فإنه لا يعلم حقيقة الله كاملة إلا الله ..
كما أن العين عضو من الأعضاء , لا يستطيع النظر إلى مسافة معينة
أبعد من هذه المسافة . وكما أن الأذن عضو من الأعضاء
لم يستطيع السماع إلا لمسافة معينة ,
كذلك العقل عضو من الأعضاء لا يستطيع فهم إلا أشياء معينة
توجد أشياء كثيرة أكبر من العقل لا يستطيع أن يتخيلها ولا أن يتصورها
أولها : الخالق .. فإنه لا يمكن لأحد أن يتصوره قبل أن يراه يوم القيامة ..
ولله المثل الأعلى ..
ربنا سبحانه : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } الشورى : 11
ولا يستطيع أحد أن يتصوره أو يتخيله .
بل كل من تخيل الله على شيء فربنا سبحانه على خلاف هذا الشيء الذي تخيله .
حتى لو بقي الإنسان مائة عام لا يفعل شيئاً سوى محاولة تصوُّر الله على حقيقته
فإنه لن يستطيع .
وكل النتائج التي سيتوصل إليها ؛ ربنا سبحانه في الحقيقة على خلاف هذا كله .
لأنه سبحانه عنده من العظمة والجلال والجبروت مالا يمكن تصوره ولا يمكن تخيله .
والله إلى يومنا هذا لم يُثنِ أحد الثناء المُكافئ لهذه العظمة ,
وكل من حاول أن يُثني أو أن يحمد أو أن يشكر بقوله أو بفعله ,
من الملائكة والأنبياء ومن الخلق جميعاً .
فإنهم إنما اقتربوا من الثناء الذي يستحقه الله تعالى .
وإلا فالوحيد الذي أثنى على الله الثناء الذي يكافئ عظمته هو الله نفسه فقط ..
هو سبحانه عندما أثنى على نفسه ..
ولو جمعناثناء الناس جميعاً وعبادات الخلق جميعاً ,
عبادة جبريل , عبادة ميكائيل , عبادةابراهيم عليه السلام , عبادة نبينا صلى الله عليه وسلم ,
عبادة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
من أول ما بدأ الخلق إلى آخر من يموت يوم القيامة ,
جمعناها ثم ضاعفنا هذه العبادات جميعاً أضعافاً كثيرة وقدمناها إلى لله ..
لما كافأت ولما قاربت صفة واحدة من صفات الله
التي تليق بعظمته التي يستحقها هو فعلاً سبحانه
نعم .. من الملائكة من هو راكع لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة ,
من الملائكة من هو ساجد لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة .
يسبِّحون ويتعبّدون , ثم إذا قامت القيامة قالوا : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك .
قال تعالى :
{ وَمَا قَدَرُوا اللَّـهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } الزمر : 67
إذاً الفضل له سبحانه إذا تقبل عباداتنا على ما فيها من نقص وسرحان في الصلاة
وبعض الرياء أحياناً .
وقد سبقنا هذه العبادة بذنوب ثم ألحقناها بذنوب أخرى ,
لكن مع هذا هو يتفضّل ويقبل العبادة إذا كانت خالصة لوجهه الكريم
مع أن عباداتنا لا تنفعه بشيء ولا يحتاج منها بشيء ؛
بل نحن الذين نحتاج إن نرتاح في هذه العبادة إذا أدّيناها ..
ونحن الذين سنستمتع فيها إذا طبّقناها ..
ونحن الذين سندخل الجنة ونحس بالسعادة الخالدة هناك .
و أما هو فلن يستفيد منّا بشيء .
بماذا يمكن أن نفيده نحن وهو الغني ونحن الفقراء إليه ؟
و مع هذا فإنه سبحانه يُغنينا ويسقينا ويكرمنا ويهدينا ,
وإذا احتجنا فإنه يعطينا . بل إنه يحب أن نطلب منه ,
وكلما طلبنا أكثر فإنه سيحبنا أكثر .
لأن محبته للكرم والجود فوق ما تتصوره العقول .
وهذا من جمال أفعاله , حيث إنه جمع بين جمال الأفعال وجمال الذات سبحانه
إنك لو سألت عن إلهنا . فإن إلهنا الذي نعبده جميل
ما هو جماله سبحانه ؟ من هو إلهنا ؟؟
إلهنا هو ذاك الإله الجميل , بل أجمل ما في الكون هو الله ..
ولهذا سمّى نفسه الجميل .
وهو فعلاً جميل يحب الجمال كما اخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم
ويكفي في الدلالة على جماله
أن كل جمال في النباتات أو الجمادات أو البشر أو الحيوانات
هو من أثر جمال من صنع هذا الجمال . لأنه فعلاً جميل
ولهذا كانت أعظم نعمة لأهل الجنة
أن يكشف لهم عن جماله لكي يرونه في الجنة
لكي يروا هذا الجمال الذي لم يروا مثله من قبل,
قال تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ* إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } القيامة : 22 / 23
فكل من رآه سيسعد وسيفرح فرحاً لم يمر عليه في حياته من قبل أبداً ؛
لأن الله سبحانه هو الذي خلق السعادة ..
السعادة من خلقها ؟
الله هو من خلق السعادة
وعلى هذا فسيعطيها لمن جاء إليه وتقرب بين يديه
ولن يعطيها لمن ابتعد عنه .
و كلما اقتربت من الله أكثر كلما زادت هذه السعادة أكثر .
ولهذا جعل الله الجنة قريبة منه في السماء السابعة لأنها مستقر السعادة .
وكلما ارتفعت في درجات الجنة أكثر , اقتربت من الذات الإلهية أكثر .
حسناً .. إلى متى ؟
إلى أن تصل إلى أعلى مرحلة في الجنة وهي الفردوس الأعلى .
وهذه هي أسعد منطقة في الجنة .. وسقفها عرش الرحمن
ألم أقل لك أن السعادة في القرب منه سبحانه لأنه هو منتهى السعادة .
قال تعالى: { عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ ﴿١٤﴾ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ ﴿١٥﴾
إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ ﴿١٦﴾ } النجم
ومع كل هذه العظمة والجلال
فإن أكثر من يُعصى ومن يُخالف ومن يُعرض عنه هو الله .
هل رأيت أحداً في الأرض يُعصى أكثر من الله عزّ وجل ؟!
لا يوجد ..
مع كل هذا فإنه سبحانه يعطيهم ويسقيهم وإذا مرضوا يعافيهم
لأنه حليمٌ عليهم صبورٌ على من يعصيه من خلقه .
لدرجة أنه سمّى نفسه الصبور .
بل لو تاب أي عاصي إلى الله ورجع إلى الله فإن الله يفرح به فرحاً شديداً
أكثر من فرحة العبد برجوعه إلى الله .
سبحان الله كيف أن العبد هو من يحتاج إلى الله والرب مُستغنٍ عنه كامل الاستغناء
ومع هذا فإن الله يفرح برجوع عبده إليه ويكرمه غاية الإكرام .
فليس العجب من العبد المملوك إذا كان يتقرب إلى السيد
ويتودد إليه ويريد رضاه !!
هذا هو الأصل ..
لكن العجب كل العجب إذا كان السيد هو الذي يتودد إلى عبده ويتحبب إليه
بأنواع من العطايا والهدايا والعبد يُعرض ويُصِّر على الابتعاد وعدم التوبة .
مع أن العبد لو رفع يديه إلى الله تعالى لاستحى الله منه .
ربنا يستحي أن يردك إذا طلبته .
هذا هو إلهنا .. هذا الذي لا نريد إلهاً غيره ..
هذا ربنا الذي نُعَلِّقُ آمالاً كثيرة على رحمته ومغفرته يوم القيامة .
فإذا كان إلهنا بكل هذه الصفات .. فكيف نتعامل مع هذه العظمة ؟!
كيف نتعامل مع الله ؟؟
رابط جاهز للطباعة