عرض مشاركة واحدة
قديم 15-08-07, 02:25 AM   #14
أمة الخبير
جُهدٌ لا يُنسى
افتراضي

*
*
*




الحصة الرابع عشرة



فصل



ضرر الذنوب في القلب كضرر السموم في الأبدان :


فلنرجع إلى ما كنا فيه من ذكر دواء الداء الذي إن استمر أفسد دنيا العبد وآخرته .

فمما ينبغي أن يعلم : أن الذنوب والمعاصي تضر ، ولا بد أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر ، وهل في الدنيا والآخرة شر و وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي ؟


فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب ؟


وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها ، وباطنه أقبح من صورته وأشنع ، وبدل بالقرب بعدا ، وبالرحمة لعنة ، وبالجمال قبحا ، وبالجنة نارا تلظى ، وبالإيمان كفرا ، وبموالاة الولي الحميم أعظم عداوة ومشاقة ، وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجل الكفر والشرك والكذب والزور والفحش ، وبلباس الإيمان لباس الكفر و الفسوق والعصيان ، فهان على الله غاية الهوان ، وسقط من عينه غاية السقوط ، وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه ، ومقته أكبر المقت فأرداه ، فصار قواداً لكل فاسق ومجرم رضي لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة ، فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك .


وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رءوس الجبال ؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية ، ودمرت ما دمرت عليه من ديارهم وحروثهم و زروعهم ودوابهم ، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة ؟


وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم ؟


وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ، ثم قلبها عليهم ، فجعل عاليها سافلها ، فأهلكهم جميعا ، ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم ، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم ، ولإخوانهم أمثالها ، وما هي من الظالمين ببعيد ؟


وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ، فلما صار فوق رءوسهم أمطر عليهم نارا تلظى ؟


وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم فالأجساد للغرق ، والأرواح للحرق ؟


وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله ؟


وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ، ودمرها تدميرا ؟


وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم ؟


وما الذي بعث على بني إسرائيل قوما أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ، وقتلوا الرجال وسبوا الذرية والنساء ، وأحرقوا الديار ونهبوا الأموال ، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبَّروا ما علوا تتبيرا ؟


وما لذي سلط عليهم أنواع العقوبات ، مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ، ومرة بجور الملوك ، ومرة بمسخهم قردة وخنازير ، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى : {{ ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب }} الأعراف167.


قال الإمام أحمد : حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمر وحدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال : لما فتحت قبرص فرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض ، فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي ، فقلت : يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ فقال : ويحك يا جبير ، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره ، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك ، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى .


وقال علي بن الجعذ : أنبأنا شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت أبا البختري يقول : أخبرني من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : {{ لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم }}


وفي ’’مسند الإمام أحمد’’ من حديث أم سلمة قالت : سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - يقول : {{إذا ظهرت المعاصي في أمتي عمهم الله بعذاب من عنده }} فقلت : يا رسول الله ، أما فيهم يومئذ أناس صالحون ؟ قال : {{ بلى }} قلت : فكيف يصنع بأولئك ؟ قال : {{ يصيبهم ما أصاب الناس ، ثم يصيرون إلى مغفرة من الله ورضوان }}.


وفي مراسيل الحسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم – : {{ لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفى كنفه ما لم يمالئ قراؤها أمراءها وما لم يزك صلحاءها فجارها وما لم يهن خيارها شرارها ، فإذا هم فعلوا ذلك رفع الله يده عنهم ، ثم سلط عليهم جبابرتهم فيسوموهم سوء العذاب ، ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر }}


وفي ’’المسند’’ من حديث ثوبان قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه }}


وفيه أيضا عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق ، كما تداعى الأكلة على قصعتها }} قلنا : يا رسول الله ، أمن قلّة يومئذ ؟ قال : {{ أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، تنزع المهابة من قلوب عدوكم ، ويجعل في قلوبكم الوهن }} قالوا وما الوهن ؟ قال : {{ حب الحياة وكراهة الموت }}


وفي ’’المسند’’ من حديث أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{ لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوهم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم }}


وفى ’’جامع الترمذي’’ من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{يخرج في آخر الزمان قوم يختلون الدنيا بالدين ويلبسون للناس مسوك الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله عز وجل : أبي تغترون ؟ وعليّ تجترئون ؟ فبي حلفت ، لأبعثن على أولئك فتنة تدع الحليم فيها حيرانا }}


وذكر أبن أبي الدنيا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ، قال : قال علي : (يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ، ولا من القرآن إلا رسمه ، مساجدهم يومئذ عامرة وهي خراب من الهدى ، علماؤهم أشر من تحت أديم السماء ، منهم خرجت الفتنة وفيهم تعود )


وذكر من حديث سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : (إذا ظهر الربا والزنا في قرية أذن الله عز وجل بهلاكها )


وفى مراسيل الحسن : إذا أظهر الناس العلم وضيعوا العمل ، وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب ، وتقاطعوا بالأرحام ، لعنهم الله عز وجل عند ذلك ، فأصمهم وأعمى أبصارهم .


وفي ’’سنن ابن ماجة’’ من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب ، قال : كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه ، فقال : {{ يا معشر المهاجرين خمس خصال وأعوذ بالله أن تدركوهن : ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء فلولا البهائم لم يمطروا ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم ، فأخذوا بعض ما في أيديهم ، وما لم تعمل أئمتهم بما انزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم }}


وفي ’’المسند’’ و’’السنن’’ من حديث عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : {{إن من كان قبلكم كان إذا عمل العامل فيهم الخطيئة جاءه الناهي تعذيرا ، فإذا كان الغد جالسه وواكله وشاربه ، كأنه لم يره على خطيئة بالأمس ، فلما رأى الله عز وجل هذا منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ، ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ، ولتأخذن على يد السفيه ، ولتأطرنه على الحق أطرا ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ، ثم ليلعنكم كما لعنهم }}


وذكر ابن أبي الدنيا عن إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال : (أوحى الله إلى يوشع بن نون : إني مهلك من قومك أربعين ألفا من خيارهم ، وستين ألفا من شرارهم ، قال : يارب ، هؤلاء الأشرار ، فما بال الأخيار ؟ قال : إنهم لم يغضبوا لغضبي ، وكانوا يواكلونهم ويشاربونهم )


وذكر أبو عمر بن عبد البر عن أبي عمران ، قال : (بعث الله عز وجل ملكين إلى قرية ، أن دمراها بمن فيها ، فوجدا رجلا قائما يصلي في مسجد ، فقالا : يا رب ، إن فيها عبدك فلانا يصلي ، فقال الله عز وجل : دمراها ودمراه معهم ، فإنه ما تمعَّر وجهه فيّ قط )


وذكر لحميدي عن سفيان بن عيينة ، قال : حدثني سفيان بن سعيد عن مسعر أن ملكا أُمر أن يخسف بقرية ، فقال : يا رب ، إن فيها فلانا العابد ، فأوحى الله عز وجل إليه : أن به فابدأ ، فإنه لم يتمعّر وجهه فيّ ساعة قط )


وذكر ابن أبي الدنيا عن وهب بن منبه ، قال : (لما أصاب داود الخطيئة قال : يا رب اغفر لي ، قال : قد غفرت لك و ألزمت عارها بني إسرائيل ، قال : يارب ، كيف وأنت الحكم العدل لا تظلم أحدا ، أنا أعمل الخطيئة وتلزم عارها غيري ؟ فأوحى الله إليه : إنك لما عملت الخطيئة لم يعجلوا عليك بالإنكار )



*
*



توقيع أمة الخبير
*
*
*


إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله

*
*
*


أمة الخبير غير متواجد حالياً