27) من طرق المبتدعة الاعتماد على الأحاديث الواهية
( فمنها ) :
* اعتمادهم على الأحاديث الواهية , والمكذوب فيها على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-
والتى لايقبلها أهل صناعة الحديث فى البناء عليها : كحديث الاكتحال يوم عاشوراء , وإكرام الديك الأبيض , وأكل الباذنجان بنيته (1) ,
وأن النبى –صلى الله عليه وسلم-تواجد واهتز عند السماع حتى سقط الرداء عن منكبيه(2) ,
وما أشبه ذلك ؛
فإن أمثال هذه الأحاديث –على ماهو معلوم- لاينبنى عليها حكم , ولا تجعل أصلا فى التشريع أبدا ؛
ومن جعلها كذلك فهو جاهل ومخطىء فى نقل العلم .
فلم ينقل الأخذ بشىء منها عمن نعتد به فى طريقة العلم , ولا طريقة السلوك .
وإنما أخذ بعض العلماء بالحديث الحسن لإلحاقه عند المحدثين بالصحيح ؛ لأن سنده ليس فيه من يعاب بجرح متفق عليه ؛
* وكذلك من أخذ منهم بالمرسل ؛ ليس إلا من حيث ألحق بالصحيح
فى أن المتروك ذكره كا لمذكور والمعدل (3)
فأما ما دون ذلك ؛ فلا يؤخذ به بحال عند العلماء .
ولو كان من شأن أهل الإسلام الأخذ من الأحايث بكل ماجاءعن كل من جاء لم يكن لانتصابهم للتعديل أوالتجريح معنى ؛
مع أنهم قد أجمعوا على ذلك ؛ ولا كان لطلب الإسناد معنى ؛ فلذلك <جعلوا الإسناد من الدين > ؛
< ولايعنون حدثنى فلان عن فلان > مجردا بل يريدون ذلك لما تضمنه من معرفة الرجال الذين يحدث عنهم ؛
حتى لايسند عن مجهول , ولامجروح , ولامتهم, إلا عمن تحصل الثقة بروايته ؛
لأن روح المسألة أن يغلب على الظن من غير ريبة أن ذلك الحديث قد قاله النبى –صلى الله عليه وسلم-
لنعتمد عليه فى الشريعة , وتسند إليه الأحكام .
والأحاديث الضعيفة لايغلب على الظن أن النبى –صلى الله عليه وسلم- قالها ؛
فلا يمكن أن يسند إليها حكم !!!!!!
فما ظنك بالأحاديث المعروفة الكذب ؟!
نعم , الحامل على اعتمادها فى الغالب إنما هو ماتقدم من الهوى المتبع " .
-----------------
(1)هذه الأحاديث كلها موضوعة ؛ تجد الكلام عليها فى " المقاصد الحسنة" وغيرها .
(2) هذا حديث موضوع كما صرح به جمع ؛ وقد أخرجته فى "الأحاديث الضعيفة والموضوعة" برقم (558)
(3) قلتُ : ومع ذلك فهو مردود عند المحدثين كما بينه الخطيب فى " الكفاية "(ص391-397) .
نتابع معًا بإذن الله تعالى....