عرض مشاركة واحدة
قديم 07-09-09, 02:17 AM   #6
إشراف الأقسام العامة
|تواصي بالحق والصبر|
 
تاريخ التسجيل: 19-09-2006
المشاركات: 930
إشراف الأقسام العامة is on a distinguished road
افتراضي

3- صوم القلب.

القلب هو محلُّ السعادة والشقاء، والإيمانِ والكُفر، واليقينِ والشك، وإنما فُرضَ الصيامُ لأسرارٍ وحكم لا يُدركها من كان أكبرَ همه أن يمتلأ بطنُه بعد طولِ فراغ، وأن يُطفئ حرارة الجوع، وشدةَ العطش، عند مغيب الشمس، وذلك آخرُ عهده بالصوم.
إنما فُرض الصوم ليسُلَّ من الصدورِ سخائمها، وليرفع عن القلوب أوضارها، وليؤت النفوس زكاتها وتقواها.
بالصوم تنسدُّ مسالِكُ الأكل والشرب، ويفرَغُ القلب للتذكر والتدبر، والنظر والتأمل، فيرى حقيقة الدنيا، وحقارتَها، وقِلة شأنِها وهوانَها، وأنها مهما طالت فهي قصيرة، ومهما اتسعت فهي ضيقة، ومهما أعطت فهي عما قليل آخذة، وأنها تأخذ أكثر مما تعطي، وأن الله قد قسَّم فيها الأرزاق بحكمة وعدل، وبسط فيها من الخيرات ما يعين على الطاعة، ويباعد عن المعصية.
ويرى أن ما قُسِم له لم يكن ليخطئه، وما مُنِع عنه لم يكن ليصيبه.
ويرى أن الحسد إنما يأكل قلبه قبل أن يصيب المحسودين، وأن الغِلَّ يُفرِّق بين الإخوان، ويمزق الجسد الواحد، أشد مما يمزق الذئب الجائع بدن فريسته.
في الحديث الصحيح المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الصيام جنة)).
والجنة هي الوقاية والستر؛ فالصائم الصادق قد ستر قلبه عن الأحقاد والضغائن، وحال الصومُ بينه وبين ما يُفسده من أمراض القلوب، التي تقتل صاحبها في الدنيا، قبل أن تقتله أمراض البدن؛ فصار يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وينصح لهم.
ألا يكفي ذمًا للملاحاة والتباغُضِ، والتقاطُعِ والتدابُر أنها قاطعةٌ للبر والصلة، ماحقةٌ للخير والبركة، مانعةٌ من وصولِ العمل إلى الله، ورفعه إليه؟! حتى حيل بيننا وبين معرفة ليلة القدر بسبب ملاحاة رجلين([1])!
كيف يصوم من أفطر قلبه على سيء الأعمال، وكريه الأخلاق، وانطوى صدره على الغش لإخوانه، وإلقاء العداوة بينهم، وإذكاء نيران الفرقة في صفوفهم؟
فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله.

([1]) كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن عبادة بن الصامت.
إشراف الأقسام العامة غير متواجد حالياً