عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-06, 09:39 AM   #2
أم أســامة
~ كن لله كما يُريد ~
افتراضي

وقوله: { أُنْزِلَ إليهِ من رَبِّهِ }

يتضمّن أنه كلامَه الذي تكلَّم به، ومنه نزل لا من غيره، كما قال تعالى : ( قُلْ نَزَّلَه روحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ ) وقال: ( تَنْزيلٌ مِنْ رَبِّ العالَمينَ ).

وهذا أحدُ مااحتجَّ به أهل السُّنَّة علىالمعتزلة القائلين بأنَ الله لم يتكلَّمْ بالقُرآن،قالوا: فلو كان كلاماً لغير الله لكان مُنزَّلاً من ذلك المحلِّ لا من الله؛ فإنالقرآنَ صفةٌ لا تقوم بنفسها؛ بخلاف قولِه: { وسخَّرَ لَكُمْ ما في السَّمَواتِ ومافي الأَرْضِ جَميعاً مِنْهُ } فإنَّ تلك أعيانٌ قائمةٌ بنفسها، فهي منه خَلْقاً،وأما ‘الكلام’ فَوَصْفٌ قائِمٌ بالمتكلِّم، فلمَّا كان منه فهو كلامه؛ إذ يستحيل أنيكون منه ولم يتكلَّم به.

ثم شَهِدَ تعالى للمؤمنين بأنهم آمنوا بما آمن به رسولُهم، ثم شهد لهم جميعاً بأنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله،

فتضمنت هذه الشهادةُ إيمانَهم بقواعدِ الإيمان الخمسة التي لا يكون أحدُ مؤمناً إلا بها، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.

وقد ذكر تعالى هذه الأصولَ الخمسة في أول السورة ووسطها وآخرها،


فقال في أوَّلِها: ( والَّذينَ يُؤْمِنونَ بما أُنْزِلَ إلَيْكَ وَما أنْزِلَ مِنْ قَبلِكَ وبالآخرة هُم يوقِنونَ)
فالإيمانُ بما أنزل إليه وما أنزل من قبله يتضمن الإيمان بالكتب والرسل والملائكة،

ثم قال: { وبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنونَ }،

والإيمان بالله يدخل في الإيمان بالغيب وفي الإيمان بالكتب والرسل، فتضمّنت الإيمانَ بالقواعد الخمس.
وقال في وسطها: (ولكنَّ البِرَّ من آمَنَ باللهِ واليَوْمِ الآخِرِ والمَلائِكَةِ والكِتابِوالنَّبِيِّين )

ثم حكى عن أهل الإيمان أنهم قالوا: (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍمِنْ رُسُلِهِ )

فنُؤمِنُ بِبعض، فلا ينفعنا إيمانُنا بمن آمنَّا به منهم كما لم ينفع أهلَ الكتاب ذلك؛ بل نؤمن بجميعهم ونصدِّقُهم ولا نفرِّق بينهم، وقدجَمَعَتْهم رسالةُ ربِّهم فنفَرِّق بين من جمعَ اللهُ بينهم، ونُعادي رسلَه، ونكون معادين لهم فبايَنوا بهذا الإيمانِ جَميعَ طوائفَ الكُفَّار المكذِّبينَ لجنس الرسل، والمصدقين لبعضهم المكذّبين لبعضهم.

وتضمن إيمانُهم بالله إيمانَهم بربوبيَّتِه، وصفاتِ كمالِه، ونُعوتِ جلالِه، وأسمائه الحُسنى، وعُمومِ قُدرتِه ومشيئَتِه، وكمالِ علمه وحِكمتِه، فبايَنوا بذلك جميعَ طوائف أهل البدع والمنكرين لذلك أو لشيءٍ منه؛ فإنَّ كمال الإيمان باللهِ يتضمَّن إثباتَ ما أثبَتَه لنفسه،وتنزيهَه عمَّا نَزَّهَ نفسَه عنه، فبايَنوا بِهذَيْنِ الأمرين جميعَ طوائفِ الكفر،وفرقِ أخل الضلال الملحدين في أسماء الله وصفاته.


ثم قالوا: (سَمِعْناوَأَطَعْنا )

فهذا إقرارٌ منهم رُكْنَي الإيمان الذي لا يقوم إلاَّ بِهما، وهماالسمعُ المتضمّن للقَبولِ؛ لا مجرّد سمع الإدراك المشترك بين المؤمنين والكافرين؛بل سمعُ الفَهْمِ والقَبول،

و الثاني: الطاعة المتضمّنة لكمال الانقياد وامتثالالأمر، وهذا عَكْسُ قول الأمَّة الغضبية (سَمِعْنا وَعَصَيْنا ).

فتضمّنت هذه الكلماتُ كمالَ إيمانهم، وكمالَ قبولهم، وكمال انقيادهم،

ثم قالوا: (غُفْرانَكَرَبَّنا وإلَيْكَ المَصيرُ )

لِما علموا أنهم لم يوفوا مَقامَ الإيمانِ حقَّه مع الطاعة والانقياد الذي يقتضيه منهم، وأنهم لا بدَّ أن تميلَ بهم غلباتُ الطِباع ودواعي البشرية إلى بعض التقصير في واجبات الإيمان، وأنه لا يَلُمُّ شَعْثَ ذلكإلاَّ مغفرةُ الله تعالى لهم، سألوه غُفْرانَه الذي هو غايةُ سعادتهم، ونهايةُكمالهم؛ فإن غايةَ كلِّ مؤمن المغفرةُ من الله تعالى، فقالوا: (غُفْرانَكَ رَبَّنا)ثم اعترفوا أنَّ مصيرهم ومردَّهم إلى مولاهم الحقّ لا بدَّ لهم من الرُّجوع إليه فقالوا: (وَإلَيكَ المَصيرُ).

فتضمّنت هذه الكلمات إيمانَهم به،ودخولَهم تحت طاعته وعبوديته، واعترافَهم بربوبيته، واضطرارَهم إلى مغفرته،واعترافَهم بالتقصير في حقِّه، وإقرارَهم برجوعهم إليه.


ثم قال تعالى: (لايُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاَّ وِسعَهَا )

فنفى بذلك ما توهّموه من أنه يعذّبهم بالخَطَرات التي لا يملكون دفعَها، وأنها داخلة تحت تكليفه، فأخبرهم أنه لا يكلّفهم إلا وسعهم،

فهذا هو البيان الذي قال فيه ابن عبّاس وغيره فنسخها الله عنهم بقوله: (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إلاَّ وِسْعَها ) قد تضمَّن ذلك أنَّ جميعَ ما كلَّفهم به أمراً ونهْياً فهم مطيقون له قادرون عليه، وأنه لم يكلّفهم ما لا يطيقون، وفي ذلك ردٌّ صريح على من زعمَ خلاف ذلك.

والله تعالى أمرهم بعبادته، وضَمِنَ أرزاقَهم، فكلَّفهم من الأعمال ما يسعونه، وأعطاهم من الرزق ما يسعهم، فتكليفهم يسعونه، وأرزاقهم تسعهم، فهم في الوسع في رزقه وأمره: وسِعوا أمره، ووسعَهم رزقُه،ففرَّقَ بين ما يسع العبدَ وما يسعه العبدُ، وهذا هو اللائق برحمته وبِرّه وإحسانه وحكمته وغِناه؛ لا قولَ من قال إنه كلَّفهم ما لا قُدرةَ لهم عليه البتَّةَ ولايطيقونه ثم يعذّبهم على ما لا يعملونه.

وتأمَّل قوله عزوجل: (إلاَّوِسْعَها )

كيف تجد تحته أنهم في سِعَة ومنحة من تكاليفه؛ لا في ضيق وحرج ومشقَّة؛فإنَّ الوسع يقتضي ذلك، فاقتضت الآية أنما كلَّفهم به مقدور لهم من غير عُسر لهم ولا ضيق ولا حرج؛ بخلاف ما يقدر عليه الشخصُ فإنه قد يكون مقدوراً له ولكن فيه ضيقوحرج، وأما وسعه الذي هو منه في سِعة فهو دون مدى الطاقة والمجهود؛ بل لنفسه فيه مجال ومُتَّسَع، وذلك مُنافٍ للضيق والحرج { وما جَعَلَ عَلَيْكُم في الدِّينِ منحَرَجٍ } بل { يُريدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ ولا يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ }

قال سفيان بن عيينة: في قوله: {إلاَّ وسعَها} إلاَّ يُسْرها لا عسرها، ولم يكلفهاطاقتها، ولو كلّفها طاقتها لبلغ المجهود.

فهذا فهم أئمة الإسلام. وأين هذامن قول من قال: إنه كلَّفهم ما لا يطيقونه البتَّةَ ولا قُدرة لهم عليه؟



توقيع أم أســامة
:

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِى صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا »
سنن ابن ماجه .


قـال ابـن رجب ـ رحمـه الله ـ: «من مشى في طاعة الله على التسديد والمقاربة فـليبشر، فإنه يصل ويسبق الدائب المجتهد في الأعمال، فليست الفضائل بكثـرة الأعمـال البدنية، لكن بكونها خالصة لله ـ عز وجل ـ صواباً على متابعة السنة، وبكثرة معارف القلوب وأعمالها. فمن كان بالله أعلم، وبدينه وأحكامه وشرائعه، وله أخوف وأحب وأرجى؛ فهو أفضل ممن ليس كذلك وإن كان أكثر منه عملاً بالجوارح».


" لا يعرف حقيقة الصبر إلا من ذاق مرارة التطبيق في العمل , ولا يشعر بأهمية الصبر إلا أهل التطبيق والامتثال والجهاد والتضحية "

:
أم أســامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس