عرض مشاركة واحدة
قديم 29-01-14, 07:45 AM   #5
أروى آل قشلان
|تواصي بالحق والصبر|
افتراضي

رفق الداعية إلى الله بالمدعوين
على الداعية إلى الله أن يلتزم بالقول الحسن والأسلوب الذي فيه رفقٌ بالناس، فإن الله بعث رسوله صلى الله عليه وسلم رحمةً للعالمين،
ما بعثه صخاباً ولا لعاناً ولا سباباً، إنما بعثه لكي يكون رحمةً للأمة ولكل من اتبعه، فما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما؛
وكان صلى الله عليه وسلم رفيقاً بالأمة، فكل ما كان من تشريع أو أمر فيه ضيقٌ على الأمة إلا سأل ربه أن يخفف وأن يلطف بعباده.
فينبغي على الداعية إلى الله أن يلتزم هذا النهج في تحبيب الناس للخير، وهذا يحتاج منه إلى القول الطيب، وأن يكون في دعوة الناس حليماً رحيماً رفيقاً،
قال صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه، ولا نزع من شيءٍ إلا شانه).
وإذا أراد الله أن يحرم الداعية التوفيق، سلّط عليه الشيطان فأزله بلسانه، فاتجه إلى الناس ساباً أو شاتماً أو كاشفاً لعوراتهم أو مبدداً لأعمالهم، حتى ينفر الناس من دعوته.
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن منكم منفرين) فليتق الله الداعية، ولا يكن حجرة عثرة في قبول الخير.ينبغي أن يأخذ الناس باللطف واللين، وعليه أن يعرف كيف يخاطب الناس،
وكيف يقرع القلوب، وكيف يوجه، وكيف يدل، وإذا لم يجد في نفسه ذلك، فليسأل العلماء ما هو السبيل.
وإذا أراد الله أن يوقف الإنسان على أكمل هديٍ في التوجيه، فإنه يوقفه ويحبب إلى قلبه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الصحيح: (عندما بال الأعرابيُ في المسجد، طفق الصحابة يريدون أن يؤذوه،
فقال عليه الصلاة والسلام: لا تزرموه، فلما قضى بوله وأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عليه الصلاة والسلام: إن هذه المساجد لم تبنَ لهذا) فلو كان عليه الصلاة والسلام أخذه بالعنف والشدة لأضر به وأضر ببيت الله عز وجل.انظر إلى الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما رأى من المحسن الإساءة كيف تحمله، وأخذه بحلمه ورفقه،
ففي الحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أراد فتح مكة، هيأ أصحابه، وغيّب عن قريشٍ خبره، فكتب حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه وأرضاه- إلى قريشٍ كتاباً يحذرهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت المرأة ومعها الكتاب،
فنزل جبريل من السماء على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره الخبر، فبعث عليه الصلاة والسلام علياً ، فأدرك المرأة في الروضة، فقال لها: أخرجي لي الكتاب، فأنكرت، فقال لها: إن لم تخرجيه لأجردنك، فتنحت عنهم وأخرجت كتاب حاطب رضي الله عنه من تحت شعرها، فأخذ علي الكتاب، وأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)
تصوروا مثل هذا الموقف، صحابي يكتب بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أعدائه، وفعل ذلك على غرة دون علمٍ من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، (فلما وقف عليه الصلاة والسلام على الخبر، وقرأ الكتاب واستبان الأمر، وحاطب أمامه، قال: يا حاطب ! ما حملك على هذا؟) ما الذي حملك على أن تكتب لقريشٍ بهذا الأمر؟ هل سبه أو شتمه؟ لا، بل يسأله عن العذر أولاً؛ لكي يعلم ما الذي دفعه إلى ذلك (قال حاطب رضي الله عنه: والله -يا رسول الله- ما فعلت ذلك حباً للكفر، ولا إيثاراً له عن الإسلام، ولكنني رجل لا عشيرة عندي، وإني أخاف على قومي، فأحببت أن أتخذ يداً عند قريش، فقال عمر : يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال صلى الله عليه وسلم: يا عمر ! وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم).
قد ترى من رجل بعض الزلات والهنات، فاذكر ما لهذا الرجل من الحسنات أو المواقف الطيبة، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عظم الله -من فوق سبع سماوات- لـحاطب موقفاً شهده، نصر به الإسلام، فما كان ربك نسياً.
فينبغي على الداعية إلى الله أن يأخذ الناس بالتي هي أحسن إلى السبيل الأقوم والهدي الأكمل والأجمل بلسانه الطيب وكلماته الرقيقة.وما من إنسان يحرص على الدعوة بالأسلوب الطيب والكلمات الطيبة إلا وضع الله له الأثر؛ فإن الكلام الطيب حسن الوقع والأثر في القلوب، فالطيب لا ينبت إلى طيباً، ولا يأتي إلا بالطيب،
والله عز وجل قال: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ [المائدة:100].
فاتقوا الله، فكلما كان الإنسان في دعوته يخرج منه الكلمات الطيبة ويأخذ بمجامع قلوب الناس بالتي هي أحسن؛ كلما نفع الله بدعوته.أيها الأحبة في الله: الحديث عن الدعوة يطول،
ولكن أحب أن أنبه على أن الدعوة إلى الله لا تقتصر على منبر، ولا تقتصر على تعليم أو توجيه في مكانٍ جامع،
بل أنت داعيةٌ إلى الله في كل لحظة وفي كل طرفة عين ما دمت منتسباً للإسلام ومتبعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واعلم أنك إذا جئت بين قومٍ ضلوا السبيل،
وأنت مهتدٍ بسبيل الله، فاعلم أن العيون تلحظك، وأن الناس ينظرون إليك كقدوة وإمام وداعية إلى الخير.علينا أن نعلم أن الدعوة ليست محجورة أو محصورة على الخطبة أو الموعظة، أو على من يخطب أو يعظ، بل أنت داعية إلى الله في كل كلمة تقولها وتهدي بها إلى صراط الله، لو قلت لابنتك: اتق الله، فأنت داعيةٌ إلى الله، ولو قلت لابنك: خف الله، فأنت داعيةٌ إلى الله، ولو أمرت بأمرٍ أمر الله به أو نهيت عن نهيٍ نهى الله عنه، فأنت داعيةٌ إلى الله.

إكثار الداعية من ذكر الموت والآخرة
أختم هذه الكلمات بأمرٍ عظيم ما وفق الله له الداعية إلا كان له خير الدنيا والآخرة، هذا الأمر العظيم الذي لا ينال إلا بتوفيق الله ذي العزة والجلال،
هذا الأمر العظيم الذي إذا وقر في القلب أتبعه الإنسان العمل، ألا وهو كثرة ذكر الآخرة.
ينبغي للداعية إلى الله أن يعلم أنه إلى الله صائر، وأنه منقلبٌ إلى الجنادل والحفائر، فإن وجد ثمار دعوته، فرمقته العيون، وأصغت إليه الأسماع، فليعلم أن الله يحاسبه، وأن الله سائله، وأن الله موقفه بين يديه، وقائلٌ له: عبدي ماذا أردت بهذا؟ فإن قال: أردت وجهك وما عندك -وكان صادقاً- قال الله: صدقت، وقالت الملائكة: صدقت، وقال الله: اذهبوا بعبدي إلى الجنة.
إذا أحس الداعية إلى الله أن له موقفاً بين يدي الله هانت عليه الدنيا وما فيها.إذا أكثر الداعية من ذكر الموت والبلاء وقرب المصير إلى الله جل وعلا، هانت عليه الدنيا وما فيها وأصبحت كلماته ومواعظه للآخرة، فنفع الله به وانتفع.
أيها الأحبة في الله! نقول ونعمل، وبين يدي الله نسأل، ولسنا ندري أهذه الأمم التي وراءنا تقاد إلى روضة جنة أم إلى حفرة نار.
فنسأل الله العظيم بعزته وجلاله أن يجعلنا ممن أراد وجهه وأراد ما عنده، ونسأله جل وعلا أن يعمر قلوبنا بإرادة وجهه الكريم.اللهم إنا نسألك الفقر إليك، والغنى بك، والتوكل عليك، وصدق اللجوء إليك.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه أجمعين.



توقيع أروى آل قشلان
إن نفترق فقلوبنـا سيضمها *** بيت على سحب الإخاء كبير
وإذا المشاغل كممت أفواهنا *** فسكوتنا بين القلوب سفير
بالود نختصر المسـافة بيننا *** فالدرب بين الخافقين قصير
والبعـد حين نحب لامعنى له *** والكون حين نحب جد صغير
أروى آل قشلان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس