عرض مشاركة واحدة
قديم 07-09-09, 02:15 AM   #4
إشراف الأقسام العامة
|تواصي بالحق والصبر|
 
تاريخ التسجيل: 19-09-2006
المشاركات: 930
إشراف الأقسام العامة is on a distinguished road
افتراضي

1- الصوم لي، وأنا أجزي به.

في الحديث الصحيح المتفق عليه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ بعَشْرِ أَمْثَالِهَا، إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي)).
أوليست العبادات كلها لله؟ فلماذا اختص الله هذا العمل بالإضافة إليه؟
أوليس الله هو الذي يُجازي على الأعمال الصالحة؟ فلماذا أضاف الله جزاء الصوم له؟
إن الصوم عبادةُ السرِّ بين العبد وربه، لا يعلم أحدٌ من الناس بإمساكِكَ عن الطعام والشراب لأجلِ الله، إلا أن تُخبرهم بذلك، ومن يحولُ بينك وبين الأكل والشرب حين تُغلق الأبواب، وتُرخى الستور، وتخلُو بنفسك، حيث لا يراك أحد من الإنس؟
إنما الخوف من الله، والطمعُ في ثوابه، والرَّجَا بحسن لقائه هو الذي يحول بينك وبين الأكل والشرب.
الإخلاص؛ لُبُّ الأعمالِ وروحها، ومحرِّكُ الجوارحِ ومثيرها، ومقوي العزائمِ وممضيها، وله ثمراتٌ عظيمة في تيسير الأمور، وتذليل الصعاب، وإزاحة العقبات عن كثير من المشروعات التي يفعلها المسلم.
بالإخلاص تطمئن القلوب، وتهدأ النفوس، لأنها تعامل علام الغيوب، الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، والذي يعلم السر وأخفى {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُوراً (9)} [سورة الإنسان 76/9].
قال أشعب بن جبير: لقيني رجل في بعض سِكَكِ المدينة، فقال لي: كم عيالُك؟ فأخبرته، فقال لي: قد أُمِرتُ أن أُجْرِيَ عليك وعلى عيالك ما كنتَ حيًا. فقلت: من أَمَرَك؟ قال: لا أُخبرك. قلت: إن هذا معروفٌ يُشكر. قال: الذي أمرني لم يُرِدْ شُكرك.
قال أشعب: فكنت آخُذُ ذلك المال، إلى أن توفي خالدُ بنُ عبدِ الله بنِ عمر بنِ عُثمان بن عفان، فحفلَ لهُ الناسُ، وشهِدُّت جنازته، فلقيني ذلك الرجل، فقال: يا أشعب! هذا والله صاحبك الذي كان يُجري عليك ما كنت أعطِيك.
وإذا أخلص العبد لله اجتباه ربه وهداه، وأحيى قلبه، وبارك في وقته، وصرَفَ عنه السوء والفحشاء، {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)} [سورة يوسف 12/24].
أما الذين لم يُخلِصوا ففي قلوبهم وجلٌ واضطراب، وفي نفوسهم حيرةٌ وارتياب؛ لأنهم لا يُأمِّلون إلا عطاءَ مخلوقٍ مثلهم، في دنيا حقيرةٍ فانية، فيهوون كل ما يَسنَحُ لهم، ويتشبثونَ بكلِّ ما يهوون، كالغُصنِ الرَّطيب؛ أيُّ نسيم مرَّ به عطفَهُ وأماله.
هذا سر من أسرار الإضافة.
ومن جزاء الصوم ما رواه البخاري عَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ)).
هذا جزاءُ حبسِ النفس عن الماء وسائر الملاذِّ في الدنيا، طاعةً لله، بابُ الريان لمن عطِشوا في الدنيا قليلاً، ونهوا النفس عن أهوائها؛ فكان جزاؤهم من جنس عملهم، رِيٌّ يوم القيامة لا يعْطَشون بعده أبدًا.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))([1]).
كم من الذنوب التي أثقلت الكواهل، وأصدأت القلوب، وحالت بين النفوس وبين الرغبة في الخير، وصومُ رمضان يغفر الذنوب، ويصفي القلوب، ويزكي النفوس.
وليس هذا فحسب؛ بل الخير والبركة، والثواب والجزاء أعظم مما تتصور، وأكبر مما تتخيل، إنه من الله، عطاءٌ لا يعلمه أحد، ولا يستطيع أن يحيط بحقيقته أحد.

([1]) رواه البخاري.
إشراف الأقسام العامة غير متواجد حالياً