فقال عمر : والله إن المغرور من تغرونه([1]).
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة رأيت عمر أخذ تبنة من الأرض فقال : ليتنى هذه التبنة ليتنى لم أك شيئاً ، ليت أمى لم تلدنى.
وهذا حب المصطفى صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل الذى أقسم له النبى فقال : (( يا معاذ والله إنى لأحبك ))([2]).
يبتلى معاذ بطاعون الشام وينام على فراش المـوت وهو الشاب الذى لم يبلغ الثالثة والثلاثـين من عمره فيقول لأصحـابه : هل أصبـح الصباح ؟ فيقولون : لا بعـد فيقول أخرى : هل أصبح الصبـاح ؟ فيقولون : لا بعد فيقول ثالثة : هل أصبح الصباح ؟ فيقولون : لا بعد فيقول معاذ : أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار !!!
وهذا سفيان الثورى إمام الدنيا فى الزهـد والورع والحديث ، ينام على فراش الموت ويدخل عليه حماد بن سلمة فيقول له : أبشر يا أبا عبد الله أنك مقبل على ما كنت ترجـوه ، وهو أرحم الراحمـين فيبكى سفيان ويقول: أسألك بالله يا حماد أتظن أن مثلى ينجو من النار ؟ !!!
وهذا إمام الدنيا الشافعى يدخل عليه الإمام المزنى وهو على فراش الموت فيقـول له : كيف أصبحت يا إمـام فيقول : أصبحت من الدنيـا راحلا وللإخوان مفارقا ، ولعملى ملاقيا ، ولكأس المنى شاربا وعلى الله واردا ، ثم بكى وقال : فـلا أدرى والله يا مُزنى أتصير روحى إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها ؟!!!
وهذا مالك بن دينار وهو من أئمة السلف الأخيـار كان يصلى للعزيزِ الغفـار ويقبض على لحيته ويبكى ثم يقـول : لقد علمت مساكن الجنة ومساكن النار ففى أى الدارين منـزل مالك بن دينار ؟!!
فهل فكرت يا عبد الله فى هذا المصير ، أتصير إلى جنة أم إلى نار ؟!!
وهذا هو عنصرنا الثالث من عناصر اللقاء .
ثالثا : أين المصير ؟!!
وهذا سؤال يجب على كل واحد منا أن يسأله لنفسه فى الليل والنهار ، يا من بارزت الله بالزنا قل لنفسك أين المصير ؟!
يا من ذهب زَوجَكِ إلى بلاد الغربة ليوفر لَكِ ولأولادكِ المعيشة الطيبة الحلال فلم تحفظيه فى عرضه وماله قولي لنفسك أين المصير ؟!
يا من تلاعبت ببنات المسلمين وبارزت الله بالمعاصـي قـل لنفسك أين المصير ؟
يا من أكلت الربا قل لنفسك أين المصير ؟!!
يا من أكلت الحرام قل لنفسك أين المصير ؟!!
يا من تظلم الناس قل لنفسك أين المصير ؟!!
مثل وقوفك يوم العرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حـيراناَ
النار تلهب من غيظٍ ومن حنقٍ على العصاةِ ورب العرش غَضباناَ
اقرأ كتابك يا عبدُ على مَهَـل فهل ترى فيه حرفاً غـير ما كانا
فلما قرأت ولم تنكر قراءتـه أقررت إقرار من عرف الأشياء عرفـانا
نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبدٍ عصا للنار عطشانا
المشركون غـداً فى النار يلتهبوا والمؤمنـون بدار الخـلد سكانا
ماذا تقول لربك غداً إذا وقفت بين يديه عـارٍ: أين المنصب ؟!
أين الجاه ؟! أين السلطان ؟!! أين الأموال ؟!! أين القوة ؟!!
(( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ))
أين المصـير ؟! وجه لنفسك اليوم هذا السؤال : هل أنت ممن عمل الطاعة وتنتظر من الله الجنـة أم أنك مسرف على نفسك بالمعصية ومع ذلك تتمنى على الله الأمانى وترجوا الجنة ما أقل حياء من طمع فى الجنـة وهولم يعمل بالطاعة ولم يمتثل لأوامر الله .. إننا لا نقوى على النار ومن يقوى عليها ؟! ومن يقوى على نار الدنيا وهى (( ناركم هذه التى توقد ابن آدم جزء من سبعين جـزءاً من نار جهنم ))([3]).
فاتقوا النار أيها المسلمون فإن حرها شديد ، وقعرهـا بعيد ، ومقامعها من حديد ، إن الطعام فى النار نار ، وإن الشراب فى النار نار ، وإن الثياب فى النار نار ، وطعام أهل النار من الزقوم والغسلين والضريع .
هل تعلم عن الزقوم والغسلين والضريع شىء ؟!!
الزقوم شجرة تنبت فى أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين .
يقول ابن عباس رضى الله عنهما : لو أن قطرة منها قطرت على أهل الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون الزقوم طعامه .
] أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ(62)إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ(63)إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ(64)طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ(65)فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ [ [الصافات : 62-65]
أما الضريع !! فهو نوع من أنواع الشَّوْك ..
قال تعالى : ] هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ(1)وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ(2)عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ(3)تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً(4)تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ ءَانِيَةٍ(5)لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ(6)لاَ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِنْ جُوعٍ[ [ الغاشية : 1-7 ].
أما الغسلين !! فهو عصارة أهل النار من قيح وصديد .
قال تعالى : ] وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ(25)وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ(26)يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ(27)مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ(28)هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ(29)خُذُوهُ فَغُلُّوهُ(30)ثُمَّ لْجَحِيمَ صَلُّوهُ(31)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ(33)وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(34)فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ(35)وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ [ [ الحاقة : 25-36 ]
إذا استغاث أهل النار يغاثون بماء ولكن ما هذا الماء ؟
قال تعالى : ]…وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ[ [ محمد : 15 ]
وقال تعالى : ] إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا[
[ الكهف : 29 ]
وهنا يستغيث أهل النار بخزنة جهنم ]وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (49)قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ[ [ غافر : 49 - 50]
فإن يئس أهل النار من خزنة جهنم نادوا على رئيس الخزنة ]وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ[ [ الزخرف : 77 ]
فيتذكرأهل النار أهل التوحيد ممن كانوا يعرفونهم فى الدنيا فينادونهم ليغيثونهم بشيء من الماء أو مما رزقهم الله ]وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ(50)الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ[
[ الأعراف : 50-51 ]
فإن يأس أهل النار من الخلق أجمعين استغاثوا بالملك الكريم .
قال تعالى : ]قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ(106)رَبَّنَا أَخْرِجْـنَا مِنْهَا فَإِنْ عُـدْنَا فَإِنَّا ظَـالِمُونَ(107)قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ [ [ المؤمنين : 106-108 ]
الطعام نار ، والشراب نار ، والثياب من نار .
قال تعالى : ]هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ(19)يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ(20)وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [ [ الحج : 19-21 ]
([1]) سير الخلفاء للذهبى ص 83 ، وابن الجوزى فى المنتظم ( 4/ 141 ) بسند رجاله صحيح إلا
عاصم بن عبد الله بن عاصم ضعفوه .
([2]) رواه أبو داود ( 1522 ) فى الصلاة ، باب الاستغفار ، والنسائى ( 3/ 53 ) فى السهو ،
باب نوع آخر من الدعاء والحاكم ( 3/ 273 – 274 ) وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه
ووافقه الذهبى وهو فى صحيح الجامع ( 7969 ) .
([3]) رواه البخارى ( 3265 ) فى بدء الخلق ، باب صفة النار وأنها مخلوقه ، ومسلم ( 2843 )
فى الجنة وصفة نعيمها ، باب شدة حر نار جهنم .