07-09-09, 05:07 AM
|
#20
|
|تواصي بالحق والصبر|
تاريخ التسجيل:
19-09-2006
المشاركات: 931
|
ما هي الروح؟
الروح جسم مخلوق نورانى علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم([1]).
وقد جعلها اللَّهُ فِي الْأَجْسَامِ, فَأَحْيَاهَا بِها, وَعَلَّمَهَا وَأَقْدَرَهَا, وَبَنَى عَلَيْهَا الصِّفَاتِ الشَّرِيفَةَ, وَالْأَخْلَاقَ الْكَرِيمَةَ([2]).
فالمشاعر والأحاسيس، والحب والبغض، والإرادة والقصد، والأخلاق والطبائع كلها متعلقة بالروح.
وهذه الروح تسمى نفسًا، وقد سماها الله في كتابه كذلك، فقال: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)} [سورة الزمر 39/42].
وقد أضاف الله هذه الروح إليه إضافة تشريف، فقال {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ (9)} [سورة السجدة 32/7-9]
وهذه النفس لها أحوال وأحكام، ولها غذاء وليس غذاء الأرواح من جنس غذاء البدن، بل إن غذاء البدن إذا زاد عن حده أفسد الروح وأمرضها، وأدخل عليها من الفساد ما يكون فيه هلاكها.
وغذاؤها بالعلم النافع، وبالعمل به، فعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتْ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتْ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتْ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ))([3]).
فالنبي صلى الله عليه وسلم "شبه العلم والهدى الذي جاء به بالغيث، لما يحصل بكل واحد منهما من الحياة والمنافع والأغذية والأدوية وسائر مصالح العباد،.. وشبه القلوب بالأراضي التي وقع عليها المطر لأنها المحل الذي يمسك الماء فينبت سائر أنواع النبات النافع، كما أن القلوب تعي العلم فيثمر فيها ويزكو وتظهر بركته وثمرته"([4]).
وعَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ فَشَرِبْتُ، حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ)) قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الْعِلْمَ))([5]).
ومن غذاء الروح الرائحة الطيبة؛ ولهذا حبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا الطيب؛ لأن النفس ترتاح إلى الروائح الطيبة، ولها أثر في زيادة قوة البدن، ودفع التعب والكسل.
"وفي الطيب من الخاصية أن الملائكة تحبه، والشياطين تنفر عنه، وأحب شيء إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة، فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة، والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة، وكل روح تميل إلى ما يناسبها؛ فالخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات"([6])
وإذا تغذت الروح بالعلم النافع، والعمل الصالح، فإن ذلك قد تظهر آثاره على البدن في الدنيا قبل الآخرة، فهذا نافع القارىء كان إذا تكلم يُشم من فيه رائحة المسك، فقيل له: كلما قعدت تتطيب؟!! فقال: ما أمس طيبًا، ولا أقربه، ولكن رأيت النبي في المنام وهو يقرأ في فمي، فمن ذلك الوقت يشم من فِيِّ هذه الرائحة([7]).
وهذا عبد الله بن غالب لما قتل في المعركة ودفن أصابوا من قبره رائحة المسك، قال: فرآه رجل من إخوانه في منامه، فقال: يا أبا فراس! ما صنعت؟ قال: خيرَ الصنيع، قال: إلام صرت؟ قال: إلى الجنة، قال: بم؟! قال: بحسن اليقين، وطول التهجد، وظمأ الهواجر، قال: فما هذه الرائحة الطيبة التي توجد من قبرك؟! قال: تلك رائحة التلاوة والظمأ، قال قلت: أوصني، قال: اكسب لنفسك خيرًا، لا تخرج عنك الليالي والأيام عُطلًا؛ فأنى رأيت الأبرار نالوا البر بالبر([8]).
حتى إن الناس فتنوا في قبره، فبعث إليه من سواه بالأرض([9]).
وإذا تغذت الروح بالأمور الخبيثة، وأعرضت عما فيه سعادتها وفلاحها، وتركت سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قد يظهر على البدن أثر ذلك، فذكر مسعدة في كتابه في الرؤيا عن ربيع بن الرقاشي قال أتاني رجلان فقعدا إلي فاغتابا رجلا فنهيتهما، فأتاني أحدهما بعدُ، فقال: إني رأيت في المنام كأن زنجيًا أتاني بطبق عليه جنبُ خنزير، لم أر لحمًا قطُّ أسمنَ منه، فقال لي: كل، فقلت: آكل لحم خنزير؟؟!! فتهددني، فأكلت، فأصبحت وقد تغيَّر فمي، فلم يزل يجد الريح في فمه شهرين([10]).
وقال القيرواني: أخبرني شيخ من أهل الفضل، قال: أخبرني فقيه، قال: كان عندنا رجل يكثر الصوم ويسرده، ولكنه كان يؤخر الفطر، فرأى في المنام كأن أسودين آخذين بضبعيه وثيابه إلى تنور محمى ليلقياه، قال: فقلت لهما: على ماذا؟! فقالا: على خلافك لسنة رسول الله، فإنه أمر بتعجيل الفطر وأنت تؤخره، قال فأصبح وجهه قد اسود من وهج النار فكان يمشي متبرقعًا في الناس([11])
فإذا داومت الروح على فعل الخيرات، ولم تزل مشتغلة بالطاعات فإن مستقرها بين يدي الله إذا فارقت البدن، فتحييه بالتحية الطيبة، عن جابر بن عبد الله قال: لَقِيَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: ((يَا جَابِرُ مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا؟)) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ أَبِي، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكَ عِيَالًا وَدَيْنًا، قَالَ: ((أَفَلَا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ؟)) قَالَ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ((مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَأَحْيَا أَبَاكَ فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا، فَقَالَ يَا عَبْدِي تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ، قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي فَأُقْتَلَ فِيكَ ثَانِيَةً، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لَا يُرْجَعُونَ، قَالَ وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا..} الْآيَةَ([12])، وقال ابن القيم: "حدثني القاضي نور الدين بن الصائغ قال: كانت لي خالة، وكانت من الصالحات العابدات، قال: عدتها في مرض موتها، فقالت لي: الروح إذا قدمت على الله ووقفت بين يديه ما تكون تحيتها وقولها له؟ قال: فعظُمت علي مسألتها، وفكَّرتُ فيها، ثم قُلت: تقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، قال: فلما توفيت رأيتها في المنام فقالت لي: جزاك الله خيرًا، لقد دُهشت فما أدري ما أقوله ثم ذكرت تلك الكلمة التي قلت لي فقلتها"([13]).
([1]) الروح لابن القيم (1/178).
([2]) أحكام القرآن لابن العربي (3/214).
([3]) رواه البخاري كتاب العلم، باب فضل من علِم وعلَّم، ومسلم
([4]) مفتاح دار السعادة (1/60).
([5]) متفق عليه.
([6]) زاد المعاد (4/257). وانظر: مقدمة ابن خلدون (302) حيث ذكر أثر فساد الهواء على الروح.
([7]) الروح (1/190).
([8]) حلية الأولياء (6/248).
([9]) انظر: شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (157).
([10]) الروح (1/190).
([11]) الروح (1/191).
([12]) رواه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة آل عمران، وقال: " غريب من هذا الوجه، ورواه ابن ماجه في المقدمة، وفي كتاب الجهاد. وقال في الزوائد: إسناده ضعيف، وابن حبان في صحيحه، (15/490، رقم 7022)، والحاكم في المستدرك (3/224، رقم 4914)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
([13]) الروح (1/188).
|
|
|