عرض مشاركة واحدة
قديم 19-12-09, 01:50 PM   #53
أم الخطاب78
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

الحديث الثالث والثلاثون: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ (‏(‏ومن يستعفف يُعفّه الله‏،‏ ومن يستغن يُغنه الله‏،‏ ومن يَتَصَبَّر يُصّبِّره الله‏،‏ وما أعطِيَ أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)‏)[متفق عليه]‏.
يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- في حديث أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه-: ((من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)) الاستعفاف عما في أيدي الناس لا شك أن من فعله جاهداً وقهر نفسه على ذلك ما لم يصل إلى حد الضرورة لا شك أن الله -جل وعلا- يعنيه على العفاف، هذا جواب الشرط، وجاء الأمر به {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [(33) سورة النــور] المقصود أن على المسلم أن يكون عزيزاً لا يهين نفسه، ولا يبتذل نفسه باستكفاف الناس، وطلب إعاناتهم، وبعض الناس يسهل عليه هذا الأمر ولأدنى شيء يسأل الناس، مثل هذا يبتلى، لا يعان على العفاف، وإنما يبتلى بالحاجة الدائمة.
((ومن يستغن يغنه الله)) من يستغن بما في يده، عما في أيدي الناس يغنه الله -جل وعلا-، فمن تعلق بالله -جل وعلا-، وأنزل حاجته بربه، وتوكل عليه، وقطع العلائق عن الخلائق، لا شك أنه سوف يعيش حياةً مطمئنة، ويتحقق له الموعود في هذا الخبر، من يستغن بالله -جل وعلا- عن خلقه يغنه الله.
((ومن يتصبر)) والصبر معروف، حمله على النفس، يتصبر على نفسه أن تتخلق بهذا الخلق الجميل فيتصبر إذا لم يكن الصبر عنده خليقة يتصبر ويجاهد نفسه على ذلك، فيحمل نفسه على الصبر على طاعة الله، ويحملها على الصبر عن معصية الله، ويحملها على الصبر على أقدار الله، فإذا وجدت عنده هذه الملكة، وهذه السجيّة فليحمد الله على ذلك، إذا لم توجد عنده يحمل نفسه عليها ويجاهد نفسه عليها، حتى تكون عنده خليقة وملكة ((يصبره الله)) يعنيه الله -جل وعلا- على الصبر، والصبر ثوابه عظيم، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [(10) سورة الزمر] {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} [(155-156) سورة البقرة] والنصوص كثيرة، فلا بد من الصبر على طاعة الله، لا بد من الصبر عليها، لا يقول: الجادة طويلة ومن يبي يصبر على هذه التكاليف؟ الذي ما يصبر عليها يصبر على نار جهنم بعد، بعض الناس يقول: أيام حر شديد كيف نصبر على الصيام؟ وكيف نصبر على الجهاد في أيام الحر؟ يقول الله -جل وعلا-: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [(81) سورة التوبة]
يعني إن لم يصبر هذه الساعات وهذه الأيام، وعيده في جهنم، نسأل الله العافية، فليصبر على طاعة الله، وليصبر عن معصية الله، يقهر نفسه، لا شك أن الشهوات تنازع الإنسان، والنفس الأمارة، والشيطان إذا اجتمعت له هذه الأمور لا شك أنه تدعوه نفسه إلى ذلك، وتتوق إليه؛ لكن عليه أن يقهر نفسه، ويحمل نفسه على الصبر عنها، وإنما هي صبر ساعات، ثم بعد ذلك يبشر، بشر الصابرين، وليصبر على أقدار الله، فإذا أصيب الإنسان بمصيبة عليه أن يرضى ويصبر ويحتسب الأجر من الله -جل وعلا-، فإن صبر له الأجر العظيم، وإن لم يصبر فالأمر بضد ذلك، فالأجر معلق بالصبر، من سخط فعليه السخط، على كل حال المصائب جاء فيها أنها مكفرات للذنوب، وقد يبتلى الإنسان بأمرٍ يخرج من ذنوبه بسببه، يخرج من ذنوبه كلها، والله -جل وعلا- يبتلي عباده، وقد يكتب لعبده منزلة لا يبلغها بعمله فيصاب ((من يرد الله به خيراً يصب منه)) وحينئذٍ عليه أن يصبر ويحتسب لينال الأجر العظيم من الله -جل وعلا-.
منهم من يرى أن الثواب المرتب على المصيبة غير الثواب المرتب على الصبر، فالمصائب مكفرات، صبر أو لم يصبر، مكفرات عند بعض أهل العلم فإذا صبر كان له أجر الصبر وهو قدر زائد؛ لكن الجمهور على أنه إذا لم يصبر فلا أجر له، لا أجر له على هذه المصيبة، وقد يأثم إذا اقترن بذلك تسخط واعتراض وما أشبه ذلك، وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر، نعم؛ لأن الإنسان لا بد أن يعرض له أمور في حياته أمور كثيرة جداً في كل ساعة وفي كل يوم على خلاف ما تهواه نفسه، من طلبٍ، من طلب إيجاد فعل، أو طلب كف، على خلاف ما تهواه النفس، وقد يعتريه ما يعتريه؛ لكن إذا كان ممن أعطي الصبر وصبر على ما أمر به وصبر عما نهي عنه، وصبر على ما يعتريه أثناء حياته ومدة بقائه في هذه الدنيا، لا شك أنه اتصف بهذه الخصلة التي قال عنها النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)) لأن الصبر يحتاج إليه في كل لحظة، ما يمكن أن يستغني الإنسان عن الصبر والحياة كلها مجبولة على الكدر، طيب، في أمورك العادية إذا لم تصبر عندك سلعة تريد بيعها ما انباعت أول يوم وثاني يوم إيش بتسوي إذا ما جبلت على الصبر؟ تنتظر زيد من الناس تأخر، حصل له مانع وتأخر، إذا ما تصبر وش يصير؟ تحترق وبعدين وش الفايدة؟ وبعض الناس ينتظر شخص على موعد معه، يتأخر خمس دقائق يطلق ويدخل، يخرج ويقف على الرصيف ينتظر، وبعدين إيش النتيجة؟ استفاد شيء؟ ووصل الأمر ببعض الناس أنه إذا وقفت السيارة عند الإشارة نزل ومشى يخترق الإشارة حتى يصل صاحبه، وش يسوي هذا؟ وش يستفيد هذا؟ ما يستفيد شيء؛ لكن الصبر قهر النفس لا بد منه، لا بد أن تواجه ما يتطلب منك الصبر في كل لحظة من اللحظات، وما ضاق النفس ذرعاً بتأخر المواعيد إلا لأن حياتهم تكدرت، ومعايشهم تنغّصت، وما مرّنوا أنفسهم وجبلوا أنفسهم وقضوا أوقاتهم بما يرضي الله -جل وعلا-، يعني افترض أنك وعدت شخص الساعة خمس بيجي لك، تأخر إلى خمس وربع، الربع الساعة هذه عند بعض الناس تعادل أيام، عند بعض الناس يحترق، كاد أن يمزق ثيابه من ربع ساعة، لكن لو قال: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم خلال الربع هذه الساعة لتمنى أن يتأخر ربع ثاني؛ لكن ما عودنا أنفسنا على هذه الأمور، فمن عود نفسه على استغلال أوقاته بما يرضي الله -جل وعلا- ارتاح من كثيرٍ من هذه الأمور، أنت تنتظر فلان من أجل إيش؟ افترض أن فلان تنتظره يعطيك مال، لك عليه دين أن يعطيك حقك، تنتظره بفارغ الصبر؛ لكن تأخر عليك حصل له ما حصل وتأخر عليك، لو جئت بالباقيات الصالحات صارت أفضل بكثير مما يعطيك، ولو كانت الدنيا بحذافيرها، في هذه المدة التي تظنها أحلك الأوقات بالنسبة لك، فعلينا أن نتحلى بالصبر، وعلينا أن نعمر أوقاتها بما يرضي الله -جل وعلا-، ثم بعد ذلك لا يهمك إذا اتحليت بهذا وعمرت وقتك بما يرضي الله ما عليك يتقدم يتأخر أنا مرتاح، الآن بعض الناس من خيار الناس إذا سمع المؤذن خرج إلى المسجد؛ لكن إذا تأخر الإمام دقيقة واحدة وقع في محرمات، اشتغلت الغيبة بين الأخيار في روضة المسجد، سببها إيش؟ عدم الصبر، يا أخي خذ مصحف واقرأ، أنفع لك من كونك تتكلم في عرض أخيك، وما يدريك ما الذي عرض له؟ سبح وهلل، اكسب الأعمال الصالحة في حياتك، ومع ذلك هذا لا يعفي من يخلف الموعد، كما جاء في الحديث علامات: ((إذا وعد أخلف)) هذا لا يعفي من التبعة؛ لكن بالمقابل الطرف الثاني لو وظيفة، وهذا عليه حقوق، فالشرع جاء بما يعالج وضع هذا ووضع هذا، ما هو أحد يسمع مثل هذا الكلام ويعد الناس الساعة خمس ويتأخر ساعة بدون عذر وبدون شيء ويترك أخاه يحترق؟ لا يا أخي هذا ما هو مبرر، أنت وعدت لا بد أن تفي؛ لكن إذا حصل لك مانع أو قصرت وأنت مسؤول عن فعلك وتفريطك أخوك له وظيفة أخرى، يوجه بالكلام الثاني، والله المستعان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



توقيع أم الخطاب78
كيف يكون هذا الود؟ وما هي أسبابه؟ وثمراته؟

أم الخطاب78 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس