عرض مشاركة واحدة
قديم 10-05-10, 12:01 AM   #24
أم ايمان
|نتعلم لنعمل|
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

تفريغ المجلس السابع :إلى الدقيقة الأربعين


أخواتي المستمعات سلام الله عليكن وعلى سائر إخواننا المسلمين كبارا وصغارا والرجال والنساء بالعفو والعافية والصحة والأمن والإيمان إنك جواد كريم يارب العالمين اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق إنك جواد كريم.
اللهم ألف قلوبنا على الخير وأصلح قلوبنا إلى سبل السلام واجمع قلوب قادة الإسلام، قادة الأمة في كل مكان على ما تحب وترضى على الكتاب والسنة واجعلهم رحمة على رعياهم وجنب بلادنا وسائر بلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن ورد كيد أعداء دين الإسلام في نحورهم واكفنا شرورهم وأخرجهم أذلة صاغرين من بلاد الإسلام يا أرحم الراحمين.
أخواتي الكريمات أهلا بكن جميعا في هذه الروضة الطيبة المباركة، روضة الإيمان والبركة والخير في أحضان النظر والتدبر في كلام المولى جل وعلا، أسأل الله تبارك وتعالى أن يفتح علي وعليكن من باب فضله وإحسانه .
أذكر نفسي وأذكرأخواتي الكريمات بأننا في هذه الدروس المباركة الغرض منها في المقام الأول أن نتزود بزاد الإيمان والقرب من الرحمن ونعيش لحظات سعيدة وآمنة في ظلال كلام الله جل وعلا، نريد أن نجني بركة ثمرة التدبر والنظر في كلام الله تعالى ، نأخذ العبر والعضات والفوائد وإن كررنا مرة ومرة بعد أخرى وإن بقينا مدة طويلة ونحن ننظر في آيات قليلة أو في سورة وذلك لا يضيع بل هو من الأمور التي يحبها الله سبحانه وتعالى ويرضاها، فطول النظر في كلامه الله جل وعلا يورث الخشية والإيمان واليقين والفهم الدقيق ويفتح مغالق القلوب، تستنير به القلوب والعقول والجوارح، العبد في الحقيقة ينتفع غاية النفع بكثرة النظر والتدبر والتأمل في كلام الله تعالى، كلما أطال النظر كلما انفتحت مغالق العلم عليه وجنى خيرا كثيرا عظيما من كلام الله عز وجل وكفى بذلك دليلا قول الله تعالى (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) [الكهف: 109] فكتاب الله جل وعلا وآياته الكثيرة الغزيرة بالعلم النافع، وما نأخذ منها إلا اليسير والقليل فلا مانع أن نعيد النظر مرة بعد أخرى وأن نطيل التدبر ولكن ذلك يحتاج منا إلى الإخلاص والإقبال بشوق ورغبة ورهبة وذل وانكسار لله تعالى في النفوس المباركة.
نطلب من الله تبارك وتعالى المدد والعون، فبدون مدد الله تبارك وتعالى وفضله وإحسانه وعطائه لا نستطيع أبدا أن ننتفع بالنظر والتدبر والتفكر.
من خلال تأملي للآيات في الأيام الماضية، في الساعات الماضية، في الحقيقة كأني لم أقل شيئا فيها وكأننا لم نتحدث عن شيء من معانيها وكأني لأول مرة أقرأ السورة لكثرة ما أرى فيها من الفوائد العظيمة والجليلة الكبيرة التي لا يأتي عليها العد.
بنياتي، على سبيل المثال، لو عدنا في أوائل السورة في قول الله تعالى: (اللَّـهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الجاثية:12 -13]
وأنا أتدبر وأتفكر وأتأمل هذه الآيات الكريمة بعد أن حذر الله تعالى من عاقبة من يسد عن آيات الله ولا ينتفع بسماع الذكر و الوحي المبين، الذي يتلى أناء الليل وأطراف النهار ولا ينتفع بالنظر في آيات الله الكونية الذي دل عليه الكتاب والسنة بالوجوب بالنظر فيها والإعتبار بها وفي الحقيقة الله سبحانه وتعالى ذكر بعض فضله وإنعامه على خلقه مذكرا لهم بالأفضال والإنعام، صفات الربوبية على الخلق، فالله الخالق الكريم الرازق المعطي جل وعلا، عطائه لا حد له، فيذكر الله تعالى من جملة فضله وإنعامه خلق البحر.
لو تفكرنا وتأملنا سبحان الله لماذا خص الله تبارك وتعالى بالنعم التي في البحر مع أنّ الأرض مليئة بالنعم الكثيرة فلماذا خص البحر على دون سائر آياته الظاهرة والباطنة في اليابسة ؟
البحر يشكل نسبة كبيرة من الأرض ، ثلاثة أرباع مساحة الأرض بحر، والأرض كانت في يوم من الأيام بحرا، الماء يغطي جميع اليابسة ثم بفضل الله سبحانه وتعالى ورحمته أخرج ويسر ومنّ على الخليقة بجزء منها ، من الأرض المغمورة بالماء واليابسة وسخرها وهيأها على أحسن ما يكون لتكون مستقر للإنسان ومزرعة للآخرة ويقام الدين لله تبارك وتعالى وتقام العبودية لله جل وعلا فيها ويصبح الإنسان المكلف منسجما مع سائر مخلوقات الله عز وحل المسبحة الذاكرة العابدة لله تعالى فالحمد لله رب العالمين.
فشأن البحر شأن عظيم جدا لو تأملنا معظم الخيرات التي يستمتع بها الإنسان من الزروع والثمار، مصدرها في الحقيقة من الماء ولذلك الله تبارك وتعالى سما هذا الماء من السماء رزقا، في أول السورة قال الله جل وعلا :
(مَا أَنزَلَ اللَّـهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا )

فسبحان الله ما أعظم خلق الله تبارك وتعالى وما أعظم خلق الله تعالى في البحر على وجه الخصوص، فهذا البحر العظيم والمحيطات الكبيرة التي تملأ الدنيا وهذا الماء العظيم الذي لا يأسن يحفظه الله تبارك وتعالى بحفظه ورعايته وجوده ورحمته جعله مالحا، الملوحة تختلف من موقع لأخر لحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى ، تجدد في مياه البحار والمحيطات على الدوام، حركة دائمة ، التيارات المائية تنتقل باستمرار من موطن إلى آخر بفضل الله تعالى. كذلك اختلاف كثافة الماء والملوحة من مكان إلى آخر بقدرة الله تعالى، ونجد أن الحركة دائمة في البحر بقدرة الله سبحانه وتعالى.
هناك آيات عظيمة جدا موجودة في البحار تحتاج إلى المسلم أن ينظر فيها ويعتبر فيها حتى يزداد خضوعا وذلا لله تعالى ورغبة فيما عند الله جل وعلا.
قال الله تعالى (سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ) سخر البحر لكم أيها الناس دون غيركم فضلا منه جل وعلا، فهو سبحانه وتعالى غني جل وعلا وما يعطي للإنسان من خزائنه شيء يسير قليل لايعد شيئا ولا يذكر أمام ما عند الله تعالى من خزائن ملكه من النعم العظيمة الكبيرة ، وما الأرض بالنسبة لهذا الكون الفسيح؟؟؟ وما الأرض بالنسبة للكواكب المحيطة بنا و النجوم المحيطة بنا والمجرات المحيطة بنا ؟؟؟ قطرة في بحر أو حبة رمل في صحراء ومع ذلك هذا الخلق العظيم وهذا الكون العظيم جعل فيه من العبر والعضات والآيات الشيء الكثير يستحق من العبد المؤمن أن ينظر فيه ويتفكر فيه فالإنسان إذا ركب البحر أو ركب النهر يشعر بالخوف والرهبة، ويشعر بعظمة الله تبارك وتعالى، يعني هذا البحر العظيم الماء المخيف الذي يمتد إلى أعماق سحيقة، تصل إلى أكثر من ثلاثة ألاف أو أربعة ألاف الكيلومترات في بعض المواقع، كلها مليئة بالخيرات والنعم العظيمة منها ما علم الإنسان ومنها ما جهله الإنسان.
كل هذا مسخر بفضل الله ورحمته لهذا الإنسان، ولولا تسخيرالله سبحانه وتعالى ما شيد مثل هذه المراكب العظيمة الضخمة وما تحركت، فالإبرة تغرق في البحر والسفينة الهائلة الضخمة تحمل ألاف الأطنان من البضائع والخيرات لا تغرق بفضل الله تبارك وتعالى هذه آية، ولكن بسبب تكرار هذه السنة أو هذه النعمة مكرورة ومألوفة، هذا الإنسان لا يشعر بعظمتها، وإلا فهي عظيمة وكبيرة إذا كيف هذه السفن، هذه الفلك الكبيرة العظيمة الهائلة التي تحمل ألاف الأطنان كما قلنا من البضائع والخيرات لاتغرف وتبقى طافية على الماء بقدرة الله تبارك تعالى، هو الذي يمسكها هو الذي يسيرها جل وعلا ولذلك قال (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) تصريف الرياح في الأرض لتكون سببا في حركة هذه السفن والفلك في البحار بقدرة الله تبارك وتعالى وإن تحركت الآن بالطاقة، ولكن في الحقيقة نرجع للأساس إلى هذه الخيرات النازلة من السماء، إلى هذا الماء النازل وإلى هذه الريح التي تصرف هذا السحاب من مكان إلى آخر لولا فضل الله سبحانه وتعالى ثم هذا الماء النازل من السماء وما خرج منه وما ترتب عنه من مخلوقات الله العظيمة ما تكون البترول وما تكون الفحم الحجري الذي هو الآن مصدر للطاقة للإنسان، أصبح يستفيد منها من تسير المراكب في البر والبحر والجو بقدرة الله عز وجل.
كل هذا يستوجب على الإنسان أن يتفكر وينظر (الله الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ) لماذا؟
قال (لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
ويقول تعالى (وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [الحج :65]
ويمسك السفن أن تغرق في البحر بقدرته سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى وهو مودع هذه السنن، سنن الطفو والتجاذب بين الكواكب حتى تكون في حالة اتزان وحركة المد والجزر، حركة متزنة بسبب عوامل الجذب المتزنة القائمة بين القمر والشمس والأرض في معادلة غاية الإعجاز بقدرة الله تعالى.
يقول تعالى : (لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
انظرن هذه الخيرات والنعم العظيمة التي تنقل لنا وسط المراكب الضخمة العظيمة من الصين والهند والأمريكتين بقدرة الله عز وجل لولا هذا التسخير ولولا هذا الفضل والنعم من الله تبارك وتعالى لتعطلت الحياة بين الناس بعضهم ببعض بفضل الله تبارك وتعالى، هذه نعمة والله سبحانه وتعالى يذكرنا بها ولا يمكن أن تمر علينا بدون تفكر، ليست هي من صنع الإنسان أو اجتهاد الإنسان وبقدرة الإنسان فقط يجري ما يجري في هذا الكون وينتفع الإنسان بالتصنيع والتطور في عالم المادة.

كل وسائل التصنيع والتطوير للآلة وفق سنن أودعها الله سبحانه وتعالى في الكون ليكتشفها الإنسان وينتفع بها على إثرها بدأ يصنع هذه الآلات الضخمة والكبيرة ويترتب عليها من المنافع شيء كبير وعظيم.
لذلك الله تبارك وتعالى يشير إلى هذه الحقيقة في سورة يس يقول سبحانه وتعالى : (وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ﴿٣٤﴾ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ﴿٣٥﴾) ، في الحقيقة هو الذي دلهم، في الزراعة والصناعة بفضل الله ورحمته.
العطاء من الله والتعليم من الله والخلق من الله والله تعالى يقول : (والله خلقكم وما تعلمون) [الصافات :96]
انظرن قوله تعالى (لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ۖ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) فمرد الفضل في النهاية إلى الله تبارك تعالى، كل هذه الأمور تحتاج من الإنسان أن ينظر ويتفكر ويعلم أن الله تعالى وعد ووعده صدق.
قال تعالى في الآية 13 الجاثية : (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ) هذه السنن المسخرة ليستفيد منها الإنسان الآن الإنسان يصنع ويطورمن وسائل حياته ما استطاع أن يصل إلى شيء، كل ذلك بفضل الله تبارك وتعالى.
وشيء عجيب في هذه الآية الكريمة، عدّ الله تعالى نعمة من نعمه وهي نعمة البحر وما فيها وما عليها وما يترتب على تلك النعمة من الخيرات والنفع على الإنسان وذكره الله تعالى على وجوب أن يشكر الله تعالى على هذه النعم، وهذه النعمة جاء على إثرها إنعام عام كأن عطف العام على الخاص، تسخير عام كالبحر، قال : (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ)
ثم بدأ بالسموات لأنها أبعد ما تكون من الإنسان فليس للإنسان من سبيل إليها لا ينتفع بما فيها إلا أن يسخرها وأن ييسرالله للإنسان الوصول إليها.
فهذا سحاب في السماء فمن يستطيع أن ينزل الماء منه؟ ومن يستطيع أن يسيره كيف يشاء ؟؟
(فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) [النور: 43]
فالله سبحانه وتعالى هو الذي يسير السحاب وهو الذي يرفع السحاب، ولذلك له الأمر من قبل ومن بعد
فقال (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ)
يعني ما في السماء لاسبيل له إلى السماء أبدا كما قال تعالى (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ) [الرحمن:33] سبحان الله العظيم
ولذلك قال (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ) فهذا البعيد العظيم الشاهق العالي الذي لا سبيل إليه إلا بفضل من الله ورحمة سخره الله تعالى لهذا الإنسان الضعيف الذي يعيش على الأرض.
فكل ما في السماوات من كواكب وأفلاك ومجرات وخيرات وسحب وهواء وعناصر مهمة للحياة تحيط بالأرض بغلافها الجوي، والغلاف الجوي والمنافع المترتبة عليه، هذا الحجاب الحامي للأرض بفضل الله تبارك وتعالى كل هذا لا سبيل لإنسان إليه إلا بفضل الله تعالى ورحمته.
فقال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)
ما : موصولة ،موصولة عامة فكل ما في السموات، ما كان قريبا منا بفضل الوسائل للإ رتقاء كالمراكب ونحوها أو ما كان بعيدا عنا لايمكن الوصول إليه، كله مسخر ولولا تسخير الله ما استطاع الإنسان أن يصل إلى شيء أبدا كعلوم الفضاء وهذا من فضل الله تعالى وأنا أستغرب الآن أن تبنى المحطات الدائمة في الفضاء وتدور في أفلاكها بقدرة الله سبحانه وتعالى وبإمساك الله تعالى تحمل مئات الأطنان وتدور في حركة دائمة كما تدور سائر الأقمار التي خلقه الله جل وعلا بقدرة الله عز وجل و العلماء يحاولون تطويرها ويدرسون حال النبات والكائنات فيبعثونها إلى الفضاء ويدرسون حالها وأثر اختلاف الجاذبية ونحو ذلك في الفضاء ويروا أثر ذلك عليها حتى يطوروا حياة الإنسان على الأرض ويحموا الإنسان الكثير من الأمراض والفيروسات إلى آخره.
كل هذا فتح من الله ، فضل من الله ونوع من التسخير فقال الله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) هذا هو التسخير وإن كان الإنسان يبذل المليارات فإنه نوع من التسخير، ولولا التسخير ما استطاع الإنسان أن يصنع هذه الآلات الضخمة التي تسير إلى المريخ ويضع قدمه على المريخ ويدرس المريخ وما فيه، هذا كله من فضل الله تبارك وتعالى رحمته وإحسانه.
مثلا الآن المنظار الذي ينقل لنا ويصور لنا من أعماق الفضاء البعيد ويدرس العلماء هذه الصور ويكتشفون عظمة الخلق، كل ذلك من تسخيرالله تعالى ليقيم الحجة على الناس أنه الله الواحد الخالق القادر المستحق جل وعلا للإجلال والإعظام والعبادة والذل والانكسار.
ولذلك قال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) إذا كانت الأعيان الصغيرة والكبيرة الظاهرة والباطنة، جميع هذه الأعيان مسخرة للإنسان إذا هي تحت ملك الله تبارك وتعالى وهو سبحانه وتعالى قيوم عليها، وهي محتاجة إلى خالقها وهي مسيرة بقدرة الله تعالى وهي ومسخرة لهذا الإنسان فإذا لماذا يخاف منها وهي مسخرة له وتحت قدرة الله عز وجل فهي في الحقيقة ستكون له ومعه ما دام لله سبحانه وتعالى، وإذا أسلم وجهه لله تعالى وأخلص العبودية لله تعالى كانت جميع هذه المخلوقات صغيرها وكبيرها كانت كما أمر الله خادمة له .
ولذلك لا ينبغي للعبد إذا استسلم لله أن يخضع لشيء من خلق الله تعالى كبر أو صغر لماذا ؟ لأن الله تعالى يريدك لنفسه. هذا الكون الكل بأعيانه الصغيرة والكبيرة مسخرة خادمة لك أيها الإنسان، كيف تكون خادما لها؟ كيف يكون المخدوم خادما للخادم؟؟ لا يمكن.
فالله جعل هذه الكائنات العظيمة والمخلوقات الصغيرة والكبيرة ، في السماء والأرض، في الأرض وفوق الأرض مسخرة للإنسان فلا ينبغي أن يخضع لها ولا أن يعبدها وأن لا يتخذها إلها من دون الله أولا ناصرا أو مؤيدا أو حافظا أو أن يطلب منها نصرا أو فتحا أو عطاء أو بركة أو رزقا لأنها له، مخلوقة له مسخرة له بل حتى سائر الناس الذين هم من جنسه هم في الحقيقة لن يغنوا عنه له من الله شيئا، هم خدم في الحقيقة لله تبارك وتعالى وهم بقدرة الله تعالى وبقدرة الله وقوته مقهورون إرغاما لأن يكونوا عبيدا لله تبارك وتعالى لا يخرجون بشيء من أمرالله تعالى فهؤلاء جميعا إن كانوا عبيدا لله تعالى كانوا معه وكانوا خدما له سبحانه و تعالى، استخدمهم الله تعالى في نصرة عبده وفي قضاء حوائجه لأنه لجأ إليه جل وعلا فقضى حاجته على يد أخيه الإنسان، سواء كان مسلما أو غير مسلما.

فلذلك من المعاني العظيمة من هذه الآية لما قال الله عز وجل (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ) وقال (جميـــعا) الأعيان المشاهدة ، الجبال والأنهار والبحار و الأشجار والطيوروالحيوانات و الإنسان، المتحرك والجامد والظاهر، المرئي المشاهد المادي للإنسان وسائرما حوله من الكائنات والخفي من الجان، كل هؤلاء تحت قدرة الله وتحت يد الله جل وعلا يسخرهم لهذا العبد، وهم يخدمون هذا العبد.
قال (جميـــعا منه) : دليل واضح على أن الله يريدك لنفسه، خلقك الله حرا فلا ينبغي أن تكون عبدا لغيره فلذلك هذه الآية تحرم على الإنسان أن يكون عبدا لشيء من المخلوقات صغيرا كان أو كبيرا ملكا أو مملوكا، لا ينبغي أن يكون ذليلا أو خاضعا أو يطأطأ برأسه لأحد من الخلق مهما كان، لا يكون الإنسان ذليلا أو منكسرا إلا لله وحده جل وعلا ، إذا الله تعالى يحرر الإنسان أن يكون عبدا لشهوته أو لهواه أو لشياطين الجن أو الإنس أو الصغار أو الكبارأو أصحاب الرئاسة والأموال فالله يريد من الإنسان أن يكون له جل وعلا.
فإذا كان الإنسان لله وحده جل وعلا وأسلم وجهه لله تعالى كملت عبوديته لله تعالى وصار أعز الخلق وأرفع الخلق وأعظم الخلق لله تعالى فسخر الله تعالى له كما قال جميع الخلق ، الصغير والكبير لا إله إلا الله بل إن الكبير والصغير مخلوقات الله يحبه ويألفه ويشتاق إليه ويحزن لفراقه ويبكي عليه، قال تعالى : (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) [الدخان : 26] سبحان الله
فسخر لكم أيها الناس ما في الأرض وما في الأرض جميعا منه لماذا؟؟؟؟
لتشكروه على هذه النعم ومن أعظم وسائل الشكر لله تعالى أن يستسلم العبد لله جل وعلا وحده، أن يوحد الله عز وجل أولا، وأن يخلص العبودية لله تبارك وتعالى.

فلا يذل ولا ينكسر ولا يسأل أحد من الخلق أبدا، لا يسأل إلا الله تبارك وتعالى صلى الله على الحبيب محمد القدوة عليه الصلاة والسلام، ما كان يسأل أحدا من الخلق، لايسأل إلا ربه ولا يلجأ إلا لربه جل وعلا ولا يكون إلا مع الله سبحانه وتعالى في السراء والضراء فهو القدوة عليه الصلاة والسلام، وكان يعلمهم ويحثهم على ذلك أن يستغنوا بما عند الله عما في أيدي الناس، فمن استغنى بما في أيدي الناس واستغنى بما عند الله جعله الله تعالى وجعله زاهدا في الدنيا وراغبا في الآخرة ورضي بالقليل وكان أسعد الناس بطاعة الله تبارك وتعالى.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)
إذا إشارة منه سبحانه وتعالى إلى قضية التسخير وكل الأعيان وكل المخلوقات ما نراه وما لانراه ما نبصره وما لا نبصره بما أقسم الله تعالى به كما في سورة الحاقة (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ﴿٣٨﴾ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ﴿٣٩﴾)
كل هذا الذي نبصره ولا نبصره هو في الحقيقة مسخر لك أيها الإنسان ، لكن هذا التسخير ينتفع منه الكافر والمسلم، لكن الانتفاع الحقيقي الجالب للسعادة والجالب للرفعة والجالب للعزة والأنفة الحقيقية لا تكون إلا للمؤمن، فهذا العبد الذي استغنى عن الله تعالى باعتماده على السنن وعلى المادة، هو في الحقيقة عبدا لشهوته وعبدا للدينار وللدرهم وعبدا للسلطان وعبدا للكرسي والجاه فهذا استعبدته الشهوة واستعبده الملك والشهرة، وربما انتكس ونسي خالقه، ربما ألحد ونسي أن الله موجود وأن الله خالق الوجود جل وعلا.
انظرن إلى غاية ما وصل إليه الإنسان إلى غاية الذل لما عبدا لغير الله تعالى والحمد لله الذي حررنا بأن نكون عبيدا لله جل وعلا والحمد لله الذي حررنا وكنا أعزاء بهذا الدين العظيم والإسلام القوي.

(وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿١٣﴾)
هذا ملمح من الملامح المهمة التي ترفع درجة الإيمان عند العبد ومن أجل أن يعتز ويسمو بفضل العبودية لله تبارك وتعالى وبالاستغناء عن الخلق.
لذلك إذا شعر العبد المؤمن أن الله سخر ما في السموات والأرض لي أنا، وقد خلق ما في السموات والأرض لي أنا لماذا؟ لأنتفع بهذا الخلق وأسأل الله تعالى أن يعطيني بركة هذا الخلق وأن أنتفع بهذا الخلق الذي سخره الله تعالى لي ، وإن منع عني الله تعالى شيء من فضله ومنه وإحسانه فلحكمة، وإن أعطاني شيئا من عطائه فلحكمة، فأشكر الله تعالى على هذين الحالين، فإن أعطاني رضيت وشكرت وإن منعني رضيت وشكرت لأن الله تعالى أعلم كما قال :
( وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) [يوسف:21]

ولذلك وجدنا في قصة يوسف عليه السلام وهوأيضا من النماذج الحية، القدوة في تاريخ الإنسان، الإنسان الكريم الذي يعتز بشرف العبودية الله تبارك وتعالى.

وجدنا هذا العبد المؤمن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، شرف العبودية رفعه وجعله عزيزا، مستكبرا على شهوته ما استسلم لشهوته لماذا؟ لأنه عزيز بعبوديته لله تبارك وتعالى ما كان ينسى فضل الله عليه عز وجل، طفلا صغيرا ولا في مرحلة الشباب أبدا، ولا في غاية العهد لله تبارك وتعالى، لما كان مستغنيا عن الخلق وكان في تمام الذل لله تبارك وتعالى، وكما قال تعالى : (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ )
انظرن (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) الله أكبر، ظهرت عليه علامات الخلق النبيل وكرم الأخلاق وطيب المعشر ولين الكلمة وحسن السمت وكل هذا السبب لشرف العبودية لله تبارك وتعالى .
انظرن هؤلاء أحبوه وألفوه وأقبلوا عليه، لماذا ؟؟؟ لأنه كان متلبسا بشرف العبودية لله تبارك وتعالى أوتي الحق واستسلم لله تبارك وتعالى ، انظرن ماذا قال ؟ قال (قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيَكُمَا ۚ ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ۚ إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ )

اتبعت ملة إبراهيم، التوحيد الخالص، ذكر التوحيد الخالص
ذكر (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّـهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴿٣٩﴾ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّـهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)

أكثر الناس لا يعلمون
أكثر الناس لا يؤمنون
أكثر الناس لا يشكرون...
لا إله إلا الله ، التوحيد، كمال الذل لله تبارك وتعالى

هذا العبد الذي أخلص لله العبودية وتلبس لباس التوحيد الخالص، في طفولته وفي شبابه وظل على العهد والوعد، استعلى، استكبر على شهوته، الشهوة لم تذله أبدا، لما همت به امرأة العزيز قال : معاذ الله
كما قال تعالى : (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّـهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) الله أكبر
ولما غرر به وأدخل السجن قال : (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ۖ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ)
انظرن كيف الإنسان يضع حاجته بين يدي الله عز وجل، ولا يستغني عن خالقه في كل أحواله حتى إذا كان في درجة عالية من العبودية لله جل وعلا
ولا يستغني عن الله أبدا طرفة عين، دائما يحتاج إلى المدد من الله عز وجل في حالة السراء والضراء، في حالة المحنة وحالة المنحة، محتاج إلى فضل الله ورحمته ولذلك نجد أن سليمان عليه السلام في وقت المنحة وقت العطاء لم ينسى خالقه لماذا ؟؟
لأن كمال الذل والعبودية لله جل وعلا، كمال الاستسلام لله تعالى فلما شغله بعض ماله عن ذكر ربه تعالى قال : تعالى في سورة ص : (فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ﴿٣٢﴾ رُدُّوهَا عَلَيَّ ۖ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ) هذا الخير الذي شغله عن ذكر الله، قام بتقطعيها رغبة ورهبة فيما عند الله تبارك وتعالى، كمال الذل وكمال الخضوع لله تبارك وتعالى ولذلك في أوج العزة وفي أوج الأنفة وفي أوج الملك، لم ينسى سليمان عليه السلام خـــالقه.
ولما مر بواد النمل، قالت نملة : (حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) ماذا قال : (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) سبحان الله
الإنسان في وقت المنحة لا ينسى خالقه ويتذكر فضل الله عز وجل عليه، ويكون في تمام الذل والانكسار في حالة السراء وحالة الضراء.
موقف آخر من المواقف الجليلة العظيمة التي ينبغي للمسلم دائما أن يتذكرها وأن يستحضرها بين عينيه أن الله تبارك وتعالى ما وقف عبد في محراب العبودية له فسأله بإخلاص نية وإقبال قلب فرد يديه صفرا، أبدا ، لابد أن يعطيه لابد أن يمنحه جل وعلا، وإن أخرعنه المنحة ولكن الله سبحانه و تعالى أعلم متى يضع النعمة في يد عبده، يمنعها عنه لحكمة ويضعها عليه لحكمة ويؤخر عنه لحكمة، و لذلك قال تعالى في سورة يوسف : (وَاللَّـهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
كل هذه المواقف الحية، الغنية بالعبرة والعضة ينبغي على المسلم أن يستفيد منها وأن يتذكرها وأن يعيش معها لحظات خشوع ولحظات بكاء ولحظات انكسار لله سبحانه وتعالى فسبحان العظيم، سبحان الكريم.
هنا بنياتي ينبغي على المسلمة وعلى المؤمنة دائما وأبدا أن تتذكر فضل الله جل وعلا وإحسانه على خلقه.
وفي ضلال هذه الآية الكريمة أيضا فيما جاء بعدها، يقول جل وعلا : (قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا) قل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم للذين آمنوا بقلوبهم ، وصدقوا بقلوبهم، صدقوا بعمل جوارحهم، صدقوا بإيمانهم وصدقوا بأعمالهم الصالحة ( لِّلَّذِينَ آمَنُوا) : الذين استسلموا لله ولم يستسلموا لغيره، هؤلاء لأن عندهم عزة الإيمان يترفعون عن الصغائر وعن النقائص وأن ينزلوا إلى مستوى أصحاب الأحقان والحززات وأصحاب الأضغان وأصحاب الانتقام، يستعلون بفضل الله ورحمته على شهوات نفوسهم، وعلى أن ينتقموا من أعدائهم، فيترفعوا ويعلموا ما دام ما في السموات والأرض مسخر لهم فلماذا أشقى وأتعب من عبد ذليل مسخر أصلا بقدرة الله جل وعلا في الخلق ومن الخلق في الكون مسخر إما لي أو لغيري، هذا الإنسان الذي أساء لي و أذاني و الله جل وعلا قادر أن ينتقم منه ويأخذ حقي منه، والله سبحانه وتعالى مكنه من أن يؤذيني أو يتعدى على حق من حقوقي أو أن يتسبب في الأذى لي، هذا الله سبحانه وتعالى قادر على أن يمنعه، والله سبحانه وتعالى لم يحل بينه و بين أن يفعل ما فعل يختبر إيماني، يختبر قدرتي على الصبر ولذلك قال الله عز وجل عن هؤلاء، انظرن بنياتي كيف الله تعالى يعلمنا و يهذب أخلاقنا بالقرآن لما ذكر الجنة قال : (أعدت للمتقين ) وذكر أوصاف هؤلاء فقال : (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران :134]
انظرن بنياتي (قل للذين آمنوا) هؤلاء ملكوا حقيقة الإيمان، هؤلاء استغنوا بالإيمان عن الخلق، هؤلاء في كمال الرفعة والعزة، هؤلاء يمرون على الصغائرمرالكرام (وَعِبَادُ الرَّحْمَـٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [المؤمنون: 63]
وقوله تعالى معلما له (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة:83]
يقولون الحسن ويمرون مر الكرام على الأخطاء وعلى الجراح يبتغون ما عند الله سبحانه وتعالى.

(قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّـهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الجاثية:14]

لاتربطنا بهم صلة الإيمان، صلة العقيدة، أعظم الروابط وأفضل المنح من الله جل وعلا من حيث الإيمان بينه وبين المؤمنين، هؤلاء إذا كان الله عز وجل يأمرنا أن نغفر لأولئك الذين لا يرجون أيام الآخرة، الذين كفروا بالدار الآخرة، كفروا بالله جل وعلا، كفروا بآيات الله عز وجل، أمر الله عز وجل أن نسامح أن نغفر فكيف بإخواننا المؤمنين؟ كيف من يشاركونا في العقيدة؟ وكيف من كانوا معنا من أهل القبلة؟
في الحقيقة ينبغي على المؤمن أن يرتفع وأن يستعلي على شهوات نفسه وحظوظها وأن لا تدفعنا النفس الأمارة بالسوء إلى الإنتقام و إلى الإيذاء للخلق، فمن آذاك فاصبرعلى أذاه ودعه لله تبارك وتعالى والله منتقم ولابد أن يأخذ حقك منه إن آجلا أو عاجلا وإن لم ينزل بهذا الظلم أو هذا المؤذي إما بقول أو فعل بالعقوبة في الدنيا فإن الله تبارك وتعالى جعل المرد إليه، قال سبحانه وتعالى في سياق هذه الآية : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۖ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ)

يتبع بإذن الله تبارك وتعالى



توقيع أم ايمان
أم ايمان غير متواجد حالياً