عرض مشاركة واحدة
قديم 02-09-06, 12:10 PM   #4
أمةالله
أم مالك المصرية
افتراضي الجزء الرابع من المحاضرة...

من أسباب الانقطاع: وهذا أيضا لاحظناه أن يكون المرء يطلب شيئا كبيرا فعنده همة في أول الطلب، هذه الهمة تكسّر الجبال، ماذا تريد؟ أنا أريد أحفظ الكتب الستة، أو يقول مثلا: الواسطية هذه مختصرة أنا أريد أحفظ التدمرية. أو يقول: ما أريد أحفظ بلوغ المرام بلوغ المرام هذا خفيف أريد أحفظ منتقى الأخبار فيه ستة آلاف حديث أو نحو ذلك، ما أريد أحفظ زاد المستقنع هذا مختصر أريد أحفظ مثلا الإجماع والخلاف الذي في المغني. مرض، هذه الأشياء التي ذكرتها مرّ عليها بعض الشباب ممن هم على هذه الشاكلة، صحيح أول الأمر عنده هذه الهمة العظيمة ويشكر عليها؛ لكن هذه الهمة لا تستمر، وما عرف عن أحد إلا نوادر أن تستمر معهم هذه الهمة.
فإذن وسائل الانقطاع عن الطلب أن تحمل نفسك في فترة الهمة والقوة ما لا تحتمله في تلك الفَترة، ولكل عمل شرة كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح قال: «إنّ لكل عمل شِرّة وإنّ لكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح وأنجح ومن كانت فترته إلى معصية فقد خاب وخسر» لكل عمل شرة حتى الإقبال على العلم له شِرّة –عنفوان- كأنّه سيقرأ مائة مجلد وسيحفظ ويعمل؛ ولكن لهذه الشرة فترة لابدّ (إنّ لكل عمل شرة -الشرة العنفوان والقوّة- ولكل شرة فترة) حتى في العبادات يجد من نفسه نشاط وإقبال تجده صاحب إقبال على العبادة وكثرة طاعات وإقبال على التلاوة، ويجد أحيانا من نفسه كسل، إذن الفترة هذه لابد منها، لكن المهم لا تكن فترة إلى نكوص، فإذا كان فترة وكل واحد منا على أدنى ما ينبغي فالحمد لله، (لكل عمل شرة) ما الذي ينبغي؟ أنه إذا أقبلت ووجدت من نفسك الشرة خذ بما يطاق، لا تأخذ بشيء لا تحتمله في الفترة، يعني مثلا إذا وجدت إقبالا احفظ القرآن، احفظ مثلا من متون الأحاديث الأربعين النووية في شرة في فترة قوة أحفظه، مثلا بلوغ المرام عمدة الأحكام بحسب ما يتيسر لك، وجدت عندك قوة احفظ كتاب التوحيد، احفظ مثلا الواسطية ونحو ذلك.
هذه إذا حصلتها في فترات الشرة في فترات القوة فأنت على خير عظيم، والواقع أن الذين وجدوا من أنفسهم الشرة هذه والقوة والعنفوان ما استطاعوا أن يكملوا هذه الكتب إلا نوادر، حتى هذه الكتب التي عند بعض الناس إنها مختصرة ما استطاعوا أن يكملوها، لهذا عليكم من العمل ما تطيقون.

من أسباب الانقطاع: أنّك تطلب شيئا بعيدا، تطلب أشياء العلماء إلى الآن ما حصلوها إلا نوادر في الأمة حصلت ذلك، فإذا وجدت هذا من نفسك فلتكن قوتك فيما تطيق وما ينفعك، وإذا تحركت رياحك فاغتنمها كما قال الشاعر:

[poem=font="Simplified Arabic,5,,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
إذا هبت رياحك فاغتنمها = إنّ لكلّ عاصفة سكون[/poem]

الحديث: «إنّ لكل عمل شِرّة وإنّ لكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح وأنجح -هنا عدة ألفاظ في آخره- ومن كانت فترته إلى معصية –أول قال: إلى بدعة. (لفظان)-فقد خاب وخسر».

من أسباب الانقطاع: عن العلم أنّ المرء لا يطالع ولا يبحث، مثلا من بعض طلبة العلم يأخذ بالوصية المعروفة بالتدرج في العلم وأن يمشي شيئا فشيئا؛ لكن لا يبحث ولا يطالع يعني في غير موضوعه، مثلا تقول لطالب العلم أولا تمشي مع الواسطية وشروح كتاب التوحيد والفقه في الزاد وشروحه إلى آخره في العلوم؛ لكن لا يكون عنده مطالعات، فيجد أنّ هذه المتون فيها شيء من الثقل ما فيها إفراح للنفس؛ تنويع للنفس، والنفس تحتاج إلى تنويع وتقليب، فإذا لم يكن عنده مطالعات مثلا في التراجم، مطالعات في التاريخ، مطالعات في الأخبار، في اللغة، ما كان عنده بحث كان إذا مرّت عليه مسألة، هذه المسألة يجمع الأقوال فيها هذه آية ما كلام المفسرين فيها، إذا ما كان عنده مطالعة متنوعة ولا بحث فتجد أنه يخمد بعد فترة.
فإذن يحتاج طالب العلم مع التدرج إلى أن يكون له إلمام كيف يبحث؟ يبحث ويكتب ويطلع معلمه أو يطلع المشايخ على ما كتب، حتى ينمون عنده هذه الموهبة، ولقد قال النووي في مقدمات المجموع أو في غيرها انه من أسباب ثبات العلم وتحقيقه أن يكتب المرء ما بحثه وما حققه، يبحث وينظر ويكتب، لا يكتب للتصنيف مثل ما هو موجود الآن، صغار مثلا ما حققوا العلم تجد أنهم ألفوا كتبا ونشروها، بعض الرسائل الصغيرة التي رأيتها رسالة من أولها إلى آخرها فيها حوالي خمسة وعشرين صفحة مثلا وفيها أظن حوالي ثمانية عشر خطأ نَحويا؛ فيها ثمانية عشر خطأ في اللغة، وهي خمس وعشرين صفحة، هذا مثل ما قال ابن حزم في رسالته –عظيمة- التلخيص في وجوه التخليص: كيف يكون مأمونا على العلم من لا يحسن اللغة. كيف يؤمن على العلم؟ كيف نأمنه على فهم الكتاب والسنة؟ وعلى ما نقله لنا من كلام أهل العلم قد فهمه جيدا؟ إذا كان ما أحسن كتابة عشرين صفحة بدون أخطاء، فكيف يكون مأمونا على كلام العلماء الذين ينقل عنهم؟

إذن فانتبه إلى هذه إنه القصد من الكتابة التي أقول لك هو البحث ليس هو النشر، لا، بل تبحث مسألة تجعلها في نفسك فكم من مسألة كتبنا فيها وهي مطمورة إذا رأيتها عَجَب لكن في فترة ما كتبناها في فترة أوائل الطلب الواحد فرح بها جدا، فرح أنه كتب وحقق، لكن لو تنظرها الآن خلاص، وقد حصل لي في فترة من الفترات أن جمعتُ الأصول اللغوية لعلوم الحديث، وكان أحد الذين كتبوا في المصطلح يتمنى أن تجمع الأصول اللغوية لعلوم الحديث مثلا حديث الصحيح ما معنى الصحيح في اللغة؟ ولماذا اختار أهل الحديث هذا الاسم؟ الحسن لماذا؟ المضطرب المدبج المنقطع المقطوع المرسل المدلس الضعيف لماذا اختارو؟ من فترات –مثل ما يقال- الشباب أن جمعت هذا من كتب اللغة في بحث استمرّ مدّة طويلة هذه الأقوال، فأخذتها وقرأتها على الشيخ الأستاذ أديب العربية محمود شاكر المعروف تعرفونه كان في الرياض مكث فترة، قرأت فيها عليه بعض كتب اللغة، وأنا فرحت بهذا الذي كتبت وهو دقيق ينظر فيه ويعني فيه عجب فقلت: يا شيخ أنا عندي كتابات في اللغة لعلك نعطيك فترة فلما قرأ ما قرأ –هي ليس فيها أخطاء- قلت: يا شيخ إيش رأيك؟ قال: -ماش أنا كنت أبغاه يمدح هذا عمل جيد، قال: هذا عبث شباب. هي كلمة قاسية لفرح، لكنها نافعة؛ لكنها كانت خطوة في البناء اللغوي مثلا في طلب العلم، نعم، لكن نشرها لم يكن مناسبا مثل ما قال هذا عبث شباب، عبث شباب هذا صحيح شاب فرح وجمع إلى أن حصل على الشيء وكتبه.
فالمقصود البحث ينمي عندك القوة العلمية ويجعلك مواصلا في الإطلاع على الكتب وفي النظر، لكن لا تنشر ولا تستعجل، خلها عندك؛ لأنها جزء من بناءك العلمي.
فإذن كيف تمتع الانقطاع لمن كان متدرجا في طلب العلم برعاية المتون يكون بهذا الأمر وهو أنك تبحث وتكتب وتُري المعلمين ما كتبت حتى يصحّحوا لك المسار تكون كتاباتك نقية ومتزنة، ولكن لا تستعجل بشيء فإنما هي لغرضين:
لاستمرارك في العلم وعدم الانقطاع.
ثم لتكوين الملكة العلمية المناسبة.

هذه كلمات اقتضاها عدم مجيء أكثر الإخوة في هذا الدرس، ولعل أن يكون فيها بعض النفع، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.



توقيع أمةالله

أمةالله غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس