شرح جوامع الأخبار (6)
شرح حديث: (إذا مات العبد انقطع عمله..) وحديث: (أنا ثالث الشريكين..) وحديث: ("قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالشفعة في كل ما لم يقسم..) وحديث: (على اليد ما أخذت حتى تؤدِّيَه..) وحديث: (مَطْل الغنيِّ ظلم..) وحديث: (الصلح جائز بين المسلمين..) وحديث: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الحصاة..) وحديث: (البيِّعان بالخيار..) وحديث: (من عادى لي ولياً..) وحديث: (كل عمل ابن آدم يضاعف..) وحديث: (ما نقصت صدقة من مال..)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الطالب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، قال المؤلف العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي -عليه رحمة الله تعالى-:
الحديث الرابع والثلاثون:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) [رواه مسلم].
هذا الحديث العظيم يقول فيه -عليه الصلاة والسلام-: ((ما نقصت صدقة من مال)) الزكاة المفروضة والصدقات التي يتطوع بها أصحاب الأموال الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((ما نقصت صدقة من مال)) عندك ألف ريال تصدقت زكاة مفروضة بخمسة وعشرين ومثلهن نفل، نقص الألف وإلا ما نقص؟ ينقص وإلا يستمر الألف؟ يصير ألف إلا خمسين، يصير تسعمائة وخمسة، قد يقول: كيف ما نقص؟ لكن ما يتصور الإنسان قدر النمو والتطهير لهذا المال الذي زكي، وهذا أمر يعرفه العامة قبل الخاصة، يعرفه العامة قبل الخاصة، إذا فقد الإنسان شيئاً ثم وجده قال: الحمد لله هذا مال مزكى ما يضيع، هذا عند العوام يقولون هذا، وأنتم تجدون في دنيا الناس كثير ممن يبذل ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر وأمواله في ازدياد في الدنيا، وقد يحصل له الابتلاء، والله -جل وعلا- يبتلي بأعراض هذه الدنيا وجوداً وعدماً، قد يزكي ويبتلى بجوارح؛ لكن ما عند الله -جل وعلا- أعظم، والحسنة بعشر أمثالها؛ لأن بعض الناس وقد أورد من قبل المتقدمين يقول: لا شك أن الزكاة فيها أجر وفيها ثواب؛ لكن كيف يباع العاجل بالنسيئة؟ هنا ندفع أموال حاضرة والنسيئة تأتي بعدين، لو أن الله -جل وعلا- وعدك على الحسنة بحسنة، وعلى الريال بريال، يمكن تقول هذا الكلام، لكن وعدك على الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، مثل هذا يخطر على بال عاقل؟! وإلا قيل مثل هذا الكلام، كيف نبيع عاجلاً بآجل؟ لو كانت المسألة متساوية تبيع ألف بألف مثلاً، أو سيارة تستاهل منك خمسين ألف تقول: اشترها يا فلان بخمسين ألف لمدة عشر سنوات، وأنت لا ترجو إعانة أخيك، نقول: ما يصح تبيع شيء بقيمته الحاضرة تنتقد في موازين الناس؛ لكن يبقى هل هذا الأمر متقارب بينما تدفع وما ترجو وما وعدت، فرق كبير جداً جداً لا نسبة بينهما، ولذا مثل هذا الكلام لا يرد البتة، والوعد الصادق: ((ما نقصت صدقة من مال)) لأن الصدقة سميت بذلك لأنها تصدق صاحبها أو علامة على صدق دعوى صاحبها أنه مسلم وملتزم بأحكام الإسلام إذا أدى هذه الزكاة، نعم صدق في دعواه، وهي أيضاً جاءت تسميتها بالزكاة؛ لأنها تزكي المال وتنميه، سواء كانت هذه التنمية بالكيفية أو بالكمية، وتنمية الأموال بالكمية ظاهر، الناس يبذلون الملايين فيما يرضي الله -جل وعلا- وأموالهم تزيد زيادات كبيرة جداً، وبالمقابل أهل الشح والبخل أموالهم تنقرض، وكثير من أموالهم يصرفها أهل الشح والبخل فيما لا يرضي الله -جل وعلا-، بل تتفلت منهم رغم أنوفهم، يبتلى بولدٍ مبذر، يبتلى بامرأة سفيهة، يبتلى بأمراض، يبتلى بكوارث ومصائب وجوارح، وهذا الواقع يشهد بهذا، ولهذا الوعد الصادق لا يتخلف، قد لا يزيد المال في الكمية، يزيد في الكيفية، يستفيد من هذا المال فيما يرضي الله -جل وعلا-، وفيما يسعده في دنياه، وهذا من الزيادة، والزيادة تحتمل أن تكون الكمية والكيفية، كزيادة العمر مع الصلة، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً؛ لأن الناس يتصورون إن الإنسان إذا عفا عمّن ظلمه يتصورون أنه أنزل نفسه، ويرمونه بالعجز، لولا أنه عاجز عن استيفاء حقه ما عفا، فيتصورونه أو قد يتبادر على بعض الأذان أنه ذل بعفوه، والحديث الصحيح يدل على العكس والواقع يشهد بذلك، ولا شك أن من عفا أجره على الله، {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(237) سورة البقرة] وإذا كان أقرب للتقوى فهو العز الحقيقي، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله، ما تواضع أحد لله يرجو بهذا التواضع ثواب الله -جل وعلا-، ما تواضع من أجل ثناء الناس عليه، ولا تواضع للأغنياء لكي يصلونه بشيءٍ من أموالهم، إنما تواضع لله -جل وعلا-، إذا تواضع لله -جل وعلا-، والمتواضع والتواضع خضوع وقرب حسي، وإن كان من حيث الناحية المعنوية رفعة عند الله -جل وعلا- وعند خلقه، وهذا شيء مجرب، بعض الناس لا يطيق رؤية المتكبر، بل وجد من يعتدي عليه، متكبر في مشيته، في كلامه، في تعامله مع الناس، هذا لا يطاق، مثل هذا وإن رفع نفسه أذله الله -جل وعلا-، يقول الشاعر:
تواضع تكن كالنجم لاح لناظرٍ *** على صفحات الماء وهو رفيعُ
ولا تك كالدخان يعلو بنفسه *** إلى طبقات الجو وهو وضيعُ
لا شك أن المتكبر مثل الدخان رافع نفسه؛ لكن لا شيء، رؤيته تزكم الأنوف، مثل الدخان، وتقضي العيون، وأما بالنسبة للمتواضع المتحبب الأليف لا شك أن الناس يألفونه ويحبونه، وشواهد الأحوال على ذلك كثيرة، والتواضع لا شك أنه قرين للدين والعلم، كلما زادت عبادة الشخص وقربه من الله -جل وعلا- تواضع لله، وخضع له، وكلما زاد علم الإنسان بربه وبأحكامه زادت معرفته بنفسه، ثم دعاه ذلك إلى التواضع، والله المستعان.