عرض مشاركة واحدة
قديم 07-09-09, 02:21 AM   #9
إشراف الأقسام العامة
|تواصي بالحق والصبر|
 
تاريخ التسجيل: 19-09-2006
المشاركات: 930
إشراف الأقسام العامة is on a distinguished road
افتراضي


6- القيام بين يدي الملك.

الصلاة هي قُرَّةُ عُيونِ المتقِينَ، وراحةُ قُلوبِ الموحِّدينَ، بِهَا تُزال الهموم، وتُبعثرُ الغُمومُ، وتُحطُّ الذنوبُ، حينَ يقِفُ العبدُ الحقيرُ بين يدي ربِّه وقْفةِ الذُّلِّ والانكسارِ والخُضوع، ساكنَ الجوارِح، حاضِرَ القلبِ، خاشِعَ البصرِ، يرجو رحمةَ ربِّه، ويحذرُ الآخرة.
قال بكْرُ الْمُزَنِي: مَنْ مِثْلُكَ يا ابنَ آدم؟! خُلِّيَ بينكَ وبين المحرابِ والماءِ، كُلَّما شِئت دخلْتَ على الله عزَّ وجل، ليس بينك وبينه تُرجُمَان([1]).
ما أجملها من لحظات، وما أطيبها من نفحات، وما أبركها من ساعات، تلك الساعة التي يُرفع فيها الحجابُ بينك أيها العبدُ الحقيرُ الفقيرُ، وبين الملك العظيم الغني الحميد.
ما أعظم تلكَ الساعةَ التي تُخاطِبُ فيها ربَّكَ، فيجيبُك، تقول: الحمد لله رب العالمين؛ فيقول الله: حَمِدَني عبدي، ثم تقول: الرحمنِ الرحيم، فيقول الله تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، ثم تقول: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، فيقول الله تعالى: مَجَّدَنِي عَبْدِي، أو فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، ثم تقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، فيقول الله تعالى: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، ثم تقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فيقول الله تعالى: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ([2]).
لا والله الذي لا إله غيره، ما في الدنيا لحظةٌ أعظمَ من هذه اللحظة، ولا ساعةٌ أطيبَ من هذه الساعة، حين يُناجِي العبدُ ربَّه، فيجيبُه ربه ويُكلِّمه، ويردُّ عليه، ويستجيبُ دعاءه.
أخرج أبو نعيم في الحِلية([3]) عن ثورِ بن يزيدٍ قال: قرأتُ في بعضِ الكتب أنَّ عيسى عليه الصلاةُ والسلامُ قال: يا معْشَرَ الحواريين، كَلِّمُوا الله كثيرًا، وكلِّمُوا الناس قليلاً. قالوا: كيف نُكلِّمُ الله كثيرًا؟ قال: اخلوا بمناجاته، اخلوا بدعائه.
وصومُ رمضان قد قُرِن بالقيام، ولهذا شُرع فيه الاجتماع للصلاة النافلة، ما لم يُشرع في غيره؛ لتتقوى النفوسُ الضعيفةُ، ويسمعَ القرآنَ من لا يستطيع قراءتَهُ لوحْدِه.
صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه))([4])، أي تصديقًا بوعْدِ الله بالثوابِ عليه، وطلبًا للأجرِ، لا لقَصْدٍ آخرَ مِنْ رياءٍ ونحوِه.
فأيُّ نِعْمةٍ أجلُّ، وأيُّ عَطاءٍ أعظمُ من غُفرانِ الذُّنوب، وسَتْرِ العيوب؟!

([1]) جامع العلوم والحكم (83).

([2]) ثبت ذلك في صحيح مسلم، من حديث أبي هريرة.

([3]) (2/229).

([4]) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
إشراف الأقسام العامة غير متواجد حالياً