الموضوع: بحث فوائد من فقه الصيام
عرض مشاركة واحدة
قديم 10-12-13, 10:31 PM   #12
لبنى أحمد
| طالبة في المستوى الثالث |
افتراضي



إفطار الحامل والمرضع في رمضان

اتفق الفقهاء في الجملة على أن الحامل و المرضع ، إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما ، أن لهما الفطر إلحاقاً لهما بالمريض ، فالحامل تعتبر في حكم المريض.
وكذلك المرضع ألحقها المالكية وغيرهم من حيث الاسم بالمريض، ولأثر ابن عباس رضي الله عنهما في قوله سبحانه وتعالى :"وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ"[البقرة: 184] أن هذه في الشيخ الكبير ، والمرأة المسنة ، والحامل والمرضع .
وحديث أنس بن مالك الكعبي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يتغدى فقال: (ادن فكل) فقلت: إني صائم فقال: ( ادن أحدثك عن الصوم أو الصيام ، إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ، وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام) رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي ، وفي بعض النسخ حسن صحيح ، وصححه ابن خزيمة، وجمع من أهل العلم، وأعله بعضهم بالاضطراب، لكن جاءت آثار كثيرة عن الصحابة تشهد لهذا المعنى، لكن يفرق بين ما إذا كان فطرها خوفاً على نفسها، أو خوفاً على ولدها.
فإن خافت على نفسها حاملاً أو مرضعاً فهي تقضي ولا شيء عليها ؛ لأنها في حكم المريض الذي يقضي تماماً وليس عليه شيء فيفطر ويقضي إذا زال عذره وليس عليه كفارة، وهذا لا إشكال فيه ، وهو قول الجمهور.
أما إن أفطرت الحامل أو المرضع خوفاً على ولدها ، بمعنى أنها إذا لم تأكل ربما تضرر ولدها، أو أنها تحتاج أن تتناول علاجاً لولدها ، وهكذا المرضع لو لم تأكل لجفَّ ثديها، ولم يجد الصبي ما يرضعه ، فأفطرتا خوفاً على ولديهما ففيه ثلاثة أقوال:
الأول: أنها تفطر وتقضي وتطعم عن كل يوم مسكيناً ، وهذا قول الحنابلة، وهو مأخوذ من الآية "وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ" [البقرة: 184]؛ لأنها تستطيع ولكنها أفطرت من أجل ولدها، وأيضاً جاء هذا عن ابن عمر وابن عباس وغيرهما؛ ولأن إفطارها ليس خوفاً على نفسها، وإنما خوفاً على ولدها. والكفارة في هذه الحالة على ولي الطفل، وليس بالضرورة أن يكون زوجها؛ فقد تكون ظئراً ترضع بالأجرة أو ترضع غير ولدها، واختار ابن عقيل أن الكفارة على المرأة، والصحيح الأول.
الثاني: أنها تفطر وليس عليها قضاء، وتطعم عن كل يوم مسكيناً، وهذا الإطعام يكفيها عن قضاء الصيام، وهذا جاء بآثار صحيحة عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم.
وهذا القول في تقديري ضعيف ؛ لأنه مخالف للأئمة الأربعة ، وجمهور التابعين والفقهاء، ومن أهم الأدلة على ضعفه قول الله سبحانه وتعالى: " فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر "[البقرة: 184]، ولا يعذر بالفطر من غير بدل إلا العاجز الذي لا يستطيع القضاء مثل المريض الذي لا يرجى برؤه، فهذا القول ضعيف، وإن كان صح عن ابن عمر وابن عباس ، فهو قول لهما لم يرفعاه إلى النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالث: أنها تفطر وتقضي، وليس عليها كفارة، وهذا مذهب أبي حنيفة، وهو قول جماعة من التابعين كعطاء والزهري والحسن وسعيد بن جبير والنخعي وغيرهم ، وفي تقديري أن هذا القول هو أعدل الأقوال وأحسنها ؛ فإنّ جمع الكفارة والقضاء عليهما فيه نظر ولا دليل قوياً عليه ، حتى ابن عمر وابن عباس الذين نقل عنهما الكفارة قالا بها بدون الصيام ، بينما الفقهاء الذين يقولون : عليهما الصيام يوجبون الصيام والكفارة معاً ، ولهذا كان الأجود أن يقال : عليهما القضاء وليس عليهما الكفارة ؛ لأن السبب الذي أفطرتا به سبب شرعي سواء تعلق بهما أو تعلق بولدهما ، وهذا واضح جداً بالنسبة للحامل ؛ لأن الذي في بطنها يعتبر كعضو من أعضاءها غير منفصل عنها فهو كجزء منها، وربما تؤثر صحتها عليه وصحته عليها، فالقول بأن الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفاً على نفسيهما لهما حكم ، وإذا أفطرتا خوفاً على ولديهما لهما حكم آخر فيه نظر .
والأجود أن يقال: إن لهما الفطر وعليهما القضاء فحسب، وهو مذهب أبي حنيفة ومن ذكرت من الأئمة.

أخوكم
سلمان بن فهد العودة
15/9/1423هـ


وقال للشيخ العلامة: محمد بن محمد المختار الشنقيطي:

المسألة الثانية : إذا قلنا إن كلا منهما يفطر فهل يجب عليهما القضاء ؟
جماهير السلف والخلف -رحمهم الله- على أنه يجب القضاء على المرأة الحامل والمرضع إذا أفطرتا ، سواء أفطرتا لأنفسهما خوفا على أنفسهما أو خوفا على الولد أو عليهما ؛ والدليل على ذلك أن الأصل الشرعي يقتضي وجوب الصوم ، وأن من حصل عنده العذر انتقل إلى أيام أخر؛ بدليل قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فأوجب الله على المعذور الذي أفطر لعذر أن ينتقل إلى العدة من أيام أخر وهو القضاء ، فهذا الأصل الشرعي هو الذي ينبغي البقاء عليه.

وذهب بعض السلف كما هو قول عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر ـ رضي الله عنهم- إلى أن الحامل والمرضع لا تقضيان ، وقالا : يجب عليهما الإطعام فقط ، وهذا القول يعارض الأصول من حيث الأصل الشرعي يقتضي أن الحامل والمرضع كلاّ منهما معذور، والعذر في الشريعة في الصوم ينقسم إلى قسمين :

عذر مستصحب لا يزول كالمريض الذي لا يرجى زوال مرضه وبرؤه ، والشيخ الكبير الزمن الذي لا يعود إلى القوة حتى يقوى على الصوم ، فهذا عذر دل الأصل على أنه ينتقل إلى بدل عن الصوم وهو الإطعام .

وأما بالنسبة لمن كان عذره غير مستصحب ؛ فوجب البقاء على الأصل من مطالبته بالقضاء، واجتهد ابن عباس وابن عمر – رضي الله عنهما- فأسقطا القضاء ؛ واستدل بعض المتأخرين لذلك بحديث أنس الكعبي وفيه أن النبي قال : (( إن الله أسقط عن المسافر الصلاة والصوم وعن المرضع والحامل الصوم )) فقالوا : هذا الحديث اختلف في إسناده وفيه كلام عند العلماء -رحمهم الله- ومنهم من حسنه بالشواهد . وذكر بعض الأئمة كابن التركماني وغيره أنه مضطرب سندا ومتنا وبخاصة وأن في بعض الروايات عنه قال : (( لا أدري أقالهما جميعا أو أحدهما )) فشك في كون الإسقاط إسقاط الصوم عن المسافر والمرأة الحبلى والمرضع أم أنه اقتصر على المسافر فقط ، وأيا ما كان هذا الحديث يمكن قلبه دليلا للجمهور؛ لأن المسافر بين النبي أن الله أسقط عن المسافر الصوم والصلاة أي أسقط عنه شطر الصلاة ولم يسقطها بالكلية ، والمسافر بالإجماع لا يطعم ، فينتقل إلى البدل وإنما يجب عليه أن يصوم أياما أخر كما قال تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فدل على أن الإسقاط ليس إسقاطا للقضاء ، وأنه ليس إسقاطا للتعين وهو وجوب الصوم ، فالفهم من هذا الحديث على أنه يدل على أن المرأة الحامل والمرضع أن كلا منهما يطعم ولا يصوم ضعيف .

والصحيح ما ذهب إليه جماهير السلف والخلف والأئمة -رحمهم الله- ومأثور عن طائفة من أئمة التابعين والأئمة الأربعة على أنه يجب القضاء على المرأة الحامل والمرضع ، حتى إن طائفة من أصحاب ابن عباس -رضي الله عنهما- خالفوا ابن عباس في ذلك ، واعتبر من مفردات ابن عباس -رضي الله عنهما- وكذلك عن ابن عمر ليس خاصا لابن عباس بل إنه صح عن ابن عمر فمن قال إنه من مفردات ابن عباس ربما لم يطلع على السند الصحيح عن ابن عمر -رضي الله عنهما- وأيا ما كان فقول الصحابي إذا احتمل اجتهادا وكان أصل القرآن أو أصل السنة يقتضي اللزوم ودل النظر الصحيح على قوة هذا الأصل واعتباره ؛ وجب البقاء على الأصل مراعاة لتلك النصوص ، وبخاصة أن جماهير السلف والأئمة -رحمهم الله- على عدم العمل بهذه الفتوى من ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهما- ؛ لأن الأصول الشرعية تدل دلالة واضحة على أن من عجز في أول حال وقدر في ثاني حال أنه لا تسقط عنه العبادة بحال بمعنى أنه لا تسقط عنه كلية .

أما أن تسقط عنه في حال العجز وينتقل إلى البدل ؛ فهذا الذي دلت عليه الأصول في الصلاة وفي الصوم ونحوها من العبادات البدنية ، وعلى هذا فإنها تصوم قضاء ، تصوم كل من الحامل والمرضع قضاء يجب عليهما القضاء .

ثم اختلف هل تطعمان أو لا تطعمان ؟ وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال مشهورة عند الأئمة الأربعة -رحمهم الله- : منهم من قال : بالأصل العام تفطران وتقضيان وتطعمان إذا خافتا على الولد، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة وهو قول مجاهد من أئمة السلف -رحمة الله على الجميع -.

القول الثاني يقول: تفطران وتقضيان ولا تطعمان ، وهذا القول قال به طائفة من أئمة السلف -رحمهم الله- قال به إبراهيم النخعي والحسن البصري وهو قول الإمام محمد بن مسلم الشهاب الزهري وسفيان الثوري وأبي ثور إبراهيم بن خالد بن يزيد الكلبي وأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي حنيفة وأصحاب الرأي -رحمة الله على الجميع- أنهما تفطران وتقضيان ولا إطعام عليهما ، والحقيقة هذا القول قوي جدا من حيث الأصل والدليل ، ولكن الإمام أحمد -رحمه الله- والشافعية جمعوا بين الأصل وبين فتوى عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر وطردوا ذلك ، ولكن من حيث الدليل والقوة لاشك أن قول من قال : إنهما تفطران وتقضيان ولا إطعام عليهما أقعد وأقرب للصواب -إن شاء الله تعالى- .

والإمام أحمد -رحمه الله- كان يتورع كثيرا ، ولذلك القول بالإطعام فيه ورع ، وإذا قيل بالفطر لهما وبخاصة إن العذر متصل بغيرهما في حال الخوف على الولد من الحامل أو من المرضع فلاشك أن هذا أفضل .

وذهب الإمام مالك -رحمه الله- وهو القول الثالث إلى التفصيل فقال : الحامل تفطر وتقضي ولا تطعم ، والمرضع تفطر وتقضي إذا خافت على ولدها تفطر وتقضي وتطعم ، فجعل عذر المرضع منفصلا ، وجعل عذر الحائض متصلا ، فأسقط الإطعام في المتصل ولم يسقطه في المنفصل ، وأيا ما كان فإن الأقوى ما ذكرناه من وجوب القضاء دون الإطعام .

قال رحمه الله : [ إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا ] : تطعمان عن كل يوم مسكينا إذا خافت على ولديهما هذا إذا كانت مرضعا أو حاملا سواء كانت في بداية الحمل أو في انتصاف الحمل أو في غاية الحمل المهم أن يثبت في قول الطبيب العدل أو تكون المرأة نفسها تعرف نفسها فيجوز لها أن تبني على غالب ظنها ، وهذا يختلف كما ذكر العلماء باختلاف الأشخاص . أما المرضع فإن كانت ترضع ولدها فلا إشكال ؛ لأنها ملزمة بهذا الأصل ، واختلف هل إذا وجدت من تستأجره للإرضاع هل يحل لها الفطر ؟ والصحيح أنه يحل لها الفطر سواء وجدت أو لم تجد ، وأما التي تستأجر للإرضاع ؛ فإنها يجوز لها أن تفطر من أجل أن ترضع ولد غيرها لما ذكرناه من الأصل . ويرد السؤال : هل تجب عليها الكفارة المكررة بعدد الأولاد أو أنها تكون للجميع في كل يوم بحسبه ؟ صورة المسألة : أنها لو أرضعت ثلاثة أولاد في اليوم الواحد وأفطرت من أجلهم فهناك من العلماء من يقول عليها أن تفتدي ثلاث مرات ؛ لأنها حينما أرضعت الأول وأفطرت وقويت على إرضاعه وجب عليها الإمساك ، ثم بعد ذلك إذا أكلت من أجل أن ترضع الثاني أو شربت فإن هذا انتهاك ثانٍ ، ثم الثالث كذلك ، وهذا فيه إشكال سيأتي في مسألة من كرر الجماع ، والأقوى أن فطرها للواحد كفطرها للجميع على قاعدة الاستصحاب .

قال رحمه الله : [ وإن صامتا أجزأهما ] : وإن صامت المرضع والحامل أجزأهما الصوم ، ولكن هل تأثمان إذا غلب على ظنهما وجود الضرر أو شهد الأطباء العدول بتضرر الجنين ثم صامتا وتضرر الجنين ؟ لا يخلو الأمر من وجود الإثم عليهما ، ولذلك العمل بغالب الظن معتبر شرعا فلا يجوز لها أن تعرض نفسها أو ولدها للضرر )انتـــهى بنصه من شرح عمدة الفقه لابن قدامة المقدسي رحمه الله.


منقول من ملتقى أهل الحديث



توقيع لبنى أحمد

التعديل الأخير تم بواسطة لبنى أحمد ; 10-12-13 الساعة 11:03 PM
لبنى أحمد غير متواجد حالياً