07-09-09, 02:19 AM
|
#7
|
|تواصي بالحق والصبر|
تاريخ التسجيل:
19-09-2006
المشاركات: 930
|
4- صوم اللسان.
إذا صام القلب عن الهموم والإرادات الفاسدة، صامت الجوارح عن الآثام والأعمال الباطلة، وأعظمُ الجوارح اللسان، فقلَّ أن تجد أحدًا من الناس يطيق أن يمسك لسانه، بل ما أكثر المتهاونين به، الخائضين به في كل حديث، والوالغين به في كل عِرض، المجادلين به في كل باطل.
في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفُثْ ولا يَصْخَبْ، فإن سابَّهُ أحدٌ أو قاتَله، فليقُل: إني امرؤ صائم)).
وفي تعويد اللسان على الإمساك عن اللغو والرفث، والصخب والجهل، والجدال([1])، خيرٌ عظيم، فإن مقْتَلَ الرجلِ بين فكيه، وكم جر اللسانُ صاحبَه إلى عورته وهو لا يشعر، وكم أكب من الناس على مناخرهم في نار جهنم.
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ؟
قَالَ: ((لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ)).
ثُمَّ قَالَ: ((أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ)) قَالَ: ثُمَّ تَلَا {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقون، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يَعْمَلُونَ}
ثُمَّ قَالَ: ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ، وَعَمُودِهِ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟))
قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: ((رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ)).
ثُمَّ قَالَ: ((أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟))
قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: ((كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا)).
فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ! وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟!
فَقَالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))([2]).
قال بعض السلف: الغيبةُ تَخْرِقُ الصيام، والاستغفارُ يرقَعُه، فمن استطاع منكم أن لا يأتِيَ بصومٍ مُخَرَّقٍ فليفعل.
بل إنه ليُخشى على الصائم الذي أمسك عن الطعام والشراب، ولم يُمسك لسانه عما حرم الله أن يَمْقُته الله؛ فيُحبِطَ عمله، فيذهبُ جهده هباءً، ولا يكونُ حظُّه من الصوم إلا الجوعَ والعطش.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ))([3]).
والزور في هذا الحديث هو الكذب، وفيه بيان لأولي النهى، وأصحاب العقول أن الله لم يشرع الصيام لنُحرم من الأكل والشرب ساعاتَ النهار، ولكنَّ المقصودَ أن نكسِر شهوات النفس، ونمسك عِنان اللسان عن تتبع العورات، والخوضِ بالباطل، ونحفظَ الجوارح عن ارتكاب ما حرم الله، {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} [سورة الحـج 22/37].
([1]) ورد عند سعيد بن منصور من طريق سهيل ابن أبي صالح عن أبيه ((فلا يرفث، ولا يجادل)).
([2]) رواه الترمذي، وقال: صحيح، ورواه أحمد وابن ماجه،
([3]) رواه البخاري في كتاب الصوم، باب من لم يدع قول الزور في الصوم.
|
|
|