عرض مشاركة واحدة
قديم 28-07-11, 06:58 PM   #6
نور الهدى 1
طالبة دورة أزاهير رَسم الحرف
افتراضي

اوصانا الشيخ بقراءة عدة كتب لابن القيم

فاخترت لكم من كتاب الفوائد:


كيف يفعل من أصابه هم أو غم
في المسند وصحيح أبي حاتم من حديث عبد الله بن مسعود قال‏:‏ ‏‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ « ما أصاب عبداً هم ولا حزن فقال‏:‏ اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحاً‏.‏» قالوا‏:‏ « يا رسول الله أفلا نتعلمهن‏؟‏ قال‏:‏ بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن‏ » ‏‏.‏
فتضمن الحديث العظيم أموراً من المعرفة والتوحيد والعبودية‏:‏ منها أن الداعي به صدَّر سؤاله بقوله‏:‏ إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك‏.‏ وهذا يتناول مَن فوقه من آبائه وأمهاته إلى أبويه ‏:‏ آدم وحواء، وفي ذلك تملق له و استخزاء بين يديه، واعتراف بأنه مملوكه وآباؤه مماليكه‏.‏ وأن العبد ليس له غير باب سيده وفضله وإحسانه، وأن سيده إن أهمله وتخلى عنه هلك ولم يُؤوه أحد ولم يعطف عليه بل يضيع أعظم ضيعة، فتحت هذا الاعتراف أني لا غنى بي عنك طرفة عين، وليس لي من أعوذ به وألوذ به غير سيدي الذي أنا عبده‏.‏
وفي ضمن ذلك الاعتراف بأنه مربوب مدبر مأمور منهي، إنما يتصرف بحكم العبودية لا بحكم الاختيار لنفسه، فليس هذا شأن العبد، بل شأن الملوك والأحرار، وأما العبيد فتصرفهم على محض العبودية، فهؤلاء عبيد الطاعة المضافون إليه سبحانه في قوله‏:‏ ‏ «‏إن عبادي ليس لك عليهم سلطان» ‏‏‏الآية‏:‏ 42 من سورة الحجر‏‏، وقوله‏:‏ ‏ «‏وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً» ‏ ‏‏الآية‏:‏ 63 من سورة الفرقان‏‏، ومن عداهم عبيد القهر والربوبية، فإضافتهم إليه كإضافة سائر البيوت إلى ملكه، وإضافة أولئك كإضافة البيت الحرام إليه‏.‏ وإضافة ناقته إليه وداره التي هي الجنة إليه، وإضافة عبودية رسوله إليه بقوله‏:‏ ‏ «‏وأنه لما قام عبد الله يدعوه» ‏الآية‏:‏ 19 من سورة الجن‏.‏‏


مراتب التقوى
«إحداها‏:‏ » حمية القلب والجوارح عن الآثار المحرمات‏.‏
«الثانية‏:» ‏ حميتها عن المكروهات‏.‏
«الثالثة‏:» ‏ الحمية عن الفضول وما لا يعني‏.‏
فالأولى تعطى العبد حياته، والثانية تفيد صحته وقوته، والثالثة تكسيه سروره وفرحه وبهجته‏.‏



غموض الحق حين تذب عنه * * * تضل عن الدقيق فهوم قوم



يقلل ناصر الخصم المحق * * * فتقضى للمجل على المدق


من أعجب الأشياء
من أعجب الأشياء أن تعرفه ثم لا تحبه، وأن تسمع داعيه ثم تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب عند الخوض في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى انشراح الصدر بذكره ومناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره ولا تهرب منه بنعيم الإقبال عليه والإنابة إليه‏.‏
وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه وأنك أحوج شيء إليه وأنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب‏.‏



أنواع الغيرة
الغيرة غيرتان‏:‏ غيرة على الشيء، وغيرة من الشيء، فالغيرة على المحبوب حرصك عليه، والغيرة من المكروه أن يزاحمك عليه، فالغيرة على المحبوب لا تتم إلا بالغيرة من المزاحم، وهذه تحمد حيث يكون المحبوب تقبح المشاركة في حبه كالمخلوق‏.‏

وأما من تحسن المشاركة في حبه سبحانه فلا يتصور غيره المزاحمة عليه بل هو حسد، والغيرة المحمودة في حقه أن يغار المحب على محبته له أن يصرفها إلى غيره، أو يغار عليها أن يطلع عليها الغير فيفسدها عليه، أو يغار على أعماله أن يكون فيها شيء لغير محبوبه، أو يغار عليها أن يشوبها ما يكره محبوبه من رياء أو إعجاب أو محبة لإشراف غيره عليها أو غيبته عن شهود منته عليه فيها‏.‏

وبالجملة‏:‏ فغيرته تقتضي أن تكون أحواله وأعماله وأفعاله كلها لله، وكذلك يغار على أوقاته أن يذهب منها وقت في غير رضا محبوبه، فهذه الغيرة من جهة العبد، وهي غيرة من المزاحم له المعوق القاطع له عن مرضاة محبوبه‏.‏ وأما غيرة محبوبه عليه فهي كراهية أن ينصرف قلبه عن محبته إلى محبة غيرة بحيث يشاركه في حبه، ولهذا كانت غيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه، ولأجل غيرته سبحانه حرم الفاحشة ما ظهر وما بطن؛ لأن الخلق عبيده وإماؤه فهو يغار على إمائه كما يغار السيد على جواريه- ولله المثل الأعلى- ويغار على عبيده أن تكون محبتهم لغيره بحيث تحملهم تلك المحبة على عشق الصور ونيل الفاحشة منها‏.‏

من عظم وقار الله في قلبه أن يعصيه وقره الله في قلوب الخلق أن يذلوه‏.‏

إذا علقت شروش ‏‏ المعرفة في أرض القلب نبتت فيه شجرة المحبة، فإذا تمكنت وقويت أثمرت الطاعة فلا تزال الشجرة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها‏.‏
أول منازل القوم‏:‏ «‏اذكروا الله ذكراً كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا‏ » الأحزاب: 42 ، وأوسطها‏:‏ ‏ «هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور» الأحزاب 43‏.‏ وآخرها‏:‏ «تحيتهم يوم يلقونه سلام» الأحزاب: 44 .‏

أرض الفطرة رحبة قابلة لما يغرس فيها، فإن غرست شجرة الإيمان والتقوى أورثت حلاوة الأبدان، وإن غرست شجرة الجهل والهوى فكل الثمر مر‏.‏
ارجع إلى الله واطلبه من عينك وسمعك وقلبك ولسانك، ولا تشرد عنه من هذه الأربعة فما رجع من رجع إليه بتوفيقه إلا منها، وما شرد من شرد عنه بخذلانه إلا منها، فالموفق يسمع ويبصر ويتكلم ويبطش بمولاه، والمخذول يصدر ذلك عنه بنفسه وهواه‏.‏

مثال تولد الطاعة ونموها وتزايدها كمثل نواة غرستها فصارت شجرة ثم أثمرت فأكلت ثمرها وغرست نواها فكلما أثمر منها شيء جنيت ثمره وغرست نواه، وكذلك تداعي المعاصي، فليتدبر اللبيب هذا المثال‏:‏ فمن ثواب الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها‏.‏
ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبد له ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه، إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوك بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه‏.‏



كفى بك عزًّا أنك له عبد * * * وكفى بك فخراً أنه لك رب



توقيع نور الهدى 1
اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك
نور الهدى 1 غير متواجد حالياً