عرض مشاركة واحدة
قديم 15-11-09, 02:35 AM   #3
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث الثاني: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه..)) -وفي رواية-: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) متفق عليه.
هذا حديث عائشة -رضي الله عنها- في الصحيحين تقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه)) في رواية: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) متفق عليه.
((من أحدث)) هذا يلي الشرط الثاني لصحة العبادات، وهو أن تكون على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- وعلى طريقته، على هديه وعلى طريقته، فلا بد من الإخلاص والمتابعة، وبعض أهل العلم يقول: يكفي الشرط الثاني عن الشرط الأول، ما نحتاج أن نقول إخلاص، يكفي أن نقول: متابعة، إذا فعل المسلم العمل على ضوء ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، تابع النبي -عليه الصلاة والسلام- في عمله، يكفي لقبوله، لماذا؟ لأن من لوازم الاتباع الإخلاص؛ لأن العمل الذي لم يخلص فيه ولم يرد به وجه الله -عز وجل- لا تتم متابعته للنبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بالإخلاص؛ لأن عمله -عليه الصلاة والسلام- وقع كذلك، يعني مخلصاً فيه لله -جل وعلا-، كلام مقبول وإلا غير مقبول؟ يعني شخص عمل، صلى كما نقل عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن بنيةٍ غير خالصة هل تم الاتباع؟ ما تم الاتباع، إذاً فُقد شرط الاتباع، ومن لازم الاتباع الإخلاص، يقول: يكفي اشتراط الاتباع عن اشتراط الإخلاص، نعم قد تدخل النية والإخلاص على سبيل الإجمال في الاتباع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقع منه عمل شرعي لم يخلص فيه لله -جل وعلا-.
إذاً من لازم الاتباع الإخلاص؛ لكن اشتراط النية أمر لا بد منه، والتنصيص على النية أمر لا محيد عنه، ولا مفرّ منه، اهتمام بشأنها وتعظيماً لأمرها؛ لأنه لو اقتصر على الاتباع فهم بعض الناس، ((صلوا كما رأيتموني)) رأيناه يصلي خلاص صلينا كما صلى، ويغفل عن النية؛ لأن النية أمر قلبي، إذاً لا بد من التنصيص عليها، وإن دخلت في عموم أو في إجمال الاتباع، اهتماماً بشأنها؛ لأن الناس يغفلون عنها مع كثرة ما جاء فيها من نصوص، فكيف لو لم تذكر من الشروط؟ لو لم تذكر شرط في كل عبادة، لو لم تذكر تركها الناس، هم الآن يغفلون عنها مع أن أهل العلم يؤكدون عليها دعماً أو تدعيماً لما قالوه بالنصوص الصحيحة الثابتة ويغفلون عنها، إذاً لا بد من ذكرها والتنصيص عليها، ولذا يرى بعض العلماء أن حديث عمر ينبغي أن يجعل في مقدمة كل باب من أبواب الدين، وهو يدخل في جميع أبواب الدين، كما قال أهل العلم أنه يدخل في سبعين باب من أبواب الدين، والبخاري يقول: دخل في ذلك الإيمان والوضوء والصلاة والزكاة وغيرها.
لا شك أن هذا الحديث افتتح به كثير من الأئمة مؤلفاتهم اهتماماً بشأنه، وقال بعضهم: أنه ينبغي أن يدخل في كل باب من أبواب الدين، الباب الأول حديث الأعمال بالنيات، ثم الأحاديث التي تليها، الباب الثاني حديث: الأعمال بالنيات؛ لأن الباب الثاني محتاج إلى النية، الباب الثالث محتاج إلى النية الرابع، إذاً يذكر في كل باب؛ لأنه من متطلبات هذا الباب، فكيف نقتصر على الاتباع ونغفل النية التي هي عبارة عن الإخلاص، بعضهم يرى أن حديث عمر ربع الدين، والدين كله يدور على أربعة أحاديث:

عمدة الدين عندنا كلمات أربع *** من قول خير البرية
اترك الشبهات وازهد ودع ما *** ليس يعنيك واعملن بنية
إشادة أهل العلم بالحديثين وكلامهم في هذا كثير، فنقتصر على هذا.
في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من أحدث في أمرنا)) في أمرنا يعني في ديننا، في شرعنا، فالإحداث لا يقبل في الدين ما ليس منه البتة، مهما كان الدافع له، ولو كان الدافع له الإخلاص ونية الإخلاص، فالإحداث في الدين ابتداع، فكل عملٍ لم يسبق له شرعية من كتابٍ أو سنة والمقصود بذلك أمور الدين فإنه بدعة، والبدعة في اللغة: ما عمل على غير مثالٍ سبق، وفي اصطلاح أهل العلم: ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتابٍ ولا سنة، والبدع كلها ضلالة بدون استثناء، البدع في الدين التي لم يسبق لها شرعية كلها ضلال، وكل بدعةٍ ضلالة، هناك وسائل، أما المقاصد فلا إشكال في أنها غير قابلة لإدخال أي شيءٍ فيها؛ لكن وسائل مثل هذه المكبرات مثلاً؟ محدثة، وتستعمل في عبادة، جمع من أهل العلم توقفوا فيها فلم يستعملوا هذه المكبرات يقولون: نتقرب إلى الله -جل وعلا- بمحدث؟ ما يمكن، وماتوا على ذلك، مع إنهم أئمة وخطباء وعلماء كبار ما استعملوا هذه المحدثات؛ لكن مع الجموع الغفيرة لا شك أن مصلحتها راجحة، ولذا أهل العلم تواطئوا على استعمالها؛ لكن ينبغي أن ننظر إلى القول الآخر أيضاً نظر اعتبار، ليس عارياً عن الصواب من كل وجه؛ لكن الحاجة داعية، فيبقى أنه ينبغي أن يكون استعمالها بقدر الحاجة، والحاجة تقدر بقدرها، ونجد بعض الأئمة يستعمل هذه المكبرات، ويرفع عليها رفعاً يقلق المصلين، ويشوش على الناس، ويستعمل المؤثرات كأنه ملحن، تردد الصوت من أجل إيش؟ الأصل في هذه الأمور المنع، هذه الأمور المحدثة؛ لكن احتيج إليها، إمام ما خلفه إلا اثنين أو ثلاثة يرفع على المكبر المؤثرات وما أدري إيش؟ على شان إيش؟ مثل هذا لا يحتاج إلى مكبر، شيخ عنده خمسة طلاب عشرة طلاب ما يحتاج إلى مكبر؛ لكن كثر الجمع بدلاً من المستملين عند أهل العلم في السابق يحضر جموع غفيرة؛ لكن يبلغ الصوت بالاستملاء، المستملي يقف واحد هنا وواحد هنا وواحد بعيد وثالث ورابع وعاشر بقدر الجمع الذي عنده فيبلغ، يقول الشيخ كذا ثم ينقله الأقرب ثم الأبعد ثم الأبعد وهكذا، فهذه بقدر الحاجة تستعمل.
البدع كلها مذمومة ((من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو مردود)) يعني مردود، ولو بعث عليه الإخلاص، لا يكفي الإخلاص، لا يكفي حسن القصد، بل لا بد من الشرط الثاني وهو الاتباع، إذاً هل يمكن أن يقال في البدع ما يمدح ويحمد؟ بدع محمودة وبدع مذمومة؟ أو نقول بالقول الآخر بدع واجبة، بدع مستحبة، بدع مباحة، بدع مكروهة، بدع محرمة؟ الأحكام الخمسة كما قال بعضهم؟ هل هذا التقسيم له وجه؟ والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعةٍ ضلالة)) كل بدعة ضلالة ونقول: بدعة واجبة؟ هل نقول: بدعة واجبة والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعةٍ ضلالة)) من صيغ العموم؟ من أهل العلم من قال ذلك، وعمدتهم في التقسيم قول عمر -رضي الله عنه- في صلاة التراويح: "نعمت البدعة" فنعم من صيغ المدح، والبدعة بدعة، فهذه بدعة ممدوحة؛ لأن نِعْم من صيغ المدح؟ فهل هذا الكلام صحيح؟ الكلام صحيح عن عمر ثابت في البخاري ليس لأحدٍ كلام، والبدعة في اللغة: ما عمل على غير مثالٍ سابق، وفي الشرع: ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من الكتاب والسنة، هل نقول: إن قولنا: بدعة ممدوحة أو محمودة أو بدعة واجبة اختلاف في الاصطلاح العرفي عن الاصطلاح الشرعي؟ يعني نظير ما قال أهل العلم في غسل الجمعة واجب على كل محتلم، وهم يقولون: غسل الجمعة مستحب وليس بواجب، هل نقول: أن هذا محادة للرسول يقول: واجب وأن تقول: ليس بواجب؟ أو نقول: أن هذا مما يختلف فيه العرف الشرعي، يعني الاصطلاح الشرعي عن الاصطلاح العرفي؟ يعني لو جاء لك شخص وقال: والله أنا عمري الآن خمسين ستين سنة ما رأيت جمل أصفر، والله -جل وعلا- يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] يقول: يا أخي أنت ناقضت القرآن، القرآن يقول: إما أنا ما شفت، يقول: أنا شفت جميع أنواع الجمال ما رأيت أصفر الأصفر عنده غير الأصفر المراد بالنص، الأصفر عنده.... إذاً ما في محادة، ومثله: غسل الجمعة واجب، الواجب في هذا اللفظ غير الواجب الذي اصطلح عليه أهل العلم، وهذا تخريج الكلام من أهل العلم، بقي عندنا قول عمر -رضي الله عنه-: "نعمت البدعة" وهو أمر مشكل، الشاطبي في الاعتصام -رحمه الله تعالى- رد على من قسم البدع إلى بدع مذمومة وبدع ممدوحة وبدع محمودة، رد هذا التقسيم وقوض دعائمه بقوة؛ لكنه حمل البدعة في قول عمر على إيش؟ على المجاز، قال: بدعة مجاز وليست بحقيقة، شيخ الإسلام -رحمه الله- في الاقتضاء يرى أنها بدعة لغوية وليست بدعة شرعية؛ لكن يرد على كلام الشاطبي أنه لا يوجد مجاز، لا في النصوص ولا في لغة العرب عند أهل التحقيق، شيخ الإسلام وابن القيم وجمع من المحققين أنه لا يوجد مجاز يشكل عليه، في كلام شيخ الإسلام أنها بدعة لغوية، تراويح، كما في الصحيح، صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قيام الليل في رمضان جماعة ليلتين أو ثلاث جماعة في قيام رمضان وترك هذا القيام لا رغبة عنه، إنما خشية أن يفرض، فهل نقول: أن هذا العمل لم يسبق له مثال سبق؛ لتقول بدعة لغوية؟ سبق له مثال، وسبق له شرعية من السنة، إذاً ليس ببدعة لا لغوية ولا شرعية، كيف نحمل كلام عمر -رضي الله عنه-؟ مجاز ليس بمجاز، بدعة لغوية كما قال شيخ الإسلام ليست بدعة لغوية لأنه سبق لها مثال، وليس ببدعة شرعية اتفاقاً، لأن عمر -رضي الله عنه- لا يمكن أن يمدح بدعة شرعية، وأيضاً سبق له شرعية من السنة فليس ببدعة، يحمل كلام عمر -رضي الله عنه- على إيش؟
طالب:.....
على افتراض؟ افتراض إيش؟ عند أهل العلم تعبير بغير هذا قريب منه، المشاكلة، أسلوب المشاكلة والمجانسة في التعبير أسلوب معروف في لغة العرب وفي النصوص الشرعية:

قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه *** قلت: اطبخوا لي جبةً وقميصا

اطبخوا، مشاكلة، ما طبخ اطبخ {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] الجناية سيئة؛ لكن معاقبة الجاني سيئة؟ هذه ليست سيئة، إنما هي من باب المشاكلة والمجانسة في القرآن، وعلى هذا حمل بعض العلماء ما ورد من النصوص، ((فإن الله لا يمل حتى تملوا)) قال مجانسة {نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ} [(67) سورة التوبة] وكثير من النصوص التي جاءت بهذا الأسلوب.
مشاكلة في التعبير كأن قائلاً: ابتدعت يا عمر، هذا ما وجد في عهد أبي بكر، ولا في آخر عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "نعمت البدعة" فهذا من باب المجانسة والمشاكلة في التعبير.
((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه)) يعني ليس من الدين، يتعبد بعبادة لم يرد لها فيها شرع، هذا مبتدع، والبدع معروف أنها تتفاوت بحسب قربها وبعدها عن مقاصد الشرع، ونصوص الشارع وعلى حسب الآثار المترتبة عليها، وهناك البدع الكبرى المكفرة المخرجة عن الملة، وهناك البدع المفسقة، وهناك البدع الصغرى، المقصود أن موضوع البدع والابتداع أمر خطير في غاية الأهمية، ويحتاج إلى بحوث ولقاءاتٍ عديدة، بعض المبتدعة الكبار، كبار المبتدعة الفارابي مثلاً جاور في آخر عمره بمكة، وهو معروف وضعه، جاور بمكة، إيش هذه المجاورة؟ جاور يصوم الدهر؛ لكن على ما يفطر؟ قالوا: أنه يفطر على الخمر المعتق وأفئدة الحملان، هذه مجاورة؟ هذا زيغ، هذا ضلال، شخص وصف بأنه من أهل الصيام والقيام من العباد والزهاد، يقول أحمد أمين في مذكراته: أنه فقده يقول: درسنا في مدرسة القضاء الشرعي فقدته مدة سنوات طويلة فسافرت إلى تركيا فوجدته قد اعتزل الدنيا، يقوم الليل، ويصوم الدهر؛ لكن متى يصوم؟ يبدأ الصيام من الضحى، من الساعة تسع، لماذا؟ يقول في الشقة التي تحت السكن الذي يسكنه عائلة مدري قال: يهودية أو نصرانية ويخشى أن يزعجهم إذا قام يعد السحور؟ هل هذا اتباع؟ يا إخوة الضلال لا نهاية له، والبدع يجر بعضها بعضاً حتى ينسلخ الإنسان من دينه وهو لا يشعر، فعلينا أن نتبع، فقد كفينا ولله الحمد، كل ما أثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مما تحتاجه الأمة نقل إلينا نقلاً صحيحاً لا شك فيه ولا مرية، فعلينا أن نعنى بكتاب الله -جل وعلا- الذي فيه العصمة والمخرج من الفتن، وعلينا أيضاً أن نعنى بسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- مما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- لنعبد الله على بصيرة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [(108) سورة يوسف] أما الذي لا يتبع هذا شأنه، والله المستعان.
فلا شك أن هذا الحديث مع الحديث السابق ميزان للأعمال الظاهرة والباطنة، فالحديث الأول ميزان للأعمال الباطنة، والحديث الثاني ميزان للأعمال الظاهرة، وعلينا أن نعنى بالأمرين معاً ظاهراً وباطناً، يوجد وهذا مع الأسف الشديد يحسه الإنسان في نفسه العناية ببعض الأمور الظاهرة، أما أمور الباطن وأعمال القلوب فنحن في غفلةٍ تامة عنها، إذا نظرنا إلى الخوف من الله -جل وعلا-، إلى الخشية منه، إلى التوكل عليه، إلى الصبر إلى المصائب، إذا اختبرت بعض الأخيار صفر في هذه الأمور، فعلينا أن نعنى بالباطن كعنايتنا بالظاهر، إن لم تكن أشد، فالمعول على القلوب وأعمال القلوب {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(89) سورة الشعراء] نحتاج إلى علاج هذه القلوب، نحتاج إلى أن نزلي هذه الشحناء، وهذه البغضاء، وهذا التنافس والتدابر والتقاطع، نحتاج إلى ذلك، نحتاج إلى تصفية القلوب على مراد الله -جل وعلا-، ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والله المستعان.



توقيع أم الخطاب78
كيف يكون هذا الود؟ وما هي أسبابه؟ وثمراته؟

أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس