(2)
شاهد عليّ
قرب وقت الإنتقال إلى البيت الجديد واشتدت الإستعدادات ،
وكلنا بالبيت أمثال دوي خلية النحل من العمل والسعي الدؤوب من أجل جمع محتويات البيت..
واليوم بإذن الله سنرتب المكتبة في صناديق و نكتب على كل واجهة كل صندوق عنوان السلسلة ..
ابني الأكبر صعد السلم لينزل الكتب من الرف العلوي و ابنتي مستعدة لاستقبال أي كتاب يمده لها أخوها ..و تمسح ما علق به من غبار .. و تمده لي لكي أرتبه..
و فجأة قال ابني هذه المذكرة لا تنمي إلى السلسلة و وجدتها مدسوسة وسط السلاسل ..و بسرعة مدها إلى أخته و نظفتها و سلمتها لي ..
[fot1]***[/fot1]
إنها مذكرتي.. ما إن رأيتها حتى أصابتني رعشة !!!
شكلها ليس غريبا علي ..و يبدو أنني كنت لا أريد أن يطلع عليها أحدا..
قلبي سيخرج من أضلعي لاستلامها ..بنفسه..
ضممتها لصدري و أنا أحاول أن أتذكر .. لقد نسيت أشياء كثيرا بعد سلسلة العمليات التي أجريتها ..أو بالأحرى أحتاج لمن يُذكرني بأمور و بتفاصيلها لكي أتذكر..و أريد أن أتذكرهذه المذكرة..
..تبدو قديمة بعض الشيء..
تأملتها طويلا..دون جدوى ..فلم اتذكر شيئا .. أحس أنها ذات قيمة و ثمينة بالنسبة لي ..و لكن لم أتذكر..
ناديت ابنتي لكي تتم العمل مع اخوتها..
و خرجت إلى الغرفة المجاورة حاملة معي هاته المذكرة..
فتحت دفتيها لأقرأ الصفحات الأول منها ..
و دخلت عالما ...خرجت منه من عشرين سنة مضت ..
[fot1]***[/fot1]
بدأت أتذكر ،،، شيئا فشيئا ،،، انها صديقتي الوحيدة التي كنت أترجم عليها كل أحساسي و انفعلاتي ..بعد أن فارقت والديَّ و إخوتي و انتقلت إلى مدينة أخرى مع انسان كنت أعتبره غريبا جدا عني ، يحمل فكرا غير فكري و تقاليدا غير تقاليدنا و حياة مخاااالفة تماما عن حياتنا ..
فلولا ذلك الجُعل المبارك الذي يجعله الله سبحانه و تعالى بين الرجل و المرأة " ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21] " لما استقرت زوجة في بيت زوجها .. و خاصة لما تكون تحب أهلها كثيرا..
فكانت هذه المذكرة هي رفيقتي..ابتسمت و أنا أقلب إحدى الصفحات و أقرأ ما سطرت أناملي بدقة متناهية و هي تصف خلجات نفس فرحت بحادث جميل ..استرسلت قليلا في القراءة و قلبت الصفحة .. لأعيش مشاعر أُخر ..ذرفت عيني دمعات تلوة دمعات أحاول إيقافها ...تذكرت يوم تأخر زوجي في عوته من العمل ... أنكرت نفسي أن تكون هي من باحت بهذه المشاعر..لا لا.. لا يمكن أن أكون أنا ...أم تراني تغيرت بعد هذه الزمن الطويل ..و لكن ..هذه المذكرة شااااهدة على حالي ..يااارب رحماك بنا
يوم تشهد علينا ألسنتا و أيدينا و جلودنا ..
(اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون).
(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً)
( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )سورة النور رقم 24
وهنا ..سأنيخ المطايا ..في خمس تأملات و وقفات..مع هذه المذكرة
الأولى ..
و هو الشعور الذي صقعني أول مرة ..و أنا أقلب صفحات الكتاب
لا أصدق نفسي.. أتقلب بين فرح و سرور بين سوء ظن تارة و يقين تارة أخرى بين واقع و أحلام ..كتبتُ تفاصل كل شيء..
أغمضت عيني و قلت ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها ..
تأملت هذه العبارة وتذكرت هول الموقف يومئذ عندما نعرض على الله
قال الله تعالى :
(47) وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) .
قال السعدي في تفسيره
( يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا ) أي: لا يترك خطيئة صغيرة ولا كبيرة، إلا وهي مكتوبة فيه، محفوظة لم ينس منها عمل سر ولا علانية، ولا ليل ولا نهار،
( وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ) لا يقدرون على إنكاره
( وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) فحينئذ يجازون بها، ويقررون بها، ويخزون، ويحق عليهم العذاب، ذلك بما قدمت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد، بل هم غير خارجين عن عدله وفضله.
نعوذ بالله من الويل و الثبور و نسأله فضله و كرمه
الثانية :
و أثرت في كثيرا كثيرا ..
إذا كنت قد فتحت ملف عمر قصير سنتين تقريبا و سجلته بنفسي ..و لا شك أنني سجلت ما أريده في تلك اللحظات و ليس كل ماكان ..فمال بالك يا أم إبراهيم بما سجله رقيب و عتيد
(ما يلفظ من قول إلا لديه رقب عتيد).
(وكل إنسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً).
يفتح هذا الملف يوم القيامة ويقال له اقرأ، سواء أكان يعرف القراءة أم لم يكن يعرفها يقال له:
(اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً).
و أسأل الله أن يجعلني و غياكم من الأبرار الذي يتلقون كتباهم بيمينهم
وهل وحدي من سيقرأ الكتاب هذا الكتاب ؟
قال الله تعالى :
كَلا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ (21) إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22)
قال السعدي رحمه الله :
لما ذكر أن كتاب الفجار في أسفل الأمكنة وأضيقها، ذكر أن كتاب الأبرار في أعلاها وأوسعها، وأفسحها وأن كتابهم المرقوم ( يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) من الملائكة الكرام، وأرواح الأنبياء، والصديقين والشهداء، وينوه الله بذكرهم في الملأ الأعلى،
نسأل الله أن يمن كتبنا و يجعله في عليين
و كتبنا مع الأبرار
اللهم آمين
يتبع..