عرض مشاركة واحدة
قديم 04-01-10, 03:18 PM   #2
أم أبي تراب
نفع الله بك الأمة
c5












فقال لهم موسى:
"وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى" [طه: 61]،
فوقعت هذه الكلمة الواحدة الصادرة عن إيمان ويقين بين الناس أشد من السلاح الفتّاك فتنازعوا أمرهم بينهم وتفرّقت كلمتهم وصارت العاقبة لنبي الله موسى صلى الله عليه وسلم، وأعلن خصومُه من السحرة إيمانهم به "فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ" [الشعراء: 46-48]،
وقالوا لفرعون حين توعدهم:
"لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى"
[طه: 72-73] .
ومازال فرعون ينابذ دعوة موسى - صلى الله عليه وسلم - حتى استخفَّ "قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" [الزخرف: 54]،
قال الله عزَّ وجل:
"فَلَمَّا آَسَفُونَا" - أي: أغضبونا - "انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآَخِرِينَ"
[الزخرف: 55-56]،
وكان من قصة إغراقهم أن الله أوحى
"إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي" [طه: 77]،
ليلاً من مِصر فاهتمَّ لذلك فرعون اهتمامًا عظيمًا فأرسل في
جميع مدائن مِصر أن يُحشر الناس للوصول إليه لأمر يريده الله عزَّ وجل، فاجتمع الناسُ إليه فخرجَ بهم في أثر موسى وقومه ليقضي عليهم
حتى أدركهم عند البحر الأحمر،
"فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ"
[الشعراء:61]،
البحر أمامنا فإن خضناه غرقنا وفرعون وقومه خلفنا وسيأخذوننا،
فقال لهم موسى عليه السلام:
"كَلا" - أي: لستم مدركين -
"إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ"
[الشعراء: 62]،
هكذا الإيقان والإيمان وهكذا الثقة بوعد الله ونصره،
فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق - بإذن الله - اثني عشر طريقًا، صار هذا الماء السيّال بينها ثابتًا كأطواد الجبال
فدخلَ موسى وقومه يمشون بين جبال الماء في طُرق يابسة
أَيْبَسها الله تعالى بلحظة آمنين، فلما تكاملوا خارجين وتبعهم
فرعون بجنوده داخلين أمرَ الله البحر أن يعود إلى حاله فانطبق
على فرعون وجنوده حتى غرقوا عن آخرهم(ث1)
فلمَّا أدرك فرعون الغرقُ قال:
"آَمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ"
[يونس:90]،
ولكن لم ينفعه الإيمانُ حينئذٍ فقيل له توبيخًا
"آَلآَنَ" - يعني:آلآنَ تؤمن - "وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ"
[يونس: 91]،
قال الله عزَّ وجل: "فَأَخْرَجْنَاهُمْ" - يعني: فرعون وقومه -
"مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا
فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28) فَمَا
بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ"
[الدخان: 25-29]،

فأورث اللهُ بني إسرائيل أرضَ فرعون وقومه المجرمين؛ لأن بني
إسرائيل حينذاك كانوا على الحق سائرين ولِوحْي الله الذي أنزله
على موسى متَّبعين، فكانوا وارثين لأرض الله كما وعدَ اللهُ عزَّ وجل،
"إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ"
[الأعراف: 138]،

"وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ
الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ"
[الأنبياء: 105-106] .



أمّا فرعون فلما كان مرعبًا لبني إسرائيل قال الله عزَّ وجل:
"فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً"
[يونس: 93]،

فأنجى الله بدنه حتى شاهده بنو إسرائيل طافيًا على الماء فأيقنوا
أنه هلك ثم أنه هلكَ فيمن هلكَ وأكلتْهُ الحيتان كما هي العادة،
أمَّا ما يوجد في أهرام مِصر اليوم فليس هو فرعون موسى .


أيها الناس، إن نجاة نبي الله موسى وقومه من عدو الله فرعون


وجنوده لَنِعْمَةٌ كبرى تستوجب الشكر لله عزَّ وجل .


فاللهم إنا نشكرك على خذلان أعداء الله وعلى انتصار أولياء الله؛
ولهذا لـمَّا قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة
وجدَ اليهود يصومون اليوم العاشر من هذا الشهر - شهر المحرم -
فقال: «ما هذا ؟»قالوا: يومٌ صالح نَجّى الله فيه موسى وقومه
من عدوهم فصامَه موسى، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
«فأنا أحقّ بموسى منكم»فصامَه وأمر بصيامه،
وسُئل عن
فضل صيامه - أي: اليوم العاشر - فقال:
«أحتسبُ على الله أن يكفِّر السنة التي قبله»


اللهم وفّقنا لشكر نعمتك وحسن عبادتك وانصر أولياءك على
أعدائك يا رب العالمين .

وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .




http://www.ibnothaimeen.com/all/khot...icle_216.shtml





يـــتــــبـــع



(ث1) انظر إلى هذا الأثر في هذه القصة العظيمة في تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى في جـ3 ص448





توقيع أم أبي تراب
أم أبي تراب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس