عرض مشاركة واحدة
قديم 05-01-12, 02:31 PM   #2
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي قرَّةُ عَيْنِ الأبَوَين في رِِعايَةِ و تَربيَّةِ البَنَاتِ و البَنِين2

بسم الله الرحمن الرحيم
قُرَّةُ عَيْنِ الأبَوَين
في رِِعايَةِ و تَربيَّةِ البَنَاتِ و البَنِين
( الجزء الثّاني )


الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين :
بعد الكلام المجمـل عن تربيّة الأولاد ورعايتهم ، و الذي سبق في الجزء الأوّل مِن مقال " قرّة عين الأبوين " ، ها أنا ذا ألتقي - مرّة أخـرى- بقرّاء منتدانا الكرام ، لبسْط القـول ، و تفصيل الكلام ، فيما يتعيّن علـى الوالدين أن يَعلموه و يُعلّموه أبناءهم ، و يُنشئوهم عليه ، فأقولُ - و بالله أستعين - :

أوّل ما يُعلَّم الصّبيّ العقيدة الصّحيحة :

على الآباء أن يغرسوا العقيدة الصّافية الخالصة في نفوس أبنائهم ، و يلقّنوهم كلمة التّوحيد مِن صغرهم , و يربّوهم على مراقبة الله و خوفه في السّرّ و العلانية ، و يُعْلموهم أنّه في السّماء ، و أنّه يسمع كلامهم ، ويرى مكانهم ، و يَعلم سرّهم و نجواهم ، إلى غير ذلك مِن أمور العقيدة الميسّرة ، التي تلائم سنّهم ، و تتناسب مع صغرهم ، و هذا ليتربّوا على معرفة الله و توحيده ، و حفظ حدوده ، فيلجأون إليه في الرّخاء و الشّدّة ، و يسألونه و يستعينون به ويتوكّلون عليه ، لأنّهم لُقِّنوا أنّه لا يملك لهم أحـدٌ - مِن الخلق- نفعاً و لا ضرّاً إلاّ بإذن الله ، و أنّ الله تعالى معهم ، ينصرهم و يؤيّدهـم ، و ييسّر لهم أمورهم ، ماداموا متمسّكين بشرع ربّهم - إخلاصاً و اتّباعاً - و يُستحسن تشويق الصّغار و تهيئتهم بلطف العبارة ، وتنبيههم إلى أهمّية ما يُلقى عليهم ، مع إشعارهم بسهوله حفظه وفهمه ووعيه ، ويكون ذلك بأسلوب مختصر ، و كلام جامـع و مُوجز و واضح ، ليكون أوقع في النّفس . و هذا الذي ركّز عليه لقمان الحكيم في موعظته لابنه ، إذْ بدأها بنهيه عن الشّرك - و هو أمرٌ بالتّوحيد - فقال : }يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ { [ لقمان : 13 ] . و هو ما تجلّى و ظهر في وصيّة رسول الله صلّى الله عليه و سلم لابن عمّه عبد الله بن عبّاس ، و هو فتًى ، إذْ قال - رضي الله عنهما - : " كنتُ خلف رسول الله صلّى الله عليه و سلم يوما ، فقال : " يا غلام ! إنّي أعلّمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك إذا سألتَ فاسأل الله ، و إذا استعنتَ فاستعن بالله ، و اعلم أنّ الأمّة لو اجتمعتْ على أنْ ينفعوك بشيء ، لم ينفعـوك إلاّ بشيء قد كتبه الله لك ، و لو اجتمعـوا على أنْ يضرّوك بشيء ، لم يضرّوك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك ، رُفعـت الأقلام ، و جفّت الصّحف "[1].
قال ابن قيّم الجوزيّة - رحمه الله- : " فإذا كان وقت نطقهم فليُلقَّنوا " لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله " ولْيَكن أوّل ما يقرع مسامعهم : معرفة الله - سبحانه - و توحيده ، و أنّه - سبحانه - فوق عرشه ، ينظر إليهم ، و يسمع كلامهم ، و هو معهم أينما كانوا "[2]
ولْيَكن تعليم الصّغار توحيد الله قبل أيّ علم آخر
، بل هو مقدّم على تعلّم كتاب الله تعالى ؛ فعن جُندُب بن عبد الله رضي الله عنه قال : " كنّا غلمانا حزاوِرة [3]مـع رسول الله صلّى الله عليه و سلم فيعلّمنا الإيمان قبل القرآن ، ثمّ يعلّمنا القرآن ، فازددنا به إيمانـا . و إنّكم - اليوم - تعلّمون القرآن قبل الإيمان "[4].
و هذا هو المنهج الذي سار عليه سلف هذه الأمّة ، إذْ كانوا يهتمّون بعقائد أبنائهم ، و يعلّمونهم توحيد الله منذ الصّغر ؛ فعن جعفر عن أبيه قال : " كان عليّ بن الحسين يعلّم ولده ، يقول : قل : آمنت بالله ، و كفرت بالطّاغوت " [5].
و كانوا يحذّرونهم مِن مخالطة أهل البدع و الأهواء
، لِما في ذلك من العواقب الوخيمة، و الآثار السّيّئة على عقائدهم ؛ قال سعيد بن جبير رحمه الله : " لأنْ يصحب ابني فاسقا شاطرا [6] سنّيّا ، أحبّ إليّ مِن أن يصحب عابدا مبتدعا "[7] .
وكانوا يختارون لهم المعلّم السّنيّ ، و المربّي الصّالح ، صاحب الاتّباع و الخُلق الحسن
، لينشأوا على إخلاص العبادة لله ، و متابعة رسوله صلّى الله عليه و سلم . و كانوا يحذّرون مِن وضعه في يد معلِّـم مبتدع ؛ لـ " أنّ هذا العلم دِين ، فانظروا عمّن تأخذون دينكم "[8]. فكمْ مِن انحراف في الخُلق ، و فساد في الاعتقـاد ، وقع فيه الصّبيّ بسبب معلّمه ؟! ؛ قال أبو إسحـاق الجُبْنَيانيّ : " لا تُعلّموا أولادكم إلاّ عند الرّجل الحسن الدّين ، فدِين الصّبيّ على دين معلّمه " [9].

تعليم الطّفل القرآن :

حثّ الإسلام على تعلُّم كتاب الله تعالى و تعليمه ؛
قال رسـول الله صلّى الله عليه و سلم: " خيركم مَن تعلّم القـرآن وعلّمه "[10].
و عن عمران بن يزيد : حدّثني عبد الله بن عيسى قال : " لا تزال هذه الأمّة بخير ، ما تعلّم وِلدانها القرآن "[11].
و هذا يشمل التّعليم اللّفظيّ - تلاوةً و حفظاً - و المعنويّ - تفسيراً و شرحاً - كما يشمل الوالد بتعليمه ولده ؛ فعن أبي عبد الرّحمن قال:"حدّثنا مَن كان يُقرئنا مِن أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه و سلم أنّهم كانوا يَقترِئون مِن رسول الله صلّى الله عليه و سلم عشر آيات ، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتّى يَعلموا ما في هذه مِن العلم و العمل ، قالوا : فعلِمنا العلم و العمل " [12].
فإنْ عجز الوالد عن تعليم ولده القرآن ، أو شُغل عن ذلك ، وكّل مَن يقوم به - و لو بأجرة - فإنْ ترَك ذلك لشحّ ، قَبُح فعله .
و قد رتّب الشّرع على هذا التّعليم ثواباً و أجـراً ، لاسيما تعليم الوالد ولده ؛ فقال رسـول الله صلّى الله عليه و سلم :" مَن قرأ القرآن و تعلّمه و عمل به ، أُلبس يوم القيامة تاجاً مِن نور، ضَوؤه مثل ضوء الشّمس ، و يُكسى والداه حلّتين ، لا يقوم بهمـا الدّنيا ، فيقولان : بمَ كُسِينا ؟ فيقال : بأخذ ولدكما القرآن "[13].

و بهذا التّعليم أوصى السّلف ؛ فعن عمرو بن قَيْس السَّكونيّ ، قال : سمعتُ عبد الله بن عمرو بن العاص يقول :" عليكم بالقرآن فتعلّموه ، و علّموه أبناءكم ، فإنّكم عنه تُسألون ، و به تُجزون ، و كفى به واعظا لمن عقل "[14].
و عن أبي الضُّحى قال : قال الضّحّاك بن قَيْس : " يا أيّها النّاس ! علّموا أولادكم و أهاليكم القرآن ، فإنّه مَن كتب الله عزّ و جلّ له مِن مسلم أنْ يدخل الجنّة إلاّ قيل له : اقرأ و ارتقِ في درج الجنّة ، حتّى ينتهي إلى علمه مِن القرآن "[15]
فكان مِن ذلك أنْ حَفظه صغارهم ، و استظهره فتيانهم ؛ فعن سعيد بن جبير قال : " إنّ الذي تدعونه المفصّل هو المحكم . قال : و قال ابن عبّاس : " توفّي رسول الله صلّى الله عليه و سلم و أنا ابن عشر سنين ، و قد قرأتُ المحكم "[16].
و عن ابن أبي مُلَيْكة قال : " سمعتُ ابن عبّاس - رضي الله عنهما - يقـول : " سَلوني عن سورة النّساء ، فإنّي قـرأتُ القرآن و أنا صغير "[17].

بل كان مِن أولئك الصّغار مَن يؤمّ الكبار - و هو ابن ستّ أو سبع سنين- لحفظه ، و هو عمرو بن سلمـة- رضي الله عنهما [18].

تعليم الطّفل العلم الشّرعيّ :

بعد أن يغرس الوالد في ابنه العقيدة الصّحيحة ، و يعلّمه القرآن ، ينتقل إلى تعليمه أركان الإسلام ، وما ينفعه مِن العلوم الشّرعيّة ، التي تقوده إلى العمل الصّالح ، فيتعلّم الطّفل أحكام الصّلاة و الصّيام و الحجّ و نحوها .
و لمّا كان للعلم الشّرعي أهميّة كبرى ، و مكانة رفيعة ، كافأ رسول الله صلّى الله عليه و سلم مَن خدمه بأنْ دعا الله له أن يفقّهه في الدّين ؛ فعن عبد الله بن عبّاس - رضي الله عنهما - : " أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلم دخل الخلاء ، فوضعتُ له وَضوءا ، قال : " مَـن وضع هذا ؟ " فأُخبِر ، فقال : " اللّهمّ فقِّهه في الدِّين " [19]
و على المعلّم أن يتدرّج مع الطّفل في تعليمـه ، و لا يُكثر عليه حتّى لا يملّ فيكلّ ؛ قال الشّافعيّ - رحمه الله- و هـو يُوصي أبا عبد الصّمد - مؤدِّب أولاد هارون الرّشيد - : " ... و لا تخرجنّهم مِن علم إلى غيره حتّى يُحكمـوه ، فإنّ ازدحام الكلام في السّمع مَضلّة للفهم " [20].
و إذا أحسن المؤدّب تعليم الطّفل صغيرا ، حفظ العلم كبيرا ؛ قال مِسكين بن بَكْر : " مرّ رجل بالأعمش و هو يحدّث ، فقال له : تحدّث هؤلاء الصّبيان ؟! فقال الأعمش : هؤلاء الصّبيان يحفظون عليك دينك "[21].
وعن عبد الله بن عُبيد بن عُمير قال : " كان في هذا المكان - خَلْف الكعبة- حلْقة ، فمرّ عمرو بن العاص رضي الله عنهيطوف ، فلمّا قضى طوافه جاء إلى الحلْقـة ، فقال : " مالي أراكم نحّيتم هؤلاء الغلمان عن مجلسكـم ؟ لا تفعلوا ، أوْسِعوا لهم ، و أدْنوهم ، و أفْهموهم الحديث ، فإنّهم اليوم صغار قوم ، و يوشكوا أنْ يكونوا كبار آخرين ، قد كنّا صغار قـوم ، ثمّ أصبحنا كبار آخرين "[22].
قال ابن مُفلح - معلّقا على كلام ابن العاص رضي الله عنه السّابق- : " و هذا صحيح لا شكّ فيه ، و العلم في الصّغـر أثبت ، فينبغي الاعتناء بصغار الطّلبة ، لا سيما الأذكياء المتيقّظين الحريصين على أخذ العلم ، فلا ينبغي أنْ يجعل - على ذلك - صغرهم ، أو فقرهم و ضعفهم ، مانعا مِن مراعاتهم ، و الاعتناء بهم " [23] .
و أمّا إذا أهمل الوالد تعليم ولده ما يجب عليه معرفته ، فهو عاصٍ ، لتفريطه في الواجب ؛ قال ابن قيّم الجوزيّة - رحمه الله - : " وسمعتُ شيخنا - رحمه الله- يقول : تنازع أبوانِ صبيّا عند بعض الحكّام ، فخيّره بينهما ، فاختار أباه ، فقالت له أمّه : سلْه لأيّ شيء يختار أباه ؟ فسأله ، فقال : أمّي تبعثني كلّ يوم للكُتّاب ، و الفقيه يضربني ، و أبي يتركني للّعب مع الصّبيان ، فقضى به للأمّ ، قال : أنتِ أحقّ به . قال شيخنا : و إذا تَرك أحدُ الأبوين تعليم الصّبيّ ، و أمْـره الذي أوجبه الله عليه ، فهو عاصٍ ، و لا وِلاية له عليه ، بل كلُّ مَن لم يقم بالواجب في وِلايته فلا وِلاية له ، بل إمّا أنْ تُرفـع يدُه عن الوِلاية ، و يُقام مَن يفعل الواجب ، و إمّا أن يُضمّ إليه مَن يقومُ معه بالواجب ، إذْ المقصودُ طاعةُ الله ورسولـه بحسب الإِمكان " [24].


أمْر الصّبيّ بالصّلاة :

على وليّ الطّفل أنْ يأمره بالصّلاة ، و يُعوّده عليها ، و هو مِن حقّ الولد على أبيه ؛ قال - جلّ شأنه- : ]وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [[ طه : 132 ] و هذا هو شأن المرسلين مع أهليهم ؛ قال الله تعالى - عن نبيّه إسماعيل عليه السلام - : ]وَ كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصّلاَةِ وَ الزّكَـاةِ وَ كَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيّاً [[ مريم : 55 ] . و هو دأب الصّالحين مع أبنائهم ، فهذا لُقمان الحكيم يخاطب ابنه - وهو يعظه - قائلا : ]يَبُنَيّ أَقِمِ الصّلاَةَ [[ لقمان : 17 ] . و قد دعا خليل الله إبراهيم عليه السلام ربّه - سبحانه - فقال :]رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي [[ إبراهيم : 40 ] .
و قد أمر النّبيّ صلّى الله عليه و سلم أولياء أمور الصّغار بأن يعوّدوهم على الصّلاة في سنّ مبكّرة ، فهي أعظم رُكن مِن أركان الإسلام بعد الشّهادتين ؛
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلم : " مُروا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع سنين ، و اضربوهم عليها و هم أبناء عشر ، و فرّقوا بينهم في المضاجع "[25].
قال ابن حجر-رحمه الله- :" فإنّ الأولاد ليسوا بمكلّفين ، فلا يتّجه عليهم الوجوب ، وإنّما الطّلب مُتوجِّه على أوليائهم أنْ يُعلّموهم ذلك ، فهو مطلوب مِن الأولاد بهذه الطّريق " [26].
لقد نبّه النّبيّ صلّى الله عليه و سلم - في هذا الحديث - على أمرين مهمّين ، في تربيّة الأولاد :
أوّلهما :
غرس الصّلاة في الأولاد وهم صغار ، ليتعوّدوها كبارا ، ويتمرّنوا عليها ، ويستأنسوا بها ؛ وكون الغلام يُضرب عليها قبل البلوغ : دليل على إغلاظ العقوبة عليه إذا تركها متعمّدا بعد البلوغ .
الثّاني :
غرس الفضيلة و العفّة فيهم ، ليبتعدوا عن الرّذائل ، و يجتنبوا الفواحش ؛ فعن عبد الله بن محمّد بن عبد الحميد قال : حدّثنا بَكْر بن محمّد قال : " سئل أبو عبد الله : في كم يُؤمر الصّبيّ بالصّلاة ؟ فذكر الجواب ، قال : ويُفرَّق بينهم في المضاجع لعشر، الغلام عن الغلام، و الجارية عن الجارية ، قال : لأنّه يهيج لعشر " [27] . هذا في الجنس الواحد ،
فكيف إذا كان بين الجنسين - الذّكور و الإناث - ؟لا شكّ أنّه أولى و أحرى .
قال عطيّة سالم - رحمه الله- : " و قد وصّى صلّى الله عليه و سلم بتربية النّشء في البداية ، و قبل البلوغ عليها ، فقال : ( وذكر الحديث السّابق ثمّ قال ) : فيُعوّد الصّبيّ على الصّلاة ، مِن السّابعة إلى العاشرة ، ثلاث سنوات ، بالتّرغيب وبالتّرهيب ، وبإعطاء الحلوى و الهدايا ، و صُحْبته إلى المسجد ، ثلاث سنوات ، فإذا بلغ العاشرة ، فإنْ كان خيِّرا طيِّبا نقِيّا ، كان ذلك كافيا له في أن يرتاد المسجد وحده ، و إلاّ ضُرب ضَرْب تأديب ، لا ضرْب تشفٍّ ، فإذا رُوّض مِن السّابعة إلى العاشـرة ، ثمّ أُلزم و ضُرب مِن العاشرة إلى الخامسة عشرة ، فلا يجري القلم عليه إلاّ و قد أصبحت الصّلاة جزءاً مِن دمه و لحمـه . و ما جنى إنسان على ولده أكثر مِن ترك تعليمه الصّلاة . فعلى العبد أنْ يفعل ما في وُسعه ، والتّوفيق و الهدايـة مِن الله - سبحانه و تعالى - " [28].
قال النّووي - رحمه الله- : " قال الشّافعي في " المختصر " : " و على الآباء و الأمّهات أن يُؤدّبوا أولادهم ، و يُعلّموهم الطّهـارة و الصّلاة ، و يضربوهم على ذلك إذا عقِلوا "، قال أصحابنا : و يأمـره الوليّ بحضور الصّلوات في الجماعة و بالسّواك ، و سائر الوظائف الدّينيّة ، و يُعرّفه تحريم الزّنا و اللّواط و الخمر و الكذب و الغيبة و شبهها " [29].
كما أنّ على وليّ الطّفل أن يتعهّده و يسأل عنه : هل أدّى صلاته أم ضيّعها ؟ فإنْ كانت الأولى ، شجّعه ليَمضي قُدُما ، و إنْ كانت الأخرى ، ذكّره و حذّره و خوّفه ،كي لا يتعوّد تركها ، ولا يتهاون فيهـا ؛ فعن سعيد بن جبير عن ابـن عبّاس - رضي الله عنهما - قال : " بِتّ عند خالتي مَيمونة ، فجاء رسول الله صلّى الله عليه و سلم بعدما أمسى فقال : " أصلّى الغلام ؟" قالوا : نعم ، فاضطجع حتّى إذا مضى مِن اللّيل ما شاء الله ، قـام فتوضّأ ، ثمّ صلّى سبعا أو خمسا ، أوْتر بهنّ ، لم يسلّم إلاّ في آخرهن " [30]. فأوّل شيء بدأ به النّبيّ صلّى الله عليه و سلم - بعد دخوله البيت- هو أنْ سأل أهله قائلا : " أصلّى الغـلام ؟ "و في ذلك بيان لما أشرنا إليه .
و إذا علِم وليّ أمْر المسلمين بتهاون بعض الآباء في أداء هذا الواجب الشّرعي ، عاقبهم على ذلك كي لا يعودوا إلى مثله قال شيخ الإسلام ابن تيميّة - رحمه الله - : " ... بل تارك الصّلاة شرّ مِـن السّارق و الزّاني و شارب الخمر و آكـل الحشيشة ، و يجب على كلّ مُطاع أنْ يأمر مَن يُطيعه بالصّلاة ، حتّى الصّغار الذين لم يبلغوا ، قال النّبيّ صلّى الله عليه و سلم : " مُروهـم بالصّلاة لسبع ، و اضربوهم عليها لعشر ، و فرّقوا بينهم في المضاجع ".و مَن كان عنده صغير مملوك ، أو يتيم أوْ وَلد ، فلم يأمره بالصّلاة ، فإنّه يُعاقب الكبير إذا لم يأمـر الصّغير ، و يُعزّر الكبير على ذلك تعزيـرا بليغا ؛ لأنّه عصـى الله و رسوله "[31].
و لقد كان السّلف يحرصون على أمْر صغارهم بالصّلاة ، و يعاقبونهم على التّفريط فيها و إضاعتها ، و يؤدّبونهم علـى التّهاون فيها أو تأخيرها عن وقتها ، أو تفويتها عن الجماعة ؛ فعن سعيد بن عُفَير : حدّثني يعقوب عن أبيه أنّ عبد العزيز ابن مروان بعث ابنه عمر بن عبد العزيز إلى المدينة يتأدّب بهـا ، فكتب إلى صالح بن كَيْسان يتعاهـده ، فكان يلزمـه الصّلوات ، فأبطأ يوما عن الصّلاة ، فقال : ما حبسك ؟ قال : كانت مُرجّلتي تسكّن شعري ، فقـال : بلغ منك حبّك تسكين شعرك أن تُؤثره على الصّـلاة ؟! فكتب إلى عبد العزيز يذكر ذلك ، فبعث إليه عبد العزيز رسولا ، فلم يُكلّمه حتّى حلق شعره "[32].
و لا يَكتفي الوالد بأمْر صغيره بالصّلاة فحسب ، بل عليه أن يبيّن له أحكامها وكيفيتها ، و يُعلّمه كيف يتوضّأ ، وكيف يُصلّي كما كان رسول الله صلّى الله عليه و سلم يصلّي ، و لعلّ أحسن طريقة للوصول إلى تحقيق هذا التّعليم ، هـو أنْ يقوم الوالد نفسه فيصلّي أمام ولده ، فيتعلّمها الصّغير- قولا و فعلا - . و عليه أن يعوّده على أدائها بشروطها و أركانها وواجباتها ؛ قال ابن رجب الحنبلي : " ... و أمّا أنّ الصّبيّ ممنوعٌ مِن الصّلاة بدون الطّهارة ، فمتّفقٌ عليه " [33].
وللوالد أنْ يُؤدّب ولده ، متى رأى منه إعراضا عن صلاته ، وله أن يضربه على تركها ضرب تأديب ، لا ضرب تعذيب هذا إنْ كان يعقل ، وإلاّ فلا ؛ قال ابن مُفلح : " قال إسماعيل بن سعيد : سألتُ أحمد عمّا يجوز فيه ضرب الولد ؟ قال : الولد يُضرب على الأدب . قال : و سألتُ أحمد : هل يُضرب الصّبيّ على الصّلاة ؟ قال : إذا بلغ عشرا . وقال حنبل : إنّ أبا عبد الله قال : اليتيم يؤدَّب و يُضرب ضربا خفيفا . و قال الأثرم : سُئل أبو عبد الله عن ضرب المعلّم الصّبيان ؟ فقال : على قدْر ذنوبهم ، و يتوقّى بجهده الضّرب ، و إنْ كان صغيرا لا يعقل ، فلا يضربه "[34].




توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..



التعديل الأخير تم بواسطة رقية مبارك بوداني ; 05-01-12 الساعة 02:33 PM
رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس