عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-14, 08:04 AM   #1
أروى آل قشلان
|تواصي بالحق والصبر|
Icon67 :: غربـــــــــ السنــــــة وأهلها ــــــــــــة ::

يقول ابن القيم - رحمه الله - في الرسالة التبوكية " زاد المهاجر إلى ربه "
وأما الهجرة الى رسول الله -صلى الله عليه و سلم- فمعَلمٌ لم يبقَ منه سوى رسمُه، ومنهج لم تترك بنيَّات الطريق سوى اسمَه،
ومحجةٌ سَفَت عليها السَّوافي فطمسَت رُسومَها، وأغارَت عليها الأعادي فغوَّرت مناهلَها وعيونَها،
فسالُكها غريبٌ بين العباد، فريدٌ بين كل حي وناد ،بعيدٌ على قرب المكان ،وحيدٌ على كثرة الجيران،
مستوحشٌ مما به يستأنسون، مستأنسٌ مما به يستوحشون،
مقيمٌ إذا ظَعَنوا ، ظاعنٌ إذا قَطَنوا ،منفردٌ في طريقِ طلبه ، لا يقرُّ قراره حتى يظفرُ بأرَبِه،
فهو الكائنُ معهم بجسده، البائنُ منهم بمقصده،
نامت في طلبِ الهدى أعينُهم ،وما ليل مطيّـِه بنائم،
وقعدوا عن الهجرة النبوية ، وهو في طلبها مشمِّرٌ قائم،
يعيبونه بمخالفة آرائهم، ويُزرونَ عليه إزراءً على جهالاتهم وأهوائهم ،
قد رجَموا فيه الظُنون، وأحدَقوا فيه العيون وتربَصوا به ريبَ المَنون ،
"فتربصوا إنا معكم متربصون "
( قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَـٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ) الأنبياء 112

والمقصود أن هذه الهجرة النبويَّة شأنُها شديدٌ وطريقُها على غيرِ المعتادِ وَعيرٌ بعيد.
بعيدٌ على كسلانَ أو ذي مَلالة ... وأما على المشتاق فهو قريبُ

ولَعمرُ اللهِ ما هي إلا نورٌ يتلألأ، ولكن أنتَ ظَلامُه، وبدرٌ أضاءَ مشارقَ الأرضِ ومغاربَها ولكن أنت غَيمُه وقَتامُه،
ومنهلٌ عذبٌ صافٍ وأنت كدرُهُ، ومُبتدأٌ له خبرٌ عظيمٌ ولكن ليس عندك خبره.
فاسمع الآن شأنَ هذه الهجرةِ والدلالة عليها، وحاسِب نفسَكَ بينك وبينَ الله،
هل أنت من الهَاجرين لها أو المُهاجرينَ إليها ؟
فحدُّ هذه الهجرة : سفرُ الفكرِ في كلِ مسألةٍ من مسائلِ الإيمان، ونازلةٍ من نوازلِ القلوب، وحادثةٍ من حوادثِ الأحكام،
إلى معدنِ الهدى ومَنبعِ النورِ المتلقَّى من فمِ الصادقِ المصدوقِ، الذي لا ينطقُ عن الهوى (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ)
فكل مسألةٍ طلعت عليها شمسُ رسالته وإلا فاقذف بها في بحرِ الظُلمات،
وكل شاهدِ عدَّله هذا المُزكَّي الصادق، وإلا فعُدَّه من أهل الرَيب والتهمات فهذا هو حدُّ هذه الهجرة.
فما للمقيمِ في مدينِة طبْعِه وعوائدِه، القاطنِ في دار ِمِرباه ومولده،
القائلِ :إنَّا على طريقة آبائنا سالكون، وإنَّا بحبلهم مُستمسكون وإنَّا على آثارهم مقتدون،
قد ألقى كلَّه - من الكَلَل - عليهم واستند في طريقة نجاته وفلاحه إليهم، معتذرًا أن رأيهم خيٌر له من رأيه لنفسِه،
وأن ظنونهم وآراءهم أوثقُ من ظنه وحدسه.
ولو فتشت عن مصدر مقصود هذه المقالة، لوجدتها صادرةً عن الإخلادِ إلى أرضِ البطالة،
مُتولدةً بين الكسل وزوجته الملالة!
......
المصدر: مفرّغٌ من كتاب " زاد المهاجر إلى ربه "



توقيع أروى آل قشلان
إن نفترق فقلوبنـا سيضمها *** بيت على سحب الإخاء كبير
وإذا المشاغل كممت أفواهنا *** فسكوتنا بين القلوب سفير
بالود نختصر المسـافة بيننا *** فالدرب بين الخافقين قصير
والبعـد حين نحب لامعنى له *** والكون حين نحب جد صغير

التعديل الأخير تم بواسطة أروى آل قشلان ; 05-02-14 الساعة 08:08 AM
أروى آل قشلان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس