حاولت أن أشرح لها عن منهجي في الحياة عن نظرتي للدنيا الفانية. وكم كنت أحس ببعد تفكيرها عن تفكيري. وتنهدت ثم تحكرت في مقعدي قليلا لأكون كلي مستديرة إليها.
وبدأت حديثي وأنا متأكدة أنها لن تهضمه فقلت لها: أتمنى أن لا تقاطعيني ولو أنها ليست عادتك
قالت لي: أتمنى أن لا أحس أنني في مسجد
ابتسمت لها وقلت لها لسانك الطويل يزيدك رونقا وجمالا حافظي عليه
ونظرت إلي مبتسمة وقالت متى ستبدأ يا سيدنا خطبتك.
فقلت لها: لا ياعزيزتي ولكني أريد أن أنقل لك الصورة كما في عقلي لكن علمي بمدى سمك غشاوة عينيك يحبطني.
حسنا عزيزتي، هل ترين المرأة خلقت لتكون في الشارع ؟؟ لتعمل وتجاهد خارج وداخل البيت؟؟؟
تعرفين عمن أتحدث، عن كائن حساس جدا. عن حنان ومشاعر. عن بؤرة متقضة من الأحاسيس. إنها ألين من أن تواجه صعاب الدنيا.
أجل هي تتقن فن المواجة ولكن لا تملك سوى سلاح الأحاسيس.
فأنا أراها خلقت لتسكن الأرواح إليها، لتكون سيدة عالمها، خلقت لتصنع عالما هي تديره لأنها ملكته الوحيدة، فتضم القادمين إليها ضمة المحبة المخلصة، ومهما حمل إليها القادم من أعصاب وحالات نفسية يختزنها في معاملاته فبمجرد ولوجه لمملكتها يفرغ الشحن الذي لديه لأنه وجد سكونا وحضنا لا ينغصه ضنك الحياة .
هكذا رأيت تلك الملكة أنا. فاشتقت أن أكون هي فبدأت المقارنة بينها و بيني فكان الفرق مهولا.
دعيني أصف لك النساء العاملات وإن كان واقعهن لا يخفى عنك.
نبدأ بالبنات قبل المتزوجات.
تلج سوق العمل، تعامل هذا وهذا، تعتاد الضحك والكلام في شتى المواضيع، أجل ربما أبالغ لكن اسقطي ماشئتي منها واتركي الباقي فهناك بطلة لكل وصف، وهكذا يبدأ الحياء الذي هو تاج تلك الملكة في الذبول. وتعتاد العمل والجري وراء لاشيء ولكن ودون أن تحس تكون حياتها تجف ببطيء ودون أن تشعر.
قد تجد رفيقا لدربها وذلك إما زميل عمل أو أو. المهم هنا تقف أمام مفترق الطرق وقد تكون مجبرة على الإختيار بحكم ظروف زوجها أو مخيرة. ولكنها في هذا الأخيرتجد نفسها اعتادت صخب الشارع وألفت أذناها سماع الضجيج، فتبدأ بعد شهور عديدة ترى ذلك العش الجميل ككابوس مظلم. لقد أصبحت وحدها، ولكنها اعتادت الحديث والضحك والصخب فتبدأ الإهتزازات. ولست هنا بمعرض الحديث عن هذه ولكن أؤكد لك أنها ستكون سيدة النكد الأولى.
والحلوة التي تضل في عملها رغم الزواج. تكون سيدة النكد الثانية.
وضحكت أنا بينما ظلت محافظة على صمتها وجمود تقاسيم وجهها.
فعدت للحديث: التي تعمل و هي متزوجة هل تربح بمرتبها حياتها أم تخسر جوهرمملكتها المتزحزح من جذوره.
تمضي حياتها في جري وراء الماديات تحاول الموازنة بين عمل البيت و بين عملها فتكون النتيجة أن تستنجد في غالب الأحيان لمبدأ الشغالة وبمصروفها وإذا أتى الأبناء تكون الطامة العظمى وتعيش حياتها تتمرغ في وساوس وشكوك عن معاملة الخادمة لزوجها و أبنائها في غيابها. حياة لا طعم لها وإن رشوها بماء الزهر.
حبيبتي لن تستطيع سيدة العمل أن تكون ملكة حتى لو كان عملها لا يأخذ منها سوى ساعة خارج البيت. سأقول لك لم. ودعيها نظرة شخصية إن أردت. المرأة في نظري لا تستطيع أن تكون مبدعة إلا إن أحبت بصدق عندها تصل إلى ذلك الجوهر الصافي داخلها تمسح الغبار عنه و تبدأ في نسج الدرر من لمعانه.أما أن يكون لها مجال تشتت فيه أفكارها فهذا قد يجعلها مبدعة ولكن متعبة. وهل نرتجي الإبداع ممن أنهكها العالم الخارجي.
فصمت قليلا لآخذ نفسا وأستشعر المدى الذي وصلت إليه كلماتي في قلبها وأقرأه في تقاسيم وجهها.
لكنها ظلت صامتة.
فارتشفت قهوتي طلبا لمزيد من الوقت وكلي أمل أن أكون زحزحت قليلا من أفكارها لأستطيع تبليغ ما بقي من كلام.
وفعلا كانت مطيعة ولم تقاطعني. فقلت في نفسي ربما تنتظر مني إشارة النهاية.
وابتسمت في داخلي وأتممت الحديث.
فقلت لها: حاولت أن أختصر لك وأضع لك المفارقة. فهكذا بدت لي يا عزيزتي ولكني حين وصل بي التفكير إلى هذا الفرق لم أستطع تجاهله كما كل مرة. فأنا طموحة وتعلمين حبي للتميز.
فقررت البدأ. ولكن كان هناك جبل يقف سدا منيعا في وجهي و هو علمي الذي تعلمت وسنوات دراستي.
فضحكت وقلت لها: لقد وصلت لمربط الفرس الآن وسنبدأ رحلة جديدة هذه المرة الرقي في مدارك التميز
وللحديث بقية بحول الله تعالى
|