عرض مشاركة واحدة
قديم 01-08-12, 02:18 PM   #4
حياة بنت عبد السلام
~مستجدة~
 
تاريخ التسجيل: 24-12-2011
المشاركات: 12
حياة بنت عبد السلام is on a distinguished road
افتراضي

الرابع:


باب الترهيب من مساوىء الأخلاق


وعن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "الظُّلْمُ ظُلُماتٌ يوْمَ القيامة" متفق عليه.

الحديث من أدلة تحريم الظلم
وهو يشمل جميع أنواعه،
سواء كان في نفس أو مال أو عرض، في حق مؤمن أو كافر أو فاسق.
والإخبار عنه بأنه ظلمات يوم القيامة فيه ثلاثة أقوال:
قيل: هو على ظاهره فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلاً حيث يسعى نور المؤمنين يوم القيامة بين أيديهم وبأيمانهم،
وقيل: إنه أريد بالظلمات الشدائد وبه فسر قوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} ( الانعام 63 ) أي من شدائدها،

وقيل: إنه كناية عن النكال والعقوبات.


---------------

ـــ وعن محمود بنِ لَبِيد رَضِيَ الله عَنْهُ قال: قال رَسُولُ اللَّه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم:" إنَّ أخوَفَ ما أخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّركَ الأصْغِرُ: الرِّيَاءُ". أخرجه أحمد بإسناد حسن.
وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه هو محمود بن لبيد الأنصاري الأشهلي ولد على عهد رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وحدث عنه أحاديث، قال البخاري: له صحبة، وقال أبو حاتم: لا تعرف له صحبة، وذكره مسلم في التابعين،

قال ابن عبد البر: الصواب قول البخاري وهو أحد العلماء مات سنة ست وتسعين، قال, قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر كأنه قيل: ما هو؟ فقال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: الرياء. أخرجه أحمد بإسناد حسن

الرياء : مصدر راءي
فاعل ومصدره يأتي على بناء مفاعلة وفعال وهو مهموز العين لأنه من الرؤية ويجوز تخفيفها بقلبها ياء

وحقيقته لغة أن يرى غيره خلاف ما هو عليه وشرعاً أن يفعل الطاعة ويترك المعصية مع ملاحظة غير الله أو يخبر بها أو يجب أن يطلع عليها لمقصد دنيوي من مال أو نحوه.

وقد ذمه الله في كتابه وجعله من صفات المنافقين في قوله: {يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً} [النساء: 142]،
وقال: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} ،
وقال: {فويل للمصلين} ـ إلى قوله ـ [اي[ {الذين هم يراءون} [الماعون: 5 , 6 ) ،
وورد فيه من الأحاديث الكثيرة الطيبة الدالة على عظمة عقاب المرائي فإنه في الحقيقة عابد لغير الله،
وفي الحديث القدسي:"يقول الله تعالى: من عمل عملاً أشرك فيه غيري فهو له كله وأنا عنه بريء وأنا أغنى الأغنياء عن الشرك".
واعلم أن الرياء يكون بالبدن وذلك بإظهار النحول والاصفرار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد والحزن على أمر الدين وخوف الآخرة،
وليدل بالنحول على قلة الأكل وبتشعث الشعر ودرن الثوب يوهم أن همه بالدين ألهاه عن ذلك

وأنواع هذا واسعة وهو ليرى انه من اهل الدين ويكون في القول بالوعظ في المواقف ويذكر حكايات الصالحين ليدل على عنايته بأخبار السلف وتبحره في العلم ويتأسف على مقارفة الناس للمعاصي والتأوه من ذلك والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحضرة الناس
والرياء بالقول لا تنحصر أبوابه، وقد تكون المراءاة بالأصحاب والأتباع والتلاميذ فيقال: فلان متبوع قدوة

والرياء باب واسع إذا عرفت ذلك فبعض أبواب الرياء أعظم من بعض لاختلافه باختلاف أركانه،
وهي ثلاثة المراءى به -- والمراءى لأجله -- ونفس قصد الرياء
فقصد الرياء لا يخلو من أن يكون مجرداً عن قصد الثواب أو مصحوباً بإرادته، والمصحوب بإرادة الثواب لا يخلو عن أن تكون إرادة الثواب أرجح أو أضعف أو مساوية فكانت أربع صور،
الأولى
أن لا يكون قصد الثواب بل فعل الصلاة مثلاً ليراه غيره، وإذا انفرد لا يفعلها وأخرج الصدقة لئلا يقال: إنه بخيل، وهذا أغلظ أنواع الرياء وأخبثها وهو عبادة للعباد،
الثانية
قصد الثواب لكن قصداً ضعيفاً بحيث إنه لا يحمله على الفعل إلا مراءاة العباد ولكنه قصد الثواب فهذا كالذي قبله،
الثالثة
تساوي القصدان بحيث لم يبعثه على الفعل إلا مجموعهما ولو خلى عن كل واحد منهما لم يفعله فهذا تساوي صلاح قصده وفساده فلعله يخرج رأساً برأس لا له ولا عليه،
الرابعة
أن يكون إطلاع الناس مرجحاً أو مقوياً لنشاطه ولو لم يكن لما ترك العبادة. قال الغزالي: والذي نظنه والعلم عند الله أنه لا يحبط أصل الثواب ولكنه ينقص ويعاقب على مقدار قصد الرياء ويثاب على مقدار قصد الثواب، وحديث "أنا أغنى الأغنياء عن الشرك" محمول على ما إذا تساوى القصدان أو أن قصد الرياء أرجح،



وأما المراءى به وهو الطاعات فيقسم إلى الرياء بأصول العبادات وإلى الرياء بأوصافها وهو ثلاث درجات:
الرياء بالإيمان
وهو إظهار كلمة الشهادة وباطنه مكذب فهو مخلد في النار في الدرك الأسفل منها وفي هؤلاء أنزل الله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله} ( المنافقون 1 ) وقريب منهم الباطنية الذين يظهرون الموافقة في الاعتقاد ويبطنون خلافه، ومنهم الرافضة أهل التقية الذين يظهرون لكل فريق أنهم منهم تقية.
والرياء بالعبادات كما قدّمناه
وهذا إذا كان الرياء في أصل المقصد وأما إذا عرض الرياء بعد الفراغ من فعل العبادة لم يؤثر فيه إلا إذا ظهر العمل للغير وتحدث به. وقد أخرج الديلمي مرفوعاً "إن الرجل ليعمل عملاً سراً فيكتبه الله عنده سراً فلا يزال به الشيطان حتى يتكلم به فيمحى من السر ويكتب علانية فإن عاد تكلم الثانية محى من السر والعلانية وكتب رياء".

وأما إذا قارن باعث الرياء باعث العبادة ثم ندم في أثناء العبادة فأوجب البعض من العلماء الاستئناف لعدم انعقادها.
وقال بعضهم: يلغو جميع ما فعله إلا التحريم،
وقال بعض: يصح لأن النظر إلى الخواتم كما لو ابتدأ بالإخلاص وصحبه الرياء من بعده،
قال الغزالي: والقولان الآخران خارجان عن قياس الفقه.

وقد أخرج الواحدي في أسباب النزول جواب جندب بن زهير لما قال للنبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم إني أعمل العمل لله وإذا اطلع عليه سرني فقال صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "لا شريك لله في عبادته" وفي رواية "إن الله لا يقبل ما شورك فيه" رواه ابن عباس، وروي عن مجاهد أنه جاء رجل إلى النبي صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم فقال: إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله فيذكر ذلك مني فيسرني وأعجب به. فلم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم له شيئاً حتى نزلت الآية يعني قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً}. الكهف 110 )

ففي الحديث دلالة على أن السرور بالاطلاع على العمل رياء، ولكنه يعارضه ما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة وقال: حديث غريب قال: قلت: يا رسول الله بينا أنا في بيتي في صلاتي إذ دخل عليّ رجل فأعجبني الحال التي رآني عليها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لك أجران"؛ وفي الكشاف من حديث جندب أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال له: "لك أجران أجر السر وأجر العلانية" وقد يرجح هذا الظاهر قوله تعالى: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول} ( التوبه 99 ) فدل على أن محبة الثناء من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لا تنافي الإخلاص ولا تعدّ من الرياء.

ويتأول الحديث الأول بأن المراد بقوله: "إذا اطلع عليه سرني" لمحبته للثناء عليه، فيكون الرياء في محبته للثناء على العمل وإن لم يخرج العمل عن كونه خالصاً، وحديث أبي هريرة ليس فيه تعرّض لمحبة الثناء من المطلع عليه. وإنما هو مجرد محبة لما يصدر عنه وعلم به غيره.
ويحتمل أن يراد بقوله فيعجبه أي يعجبه شهادة الناس له بالعمل الصالح لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنتم شهداء الله في الأرض" وقال الغزالي: أما مجرّد السرور باطلاع الناس إذا لم يبلغ أمره بحيث يؤثر في العمل فبعيد أن يفسد العبادة.


-------------


وعَنْهُ رضي اللّهُ عنهُ أَنَّ رجلاً قالَ: يا رسولَ اللّهِ أَوْصِيني، قال: "لا تغضب" فردَّدَ مراراً قالَ: "لا تَغْضبْ" أَخرجه الْبُخَاريُّ.
(وعنه رضي الله عنه) أي أبي هريرة (أن رجلاً قال: يا رسول الله أوصني. قال: "لا تغضب" فردّد مراراً قال: "لا تغضب" أخرجه البخاري).
جاء في رواية أحمد تفسيره بأنه جارية ــــ بالجيم ــــ ابن قدامة، وجاء في حديث أنه سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت: يا رسول الله قل لي قولاً أنتفع به وأقلل. قال: "لا تغضب ولك الجنة" وورد عن آخرين من الصحابة مثل ذلك.
والحديث نهى عن الغضب
وهو كما قال الخطابي: نهى عن اجتناب أسباب الغضب وعدم التعرض لما يجلبه،
وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه لأنه أمر جبلي.
وقال غيره: وقع النهي عما كان من قبيل ما يكتسب فيدفعه بالرياضة،
وقيل: هو نهي عما ينشأ عنه الغضب وهو الكبر، لكونه يقع عند مخالفة أمر يريده فيحمله الكبر على الغضب، والذي يتواضع حتى تذهب عنه عزة النفس يسلم من شر الغضب.
وقيل: معناه لا تفعل ما يأمرك به الغضب.
قيل: إنما اقتصر صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على هذه اللفظة لأن السائل كان غضوباً.
وكان صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يفتي كل أحد بما هو أولى به،

قال ابن التين: جمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: "لا تغضب" خيري الدنيا والآخرة، لأن الغضب يؤول إلى التقاطع، ومنع الرفق، ويؤول إلى أن يؤذي الذي غضب عليه بما لا يجوز، فيكون نقصاً في دينه انتهى.

ويحتمل أن يكون من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى لأن الغضب ينشأ عن النفس والشيطان فمن جاهدهما حتى يغلبهما مع ما في ذلك من شدّة المعالجة كان أملك لقهر نفسه عن غير ذلك بالأولى. وتقدّم كلام يتعلق بالغضب وعلاجه.



-------------


وعن أَبي هريرة رضي الله عنهُ أنَّ رسول اللّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: "أَتَدْرونَ ما الغِيبَةُ؟" قالوا: الله ورسولهُ أَعْلمُ، قال: "ذكرُك أخاك بما يكْرهُ" قيلَ: أَفرأَيْت إنْ كان في أَخي ما أقولُ؟ قال: "إنْ كانَ فيه ما تقولُ فقد اغْتبتهُ، وإنْ لم يكن فيه فقد بهتّهُ" أَخرجَهُ مُسْلمٌ.
(وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "أتدرون ما الغيبةُ؟") بكسر الغين المعجمة (قالوا: الله ورسوله أعلم قال: "ذكرُك أَخاكَ بما يكرهُ" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لمْ يكُنْ فيه فقدْ بهتّهُ") بفتح الموحدة وفتح الهاء من البهتان (أخرجه مسْلمٌ).
الحديث كأنه سيق لتفسير الغيبة المذكورة في قوله تعالى: {ولا يغتب بعضكم بعضاً} ( الحجرات 12 )
ودل الحديث على حقيقة الغيبة، قال في النهاية: هي أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء وإن كان فيه.

قال النووي في الأذكار تبعاً للغزالي: ذكر المرء بما يكره سواء كان في بدن الشخص أو دينه أو دنياه أو نفسه أو خلقه أو ماله أو والده أو ولده أو زوجه أو خادمه أو حركته أو طلاقته أو عبوسته أو غير ذلك مما يتعلق به ذكر سوء سواء ذكر باللفظ أو بالرمز أو بالإشارة،
قال النووي: ومن ذلك التعريض في كلام المصنفين كقولهم قال من يدّعي العلم أو بعض من ينسب إلى الصلاح أو نحو ذلك مما يفهم السامع المراد به،
ومنه قولهم عند ذكره: الله يعافينا؛ الله يتوب علينا؛ نسأل الله السلامة، ونحو ذلك؛ فكل ذلك من الغيبة.

وقوله: "ذكرك أخاك بما يكره" شامل لذكره في غيبته وحضرته وإلى هذا ذهب طائفة، ويكون الحديث بياناً لمعناها الشرعي.

وأما معناها لغة فاشتقاقها من الغيب يدل على أنها لا تكون إلا في الغيبة.

ورجح جماعة أن معناها الشرعي موافق لمعناها اللغوي،

ورووا في ذلك حديثاً مسنداً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "ما كرهت أن تواجه به أخاك فهو غيبة"

فيكون هذا إن ثبت مخصصاً لحديث أبي هريرة، وتفاسير العلماء دالة على هذا،
ففسرها بعضهم بقوله: ذكر العيب بظهر الغيب،
وآخر بقوله: هي أن تذكر الإنسان من خلفه بسوء وإن كان فيه. نعم ذكر العيب في الوجه حرام لما فيه من الأذى وإن لم يكن غيبة.
وفي قوله: "أخاك" أي أخ الدين دليل على أن غير المؤمن تجوز غيبته وتقدّم الكلام في ذلك.
قال ابن المنذر: في الحديث دليل على أن من ليس بأخ كاليهودي والنصراني وسائر أهل الملل ومن قد أخرجته بدعته عن الإسلام لا غيبة له، وفي التعبير عنه بالأخ جذب للمغتاب عن غيبته لمن يغتاب لأنه إذا كان أخاه فالأولى الحنوّ عليه، وطي مساويه، والتأويل لمعايبه لا نشرها بذكرها.

وفي قوله: "بما يكره" ما يشعر بأنه إذا كان لا يكره ما يعاب به كأهل الخلاعة والمجون فإنه لا يكون غيبة.

وتحريم الغيبة معلوم من الشرع ومتفق عليه.

وإنما اختلف العلماء هل هو من الصغائر أو الكبائر؟
فنقل القرطبي الإجماع على أنها من الكبائر.
واستدل لكبرها بالحديث الثابت "إن دماءكم وأعراضكم وأموالكم عليكم حرام" وذهب الغزالي وصاحب العمدة من الشافعية إلى أنها من الصغائر،
قال الأوزاعي لم أرَ من صرح أنها من الصغائر غيرهما. وذهب المهدي إلى أنها محتملة بناءً على ما لم يقطع بكبره فهو محتمل كما تقوله المعتزلة.
قال الزركشي: والعجب ممن يعد أكل الميتة كبيرة ولا يعد الغيبة كذلك والله أنزلها منزلة أكل لحم الآدمي أي ميتاً. والأحاديث في التحذير من الغيبة واسعة جداً دالة على شدّة تحريمها.

واعلم أنه قد استثنى العلماء من الغيبة أموراً ستة:
الأولى:
التظلم فيجوز أن يقول المظلوم فلان ظلمني وأخذ مالي أو أنه ظالم، ولكن إذا كان ذكره لذلك شكاية على من له قدرة على إزالتها أو تخفيفها ودليله قول هند عند شكايتها له صلى الله عليه وآله وسلم من أبي سفيان إنه رجل شحيح.
الثاني:
الاستعانة على تغيير المنكر بذكره لمن يظن قدرته على إزالته فيقول: فلان فعل كذا، في حق من لم يكن مجاهراً بالمعصية.
الثالث:
الاستفتاء بأن يقول للمفتي: فلان ظلمني بكذا فما طريقي إلى الخلاص عنه، ودليله أنه لا يعرف الخلاص عما يحرم عليه إلا بذكر ما وقع منه.
الرابع:
التحذير للمسلمين من الاغترار، كجرح الرواة والشهود ومن يتصدّر للتدريس والإفتاء مع عدم الأهلية، ودليله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "بئس أخو العشيرة" وقوله صلى الله عليه وآله وسلم "أما معاوية فصعلوك" وذلك أنها جاءت فاطمة بنت قيس تستأذنه صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم وتستشيره وتذكر أنه خطبها معاوية بن أبي سفيان وخطبها أبو جهم فقال: "معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، ثم قال: انكحي أسامة" الحديث.
الخامس:
ذكر من جاهر بالفسق أو البدعة كالمكاسين وذوي الولايات الباطلة، فيجوز ذكرهم بما يجاهرون به دون غيره، وتقدّم دليله في حديث "اذكروا الفاجر".
السادس:
التعريف بالشخص بما فيه من العيب كالأعور والأعرج والأعمش ولا يرد به نقصه وغيبته، وجمعها ابن أبي شريف في قوله:
الذم ليس بغيبة في ستة
متظلم ومعرّف ومحذِّر
ولمظهر فسقاً ومستفت ومن
طلب الإعانة في إزلة منكر


----------------


وَعَنْ قُطبة بن مالك رضي الله عنْهُ قال: كان رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم يقولُ: "اللهُمَّ جَنِّبني مُنْكراتِ الأخلاق والأعمال والأهواءِ والأدواءِ" أَخرجهُ الترمذيُّ وصحَحهُ الحاكم واللفظ لهُ..
(وعن قطبة) بضم القاف وسكون الطاء المهملة وفتح الموحدة (ابن مالك رضي الله عنه) يقال له التغلبي بالمثناة الفوقية والغين المعجمة ويقال الثعلبي بالمثلثة والعين المهملة (قال: كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: "اللّهُمَّ جَنّبْني مُنْكرات الأخْلاق والأهواءِ والأدواءِ" أخرجه الترمذي وصحّحه الحاكم واللفظ له).
التجنيب: المباعدة أي باعدني،
والأخلاق: جمع خلق،
قال القرطبي: الأخلاق أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره، وهي محمودة ومذمومة.
فالمحمودة على الإجمال: أن تكون مع غيرك على نفسك فتنتصف منها ولا تنتصف لها،

وعلى التفصيل: العفو والحلم والجود والصبر وتحمل الأذى والرحمة والشفقة وقضاء الحوائج والتودّد ولين الجانب ونحو ذلك.

والمذمومة: ضد ذلك وهي منكرات الأخلاق التي سأل صلى الله عليه وآله وسلم ربه أن يجنبه إياها في هذا الحديث.

وفي قوله: "اللهم كما حسنت خَلْقي فحسّن خُلُقِي" أخرجه أحمد وصححه ابن حبان، وفي دعائه صلى الله عليه وآله وسلم في الافتتاح "واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها سواك، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها غيرك".
ومنكرات الأعمال: ما ينكر شرعاً أو عادة، ومنكرات الأهواء جمع هوى، والهوى هو ما تشتيه النفس من غير نظر إلى مقصد يحمد عليه شرعاً،
ومنكرات الأدواء جمع داء وهي الأسقام المنفرة التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتعوّذ منها كالجذام والبرص، والمهلكة: كذات الجنب وكان صلى الله عليه وآله وسلم يستعيذ من سيء الأسقام.



---------------


ـــ وعن أبي صرمة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم:"من ضارَّ مسلماً ضارَّهُ اللَّه، ومن شاقَّ مسلماً شقَّ اللَّه علَيه". أخرجه أبو داود، والترمذي، وحسنه.
وعن أبي صرمة بكسر الصاد المهملة وسكون الراء اشتهر بكنيته واختلف في اسمه اختلافاً كثيراً وهو من بني مازن بن النجار شهد بدراً وما بعدها من المشاهد
قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم:" من ضار مسلماً ضاره الله ومن شاق مسلماً شق الله عليه" أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه
أي من أدخل على مسلم مضرة في ماله أو نفسه أو عرضه بغير حق ضاره الله أي جازاه من جنس فعله وأدخل عليه المضرة. والمشاقة المنازعة أي من نازع مسلماً ظلماً وتعدياً أنزل الله عليه المشقة جزاء وفاقاً. والحديث تحذير من أذى المسلم بأي شيء.


--------------


وعن أنَس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "طوبى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عنْ عيوب النّاس" أَخرجهُ البزَّارُ بإسنادٍ حسنٍ.
طوبى: مصدر من الطيب، أو اسم شجرة في الجنّة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها.
والمراد أنها لمن شغله النظر في عيوبه، وطلب إزالتها أو الستر عليها عن الاشتغال بذكر عيوب غيره والتعرف لما يصدر منهم من العيوب، وذلك بأن يقدم النظر في عيب نفسه إذا أراد أن يعيب غيره فإنه يجد من نفسه ما يردعه عن ذكر غيره.



---------------


وعنْ سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "الْعَجَلَةُ منَ الشّيطان" أَخرجَهُ التِّرمذي وقالَ: حَسَنٌ.
العجلة: هي السرعة في الشيء، وهي مذمومة فيما كان المطلوب فيه الأناة، محمودة فيم يطلب تعجيله من المسارعة إلى الخيرات ونحوها، وقد يقال: لا منافاة بين الأناة والمسارعة، فإن سارع بتؤده وتأنَّ فيتم له الأمران والضابط أن خيار الأمور أوسطها.



---------------



وَعَنْ بهزْ بن حكيم عنْ أبيهِ عَنْ جدِّه رضي اللّهُ عنهمْ قالَ: قالَ رسولُ الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "وَيْلٌ للذي يحدث فيكْذبُ لِيُضْحك به القومَ ويلٌ لهُ ثمَّ ويْلٌ لهُ" أَخرجهُ الثلاثةُ وإسْنادُهُ قَويٌّ.
(وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنهم) معاوية بن حيدة رضي الله عنهما (قال: قال رسول الله صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم: "ويْلٌ للذي يُحدّث فيكذب ليُضْحك به القَوْمَ، ويْلٌ لَهُ ثمَّ ويلٌ لَهُ" أخرجه الثلاثة وإسناده قوي).
وحسنه الترمذي وأخرجه البيهقي.
والويل الهلاك، ورفعه على أنه مبتدأ خبره الجار والمجرور، وجاز الابتداء بالنكرة لأنه من باب: سلام عليكم.
وفي معناه الأحاديث الواردة في تحريم الكذب على الإطلاق،
مثل حديث "إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار" سيأتي وأخرج ابن حبان في صحيحه "إياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار" ومثله عند الطبراني
.
وأخرج أحمد من حديث ابن لهيعة "ما عمل أهل النار؟ قال: الكذب. فإن العبد إذا كذب فجر وإذا فجر كفر وإذا كفر دخل النار" وأخرج البخاري أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الطويل، ومن جملته قوله "رأيت الليلة رجلين أتياني قالا لي: الذي رأيته يشق شدقه فكذاب يكذب الكذبة تحمل عنه حتى تبلغ الآفاق" في حديث رؤياه صلى الله عليه وآله وسلم والأحاديث في الباب كثيرة.
والحديث دليل على تحريم الكذب لإضحاك القوم، وهذا تحريم خاص.
ويحرم على السامعين سماعه إذا علموه كذباً، لأنه إقرار على المنكر بل يجب عليهم النكير أو القيام من الموقف.

وقد عدّ الكذب من الكبائر، قال الروياني من الشافعية: إنه كبيرة ومن كذب قصداً ردت شهادته، وإن لم يضر بالغير، لأن الكذب حرام بكل حال،
وقال المهدي: إنه ليس بكبيرة، ولا يتم له نفي كبره على العموم، فإن الكذب على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو الإضرار بمسلم أو معاهد كبيرة.
وقسم الغزالي الكذب في الإحياء إلى- واجب- ومباح- ومحرم
وقال: إن كل مقصد محمود يمكن التوصل إليه بالصدق والكذب جميعاً فالكذب فيه حرام، وإن أمكن التوصل إليه بالكذب وحده فمباح إن أنتج تحصيل ذلك المقصود، وواجب إن وجب تحصيل ذلك وهو إذا كان فيه عصمة من يجب إنقاذه،
وكذا إذا خشي على الوديعة من ظالم وجب الإنكار والحلف، وكذا إذا كان لا يتم مقصود حرب أو إصلاح ذات البين أو استمالة قلب المجنى عليه إلا بالكذب فهو مباح،
وكذا إذا وقعت منه فاحشة كالزنا وشرب الخمر وسأله السلطان فله أن يكذب، ويقول: ما فعلت.
ثم قال: وينبغي أن تقابل مفسدة الكذب بالمفسدة المترتبة على الصدق، فإن كانت مفسدة الصدق أشدّ فله الكذب، وإن كانت بالعكس أو شك فيها حرم الكذب، وإن تعلق بنفسه استحب أن لا يكذب، وإن تعلق بغيره لم تحسن المسامحة بحق الغير. والحزم تركه حيث أبيح.
واعلم أنه يجوز الكذب اتفاقاً في ثلاث صور كما أخرجه مسلم في الصحيح قال ابن شهاب: لم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث:
الحرب، -
والإصلاح بين الناس -
وحديث الرجل امرأته، -
وحديث المرأة زوجها. قال القاضي عياض: لا خلاف في جواز الكذب في هذه الثلاث الصور. وأخرج ابن النجار عن النواس بن سمعان مرفوعاً "الكذب يكتب على ابن آدم إلا في ثلاث: الرجل يكون بين الرجلين ليصلح بينهما، والرجل يحدث امرأته ليرضيها بذلك، والكذب في الحرب".
قلت: نظر في حكمة الله ومحبته لاجتماع القلوب كيف حرّم النميمة وهي صدق لما فيها من إفساد القلوب وتوليد العداوة والوحشة، وأباح الكذب ــــ وإن كان حراماً ــــ إذا كان لجمع القلوب وجلب المودّة وإذهاب العداوة.
حياة بنت عبد السلام غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس