الحديث الثالث: وعن تميم الداري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)) [رواه مسلم].
هذا الحديث، حديث تميم الداري وليس له في البخاري شيء من الأحاديث، وليس له من الأحاديث في مسلم إلا هذا الحديث، ليس له في مسلم إلا هذا الحديث يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، حديث الجساسة النبي -عليه الصلاة والسلام- يرويه عن تميم، فمما يروى عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لتميم الداري هذا الحديث فقط في صحيح مسلم، وهذا الحديث كسابقيه يحتاج في شرحه إلى دروس، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة)) ثلاثاً، هذا التكرار يوجد في الصحيح أو لا يوجد؟ وين الحفاظ؟ مكرر ثلاثاً؟ التكرار هذا لا يوجد في مسلم، والمؤلف -رحمه الله- قلد النووي في التكرار وفي العزو، إنما يوجد هذا التكرار في المستخرج، مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم، بعض الناس يعتمد على المستخرجات، نبي نطلع قليلاً عما يحتاجه الحديث، بعض المؤلفين يعتمد على المستخرجات ويعزو للكتب الأصلية، فهنا اعتمد على المستخرج وعزي إلى الكتاب الأصلي، وهذا الذين ينشدون الدقة في العزو والتأليف هنا مختل، فالمؤلف -رحمه الله تعالى- قلد النووي في الأربعين، وإلا فالأصل أن التكرار لا يوجد في مسلم، فكيف نقول: رواه مسلم؟ يوجد في المستخرج على صحيح مسلم، والمستخرج معروف تعريفه، الذين لهم عناية بالسنة، يعرفون معنى الاستخراج، وهو أن يعمد الإمام أو الحافظ إلى كتابٍ من كتاب السنة الأصلية فيخرج الأحاديث من طريقه هو بأسانيده هو، من غير طريق صاحب الكتاب، وبعض المؤلفين كالبيهقي مثلاً، الحميدي في الجمع بين الصحيحين، ابن الأثير في جامع الأصول، ينقلون عن المستخرجات ويعزون إلى الأصول؛ لكن هذا ينبغي أن يجتنب، إذا أردت أن تعزو لمسلم ارجع إلى مسلم، وانقل من مسلم بالحرف؛ لأن الذين يجوزون الرواية بالمعنى وهم الجمهور، قالوا: تجوز الراوية من الحفظ بالمعنى، أما من الكتب المدونة، الحديث المكتوب لا تجوز روايتها بالمعنى؛ لأن الوصول إلى اللفظ متيسر، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
واستخرجوا على الصحيح كأبي *** عوانةٍ ونحوه فاجتنبِ
عزوك ألفاظ المتون لهما *** إذ خالفت لفظاً ومعنىً ربما
خالف المستخرج الصحيح هنا، فكيف أعزوه للصحيح؟ فلا بد من الرجوع إلى المصدر الذي يراد النقل منه، فالدقة والتحري أمر لا بد منه، ولا شك أن تكرار النصيحة، وأنها هي الدين لأهميتها.
((الدين النصيحة)) الدين النصيحة هذا الأسلوب تعريف جزئي الجملة يدل على الحصر، يدل على الحصر، فكأن النبي -عليه الصلاة والسلام- حصر الدين بالنصيحة، كما حصل نظيره في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الحج عرفة)) الحج عرفة فقط وإلا هناك أعمال غير عرفة؟ في أعمال غير عرفة، ((الدين النصيحة)) في أعمال غير النصيحة وإلا ما في أعمال؟ في أعمال غير النصيحة؛ لكن يمكن حمله على الحصر الحقيقي بدلاً من الحصر الإضافي، إذا قلنا: أولاً: النصيحة: فعيلة من النصح وهو التخليص، أقول: نصحت العسل إذا خلصته من الشوائب، وتقول: نصح زيد الثوب بالمنصحة، يعني خاط الخرق الذي في الثوب بالإبرة، الإبرة هي المنصحة؛ فكأن الناصح يرقع هذه الخروق وهذه الفتوق في نفسه وفي غيره، فلا شك أن من تدين بالدين فقد نصح نفسه.
(الدين النصيحة) إذا قلنا: أن الدين هو النصيحة، إذا جعلنا الدين بخصاله من الإسلام والإيمان والإحسان هو النصيحة فيكون الدين على أسلوب الحصر في أسلوب المعاصرين نقول: الدين يساوي النصيحة، قصرت في بعض الأعمال؟ إذاً اختلت النصيحة وتبعاً لذلك اختل الدين، وإذا اختل الدين فقد اختلت النصيحة، إذاً الدين هو النصيحة، نعم قد يفهم الإنسان من النصيحة أنك ترى على فلان مخالفة، أثر مخالفة مثلاً تذهب تكلمه أنت في تصورك أن هذا شيء من الدين، شيء من متطلبات الدين صحيح؛ لكن أنت إذا تصورت من جهةٍ أخرى أن النصيحة إذا أخذتها بعمومها وشمولها و(أن) هذه جنسية يدخل فيها جميع الدين، يعني إذا فعل محظور، إذا فعل الشخص محظور هل حقق النصيحة لنفسه قبل غيره؟ ما حقق النصيحة، إذاً ما حقق النصيحة ما حقق كمال الدين، إذا ترك مأمور كذلك، فإذا أردنا أن نقول: أن النصيحة بعمومها وشمولها تساوي الدين، وأي قدحٍ في النصيحة قدح في الدين، من هذه الحيثية يكون الحصر حقيقي؛ لكن إذا حملنا النصيحة على معناها العرفي، وهي بذل النصح للمنصوح، وحيازة الحظ له، قلنا: أن القصر إضافي وليس بحقيقي، كما في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الحج عرفة)) إذا قلت: الشاعر زيد أو الشاعر حسان، هذا حصر إضافي لأن في شعراء آخرون كثر، حصر إضافي، وهنا إن حملت على معناها العرفي وهو إضافي، وإن حملتها على عمومها فهو حصر حقيقي.
(النصيحة) لا يوجد كلمة واحدة يعبر بها عن المقصود، عن مقصود الحديث غير هذه الكلمة فهي جامعة لجميع خصال الدين، وجميع أنواع النصح، وجميع المنصوحين، كما قالوا: في الفلاح، لا يوجد شيء يجمع خيري الدنيا والآخرة مثل كلمة الفلاح.
((الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة)) قالوا: يعني الصحابة، كعادتهم، يبادرون بالسؤال عما يشكل عليهم، كثير من الناس تجد يمر عليه الأمر في غاية الأهمية، ويخفى عليه حقيقته ما يفهم، ولا يستوضح؛ لكن لو كان هذا من أمور الدنيا، مساهمة وإلا اشتراك في شيء ذهب يبحث عن حقيقة الأمر، وعن مردوده، وعن نسبة النجاح ونسبة الربح؛ لكن يأتيه الأمر من دين الله في غاية الأهمية يخصه ومع ذلك لا يبحث عن كيفية تطبيقه، وهنا ليطبقوا مفاد الحديث قالوا: لمن يا رسول الله؟ لأن التعميم قد لا يستوعبه كثير من الناس، فلا بد من التحديد والتعيين، قالوا: لمن يا رسول الله؟ وهذا من حرصهم على الخير، قال: ((لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) لخمسة: لله، كيف تنصح لله؟ الآن النصيحة مردودها وفائدتها للناصح أو للمنصوح؟ العرفية فائدتها للمنصوح، سمعت أن زيداً يريد أن يبيع داره بكذا؟ تذهب تنصحه تقول له: الدار ما تنباع وأنت ما أنت لاقي مثله، هذا حياز الحظ له للمنصوح، سمعت أن زيداً يريد أن يزوج بنته من فاسق من فاجر شخص ليس بكفءٍ لها، ذهبت تسدي إليه النصيحة، جاءك يستشيرك فأسديت له النصيحة، الفائدة للمنصوح، والعائد بالدرجة الأولى للمنصوح؛ لكن إذا كانت النصيحة لله؟ الله -جل وعلا- ليس بحاجة لمثل هذا، علام نحمل النصيحة لله -جل وعلا-؟ وهذه النصيحة وإن جاءت في النص أنها لله -جل وعلا-، إلا أن عائدها للناصح، والله -جل وعلا- غني الغنى المطلق عن أفعال عباده، النصيحة لله: اعتقاد أنه هو الرب الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، واعتقاد أنه المستحق للعبادة بجميع أضربها وصنوفها، وأنه لا يجوز أن يصرف شيء من أنواعها لغيره، واعتقاد وإثبات ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه من أسماء الجلال ونعوت الجمال والكمال من الأسماء الحسنى والصفات العليا، هذه النصيحة لله -جل وعلا-، هو أن يعبد -جل وعلا- على مراده، إذاً هذا النصيحة حيازة الحظ للمنصوح أو للناصح؟ للناصح {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم} [(111) سورة التوبة] اشترى هل هذا مثل ما يشتري زيد العبد الفلاني ليخدمه؟ لا لا، اشتراه لنفسه، فالله -جل وعلا- غني عن خلقه، فهذه حيازة الحظ للناصح على أن يعبد الله -جل وعلا- على ضوء ما شرع، وأن يعتقد فيه الاعتقاد الصحيح الموافق للكتاب والسنة على ضوء ما جاء عنه، وأن يثبت له ما يليق بجلاله وعظمته مما أثبته لنفسه.
النصيحة لكتاب الله -جل وعلا- وهو القرآن المحفوظ بين الدفتين من الزيادة والنقصان، والنصيحة له بأمرٍ يعود للناصح، بأن يعظم، ويقرأ، ولا يهجر، وأن يعمل به ولا يخالف، يقرأ على الوجه المأمور به، يحفظ، {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت] وهو أيضاً نعتقد أنه كلام الله، وأن فضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وأن من قام يقرؤه كأنه يخاطب الله -جل وعلا-، فنقرأ القرآن، نحفظ القرآن، نقرأ القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل بنية الإفادة والاستفادة، بالعمل بما جاء به من أوامر وترك ما نهى عنه، وهذا الكتاب شأنه عظيم، وثواب قراءته جزيل من الله -جل وعلا-، الحرف بعشر حسنات، يعني هذا أقل تقدير، هذا أقل تقدير الحرف بعشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والله يضاعف لمن يشاء، بحسب ما يقر في القلب من تعظيم لحرمات الله -جل وعلا- وحدوده والإخلاص والمتابعة بقدر هذا يؤجر الإنسان، ولسنا بحاجة إلى بيان فضل القرآن، وفضل تلاوة القرآن، وحفظ القرآن وتعلم القرآن وتعليم القرآن هذه نصوصها مستفيضة لا تخفى على طالب علم.
(ولكتابه ولرسوله -عليه الصلاة والسلام-) الرسول النبي المصطفى الإمام القدوة المجتبى -عليه الصلاة والسلام-، تكون النصيحة له بتعظيمه وتوقيره وتعزيره والاقتداء به والائتساء به والائتمار بأوامره واجتناب ما نهى عنه مبلغاً عن ربه -جل وعلا-، المقصود أن النصيحة له اتخاذه قدوة في كل ما أمر به، اجتناب كل ما نهى عنه وفعل جميع ما فعله على مراده وعلى هيئته وكيفيته، كما سيأتي في حديث: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ((خذوا عني مناسككم)) {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب] نعم هو الأسوة وهو القدوة، ومن تعظيمه تعظيم سنته -عليه الصلاة والسلام-، والانتصار لسنته وتعليم سنته، وتعلم السنة وتعليم السنة والعمل بها والذب عنها والرد على كل من يتطاول عليها، وقد كثروا في هذه الأزمان المتأخرة لا كثرهم الله، (ولرسوله) ولا يتم الاقتداء به والائتساء به إلا بإدامة النظر في سنته، وفي سيرته، وفي شمائله -عليه الصلاة والسلام-، وفي خصائصه، وفي معجزاته ودلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام-، كثير من الناس لا يجد في قلبه من التعظيم للنبي -عليه الصلاة والسلام- ما ينبغي أن يوجد، وسبب هذا البعد عن السنة، البعد عن السنة، البعد عن دراسة السيرة والمواقف منه -عليه الصلاة والسلام-، المواقف المشرفة في حياته -عليه الصلاة والسلام-، ومع هذا، ومع ما جاء في تعظيمه وتوقيره إلا أنه لا يجوز بحال أن يصرف له حق من حقوق الله -جل وعلا-، فلا إفراط ولا تفريط، لا يجوز أن نغلو به -عليه الصلاة والسلام-، أو نبالغ في رفع مقامه عن المكانة التي أنزله الله -جل وعلا- إياها، وهو سيد البشر، وأفضل الخلق، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، مناقبه -عليه الصلاة والسلام- وشمائله ومعجزاته ودلائل نبوته كثيرة جداً، علينا أن نُعنى بها؛ لكن لا يجوز أن نصرف له شيئاً من حقوق الله -جل وعلا-((ولأئمة المسلمين)) أكثر العلماء على أن المراد بالأئمة الولاة، الحكام، ومنهم من يرى أن المراد بأئمة المسلمين العلماء، ولا يمنع أن يراد الحكام والعلماء؛ لأنهم كلهم أئمة، وكلهم أهل أمرٍ ونهي، فنصح الأئمة الذين هم الحكام يكون بطاعتهم والانطواء تحت لواءهم، والجهاد تحت رايتهم، والصلاة خلفهم، والدعاء لهم، وبذل النصح لهم، بذل النصح لهم، يدخل دخول أولي من باب النصيحة لهم؛ لكن بالأسلوب الذي يحقق الهدف ولا يترتب عليه أثر سلبي؛ لأن الأئمة ليسوا بمعصومين يحصل منهم مخالفات كما يحصل من غيرهم، يقع منهم المنكرات كما يقع من غيرهم، والمطالبة بالإنكار عامة، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه)) ينكر على كل أحد يرتكب منكر لكن بالأسلوب الذي يحقق الغرض، يزيل المنكر، ولا يترتب عليه منكر أعظم منه، يعني إذا أردت أن تنكر منكر ترتب عليه منكر أعظم منه أفسدت أكثر مما أصلحت، فعليك أن تسلك الأساليب المجدية النافعة، تقول: والله ما لي قدرة أنصح الكبار، أنا ليست لي وسيلة إلى الوصول إليهم، بلغ من فوقك، ومن فوقك يبلغ من فوقه، ومن فوقه يصل إليهم وينصحهم، يبذل لهم النصيحة، قد يقول قائل: بعض المنكرات ميئوس منها إيش أنصح وبعدين ثم ماذا؟ نصحنا نصحنا، نقول: يا أخي لا تستعجل النتائج، النتائج ليست بيدك، أنت مأمور بالإنكار، تستطيع تنكر بيدك لا بأس هذا الأصل، إن لم تستطع بلسانك، لم تستطع بقلبك، الله -جل وعلا- لا يكلف نفساً إلا وسعها، تقول: هذا المنكر من سنين والناس يطالبون بتغييره ما تغير، النتائج ليست بيدك، عليك بذل السبب أنت أمرت بأمر ائتمر به، ليس لك ما وراء هذا الأمر، والغيرة مطلوبة من المسلم، ودليل على صدق إيمانه، والذي لا يغار على حدود الله ومحارم الله هذا يخشى عليه، الذي لا ينكر المنكر ولا بقلبه هذا ليس وراء ذلك من الإيمان شيء، فالذي لا يغار هذا يخشى عليه، طيب الذي يغار بقدر المطلوب من الغيرة، يعني هل الدين يأتي بمثل أن ترى شخص سكران فتضرب رأسه بخشبة حتى يموت؟ تقول: باعثه الغيرة، قد يكون باعثه الغيرة؛ لكن وش الإنكار هذا؟ غيرة مذمومة؛ لأن الخلائق والصفات والشمائل التي طلبها الشرع لا تخلو من طرفين ووسط، إفراط وتفريط، ودين الله -جل وعلا- في الوسط، فلا إفراط ولا تفريط، فعلينا أن ننكر، وعلينا أن ننصح؛ لكن بالأسلوب الذي يحقق الهدف، ولا يترتب عليه مفسدة أعظم، بالرفق، باللين، الله رفيق يحب الرفق، يحتاج إلى مثل هذا، لين ولطف ورفق، وهذا على كافة المستويات، اللين والرفق هو المؤثر، أما المنازعة والمشاحنة والمحادة والكلام القبيح والبذيء والخصومات ورفع الأصوات هذه لا تجدي شيئاً.
نعم ولي الأمر الذي بيده التغيير باليد، نعم يأطر الناس أطراً على الحق إذا لم يمتثلوا بكلامه، يأطر الناس على الحق، ويمنعهم من ارتكاب المحرمات، يأطرهم على فعل الواجبات، لكن آحاد الناس ليس له ذلك، إنما غايته أن يبذل النصيحة، ولا يقصر في هذا الباب، ولا ييأس ولا يقنط، بل عليه أن يمتثل ما أمر به والنتائج بيد الله -جل وعلا-، يبذل السبب والمسببات بيد المسبب -جل وعلا-.
((ولأئمة المسلمين)) هذا بالنسبة للحكام، أيضاً ينص أهل العلم في هذه المسألة سواءً كان الأئمة الحكام أو العلماء، أيضاً العلماء قد أدرجوا في هذا من تمام نصحهم أخذ العلم عنهم، وتعظيمهم وتوقيرهم وتقديرهم في حدود ما أمر الله به ورسوله، واستفتاءهم وعدم تنقصهم والحط من شأنهم وقدرهم، ولو أخطأ، يعني في معصوم، الخطأ من تمام النصيحة أن تبين له بالأسلوب المناسب، ما تقول يا شيخ: أخطأت، فضلاً عن كونك في المجالس تقول: أخطأ فلان، وأنت ما قدمت له كلمة، ما تواجه تقول له: يا شيخ أخطأت، هذا الأسلوب لا يناسب، تسأله على سبيل الاستفهام، يا شيخ ما حكم كذا؟ إذا أجابك بما نقل إليك عنه من خطأ تقول: لو كان في هذه المسألة كذا، ألا يفهم من قوله -جل وعلا- كذا؟ ألا يفهم من الحديث كذا؟ بالأسلوب الذي يحقق المصلحة، ومع الأسف الشديد أنه يوجد في المجالس من بين طلاب العلم الكلام لا يصل إلى المنتقد مع الأسف الشديد، ينتشر بين الناس والمنتقد ما دري، لا سيما إذا كان الكلام في الأئمة المقتدى بهم أهل العلم والعمل الذي يسعى أعداء الإسلام لإسقاطهم، وتنزيل قدرهم، فنفقد القدوات، يعني إذا خسرنا الكبار ماذا نكسب؟ فيمن نقتدي، إذا خسرنا العلماء أهل العلم والعمل، والعدو يفرح بمثل هذا، في تضييع الناس، فإذا كان أهل العلم يفتون بأنه يحرم البقاء في بلدٍ ليس فيه عالم يوجه الناس ويفتي الناس وينصح الناس، فكيف إذا وجد علماء لكن وجودهم مثل عدمهم أسقطوا على مصطلح بعض الناس؟ هذه كارثة، وما أوتي المسلمون في أقطار الأرض إلا بهذه الطريقة، نعم علينا أن نعتقد جازمين أنهم ليسوا بمعصومين، يحصل منهم الخطأ، يحصل منهم الزلل، تحصل الهفوات، ليسوا بمعصومين؛ لكن إيش المانع أنه يناقش، يناقش من أخطأ، من تمام النصيحة أن يناقش، وأيضاً يؤكد أهل العلم شراح الحديث في هذه المسألة أن لا يغروا بالثناء الكاذب، الإمام الفاعل الدارس العلامة شيخ الإسلام مفتي العنان مفتي الفرق وبعدين؟ تجده ما يصل ولا إلى مرتبة عالم، هو طالب علم ما زال، ثم تضفى عليه هذه الألفاظ وهذه الأوصاف ثم يغتر بنفسه يصيبه شيء فيهلك، يغتر به الناس فيضلوا، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن ننزل الناس منازلهم، فلا إفراط ولا تفريط، نعم من أهل العلم من أهل الخير من أهل الفضل، من أهل الصلاح، فلا نذمهم ونبين مثالبهم أمام العامة، ولا نغلو بهم ونمدحهم أكثر من واقعهم فنغرر بهم.
((وعامتهم)) وعامة المسلمين المراد من سوى من ذكر هؤلاء تبذل لهم النصيحة، يوجهون، يسددون، يبين لهم ما يحتاجون من أحكام في العبادات، في المعاملات، في الأمور التي يحتاجونها، وهذا من نصيحتهم، إذا وجد مخالفة عند شخص بينت له بالأسلوب المناسب، إذا استشارك في أمرٍ من أموره الخاصة تمحضه النصيحة، وتحب له ما تحب لنفسك، ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) هناك مسائل جزئية قد تحب لفلان ما لا تحبه لنفسك، وقد تنصح فلاناً نظراً لمصلحة العامة، وإن كان ليس في مصلحته الخاصة، مثال ذلك شخص جاءك شخص من زملائك أو من طلابك، يقول: أنا والله رشحت للوظيفة الفلانية، ورشحت للقضاء، الفرار من القضاء التحذير من القضاء، القضاء مزلة قدم هذا ثابت ومعروف مسألة هذه الأمة؛ لكن إذا دعاك شخص أنت لا ترضى القضاء بنفسك، فهل تقول: أنا ما أرضى القضاء لنفسي لا أرضاه لك، والأمة مضطرة إلى وجود قضاة؟ هنا نرجح المصلحة العامة فنقول: لا يا أخي هذا يتعين هذا لا بد منه، إن لم يقم به أنت وأمثالك من يقوم به؟ إذا كان كفءً لذلك تقدم المصلحة العامة على مصلحته، إذا لم يكن كفءً لذلك فلا تقدم مصلحته على مصلحة العامة، لو جاء شخص فرح وعينته بالقضاء، دين ودنيا، وترى مصلحة الأمة لا يتولى مثل هذا تمحضه النصيحة، يا أخي السلف ضربوا على القضاء ما قبلوا، أئمة الإسلام كلهم هربوا من القضاء وتركوا القضاء، فالنصيحة قد تختلف من شخصٍ إلى آخر، فهذا ينصح بالقضاء وهذا يحذر من القضاء نظراً للمصلحة العامة، فهذا أيضاً وإن كان فيه من جهة عدم نصح له إلا أن في نصح للعامة، لعامة المسلمين وللأئمة بكاملها، وهو أيضاً نصح له إذا لم يكن كفءً لذلك.
والحديث الكلام فيه يطول جداً؛ لأنه يمكن أن ينتظم جميع الأبواب أيضاً، يمكن إدخال جميع الأبواب تحت حديث (الدين النصيحة) لأن الدين يشمل خصال الدين كلها، الإسلام والإيمان والإحسان، يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، يشمل ما يتعلق بالخالق وما يتعلق بالمخلوق، المقصود أن فيه من العموم والشمول ما يجعلنا نقتصر على هذا القدر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا ومحمد وعلى آله وصحبه أجمعين.