بارك الله فيكن أخواتي ونفعنا بما علمنا..
حديث اليوم
"لا يقولن أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت ، اللهم ارحمني إن شئت ، ليعزم
المسألة ، فإنه لا مكره له"
رواه البخارى
وفي رواية :
حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل أخبرنا عبد العزيز عن أنس رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت
فأعطني فإنه لا مستكره له
فتح الباري بشرح صحيح البخاري
قوله ( فليعزم المسألة )
في رواية أحمد عن إسماعيل المذكور " الدعاء " ومعنى الأمر بالعزم الجد فيه , وأن يجزم بوقوع
مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى , وإن كان مأمورا في جميع ما يريد فعله أن يعلقه بمشيئة الله
تعالى . وقيل : معنى العزم أن يحسن الظن بالله في الإجابة .
قوله ( ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني )
في حديث أبي هريرة المذكور بعده " اللهم اغفر لي إن شئت , اللهم ارحمني إن شئت " وزاد في رواية
همام عن أبي هريرة الآتية في التوحيد " اللهم ارزقني إن شئت " وهذه كلها أمثلة , ورواية العلاء
عن أبيه عن أبي هريرة عند مسلم تتناول جميع ما يدعى به . ولمسلم من طريق عطاء بن ميناء عن
أبي هريرة " ليعزم في الدعاء " وله من رواية العلاء " ليعزم وليعظم الرغبة " ومعنى قوله ليعظم
الرغبة أي يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء والإلحاح فيه , ويحتمل أن يراد به الأمر بطلب الشيء العظيم
الكثير , ويؤيده ما في آخر هذه الرواية " فإن الله لا يتعاظمه
قوله ( فإنه لا مستكره له )
في حديث أبي هريرة " فإنه لا مكره له " وهما بمعنى , والمراد أن الذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة
ما إذا كان المطلوب منه يتأتى إكراهه على الشيء فيخفف الأمر عليه ويعلم بأنه لا يطلب منه ذلك
الشيء إلا برضاه , وأما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك فليس للتعليق فائدة . وقيل : المعنى أن فيه
صورة الاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه , والأول أولى . وقد وقع في رواية عطاء بن ميناء
" فإن الله صانع ما شاء " وفي رواية العلاء " فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه " قال ابن عبد البر :
لا يجوز لأحد أن يقول اللهم أعطني إن شئت وغير ذلك من أمور الدين والدنيا لأنه كلام مستحيل لا وجه
له لأنه لا يفعل إلا ما شاءه , وظاهره أنه حمل النهي على التحريم , وهو الظاهر , وحمل النووي النهي
في ذلك على كراهة التنزيه وهو أولى , ويؤيده ما سيأتي في حديث الاستخارة . قال ابن بطال : في
الحديث أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة , ولا يقنط من الرحمة فإنه
يدعو كريما . وقد قال ابن عيينة : لا يمنعن أحدا الدعاء ما يعلم في نفسه - يعني من التقصير - فإن الله
قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال ( رب أنظرني إلى يوم يبعثون ) وقال الداودي : معنى
قوله " ليعزم المسألة " أن يجتهد ويلح ولا يقل إن شئت كالمستثني , ولكن دعاء البائس الفقير .
قلت : وكأنه أشار بقوله كالمستثنى إلى أنه إذا قالها على سبيل التبرك لا يكره وهو جيد .