عرض مشاركة واحدة
قديم 19-07-07, 04:30 PM   #6
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*


الحصة السادسة

19/07/2007




حسن الظن بالله


وكاتكال بعضهم على قوله - صلى الله عليه وسلم - حاكيا عن ربه : {{ أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ماشاء }} ، يعني ما كان في ظنه فإني فاعله ، ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الاحسان ،فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ، ويقبل توبته .

وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه ، وهذا موجود فى الشاهد ، فإن العبد الآبق الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به ، ولا يجامع وحشة الاساءة إحسان الظن ابدا ، فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته ، وأحسن الناس ظنا بربه أطوعهم له ، كما قال الحسن البصري : (( إن المؤمن أحسن الظن بربه فاحسن العمل ، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل )) .

فكيف يكون يحسن الظن بربه من هو شارد عنه ، حال مرتحل في مساخطه وما يغضبه متعرض للعنته قد هان حقه وأمره عليه فأضاعه ، وهان نهيه عليه فارتكبه وأصر عليه ؟؟ وكيف يحسن الظن بربه من بارزه بالمحاربة ، وعادى أولياءه ووالى أعداءه وجحد صفات له ، و أساء الظن بما وصف به نفسه ووصفه به رسله - صلى الله عليه وسلم - وظن بجهله أن ظاهر ذلك ضلال وكفر وكيف يحسن الظن بمن يظن أنه لا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى ولا يرضى ولا يغضب ؟!!

وقد قال الله في حق من شك في تعلق سمعه ببعض الجزئيات ، وهو السر من القول : {{ وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أراداكم فأصبحتم من الخاسرين }} فصلت23. فهؤلاء لما ظنوا أن الله سبحانه لا يعلم كثيرا مما يعملون كان هذا اساءة لظنهم بربهم ، فأرداهم ذلك الظن ، وهذا شأن كل من جحد صفات كماله ونعوت جلاله ووصفه بما لا يليق به ، فإذا ظن هذا أنه يدخله الجنة كان هذا غرورا وخداعا من نفسه ، وتسويلا من الشيطان ، لا إحسان ظن بربه .

فتأمل هذا الموضوع ، وتأمل شدة الحاجة اليه ، وكيف يجتمع في قلب العبد تيقنه بأنه ملاقي الله وأن الله يسمع ويري مكانه ، ويعلم سره وعلانيته ، ولا يخفى عليه خافية من أمره ، وأنه موقوف بين يديه ، ومسئول عن كل ما عمل ، وهومقيم على مساخطه مضيع لأوامره معطل لحقوقه ، وهو مع هذا يحسن الظن به ، وهل هذا إلا من خداع النفوس ، وغرور الأماني ؟!!

وقد قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف : دخلت أنا وعروة بن الزبير على عائشة رضي الله عنها ، فقالت : لو رأيتما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرض له ، وكانت عنده ستة دنانير أو سبعة ، فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أفرقها ، فشغلني وجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى عافاه الله ، ثم سألني عنها ، فقال : {{ ما فعلت ؟ أكنت فرقت الستة الدنانير ؟ }} فقلت : لا والله ، لقد شغلني وجعك ، قالت : فدعا بها فوضعها في كفه ، فقال : {{ ما ظن نبي الله لو لقي الله وهذه عنده }} وفي لفظ : {{ ما ظن محمد بربه لو لقى الله وهذه عنده }}

فيالله ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله إذا لقوه ومظالم العباد عندهم ؟ فإن كان ينفعهم قولهم : حسنا ظنوننا بك إنك لن تعذب ظالما ولا فاسقا ، فليصنع العبد ما شاء ، وليرتكب كل ما نهاه الله عنه ، وليحسن ظنه بالله ، فإن النار لا تمسه ، فسبحان الله ؟! ما يبلغ الغرور بالعبد ، وقد قال ابراهيم لقومه : {{أإفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين }} الصافات 86-87 .أي : ما ظنكم به أن يفعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره .




حسن الظن هو حسن العمل :


ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه ، فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل ظنه بربه أن يجازيه على أعماله ويثيبه عليها ويتقلها منه ، فالذي حمله على العمل حسن الظن ، فكلما حسن ظنه بربه حسن عمله ، وإلا فحسن الظن مع ابتاع الهوى عجز ، كما في حديث الترمذي و’’المسند’’ من حديث شداد ابن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : {{ الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله }}

وبالجملة فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاة ، أما مع انعقاد أسباب الهلاك فلا يتأتى إحسان الظن .



الفرق بين حسن الظن والغرور :


فإن قيل بل يتأتى ذلك ، ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله ورحمته ، وعفوه ، وجوده ، وأن رحمته سبقت غضبه ، وأنه لا تنفعه العقوبة ولا يضره العفو . قيل الأمر هكذا ، والله فوق ذلك وأجل وأكرم وأجود وأرحم ، ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به ، فإنه سبحانه موصوف بالحكمة ، والعزة والانتقام ، وشدة البطش ، وعقوبة من يستحق العقوبة ، فلو كان مُعَوَّلُ حُسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر، والمؤمن والكافر ، ووليه وعدوه ، فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقد باء بسخطه وغضبه ، وتعرض للعنته ، ووقع في محارمه ، وانتهك حرماته ، بل حسن الظن ينفع من تاب وندم وأقلع ، وبدل السيئة بالحسنة ، واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة ، ثم أحسن الظن فهذا حسن ظن ، والأول غرور . والله المستعان .

ولا تستطل هذا الفصل ، فإن الحاجة إليه شديدة لكل أحد ففرق بين حسن الظن بالله وبين الغرور به قال الله تعالى : {{ إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله }} البقرة 218 .فجعل هؤلاء أهل الرجاء ، لا البطالين والفاسقين .

وقال تعالى : {{ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم }} النحل 110 ، فأخبر سبحانه أنه بعد هذه الأشياء غفور رحيم لمن فعلها .

فالعالم يضع الرجاء مواضعه ، والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه .


*
*



توقيع أمة الخبير
*
*
*


إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله

*
*
*


أمة الخبير غير متواجد حالياً