فَائِدَةٌ ذكَر ابنُ بِشْر في عُنْوَانِ الْـمَجْدِ؛ أنَّ إمام الدعوةِ لَـمَّا تعاقدَ مع أميرِ الدِّرعيَّةِ مُحَمَّدِ بْنِ سُعُودٍ؛ أخذ عليه أن يُلزِمَ أهلَ الدِّرعيةِ بتعلُّم ثلاثةِ الأصُولِ.
_ وكان رحمه الله يكتُبُ إلى جميعِ النَّواحِي مِن أهلِ البُلدانِ أن يَسألُوا النَّاسَ عن هذه الأصُولِ الثَّلاثةِ في كلِّ مسجِدٍ بعدَ صلاة الصُّبْحِ أو بين العِشَاءيْنِ.
_ قال الشَّيْخُ عَبْدُ اللهِ الْعَنْقَرِيُّ في رِسَالةٍ: (وَاحرِصُوا على تعلُّمِ ثلاثَةِ الأصُولِ، فإنَّ الذي لا يَعْرِف دِينَه مِن جِنْسِ البهَائمِ)؛ وكان أهلُ العلم يَعدُّون تركَ تعَلُّمِها مِن الـمُنكرَات الوَاقعَةِ، كما قال بعضُ أئمةِ الدعوةِ النَّجديةِ في رسَالةٍ له مذكورةٍ في الدُّرَرِ السَّنِيَّةِ: (مِن الـمُنكرَاتِ الواقِعةِ: تركُ تعلُّمِ العلمِ، كثَلَاثةِ الأصُولِ).
ابْتُلِيَتِ الدَّعْوَةُ النَّجْدِيَّةُ بِطَائِفَتَيْنِ:
1 – طَائِفَةٌ جرَّدوهم مِن الانتسابِ إلى مذهب الحنَابلةِ، وسمَّوهم بالوهَّابيَّةِ؛ عَيْبًا لهم وشَيْنًا، ولم يكونُوا -رحمهم اللهُ- يدَّعُون هذا الاسمَ لهم، ولم يكُونُوا يَعرِفُون مِن هذا اللَّقبِ شَيئًا.
وليست الوَهَّابيةُ التي يُطلقُها خصُومُ الدَّعوةِ -قدِيمًا وحدِيثًا- إلَّا للتَّنفيرِ من اتباعِ الكتاب والسنةِ؛ كما قال الشَّيْخُ مُلَّا عِمْرَانَ أحَدُ علماءِ فارِسَ من إيَران:
إِنْ كَانَ تَابِعُ أَحْمَدٍ مُتَوَهِّـبًا **** فَأَنَا الْـمُقِرُّ بِأَنَّـنِي وَهَّـابِي
طَائِفَةٌ أخْرَى، وهم الذِين يُعَرُّون أئمَّة الدَّعوة مِن اتِّباع الدَّليلِ، ويَصفُونَهم بأنَّهم حنَابلةٌ مُتعصِّبُون؛ كما وقعَ في كلامِ بعْضِ الـمُتأخِّرينَ.
* فلم يكُنِ انْتِسَابُهم لـمذْهَبِ الحنَابلةِ إلَّا لجِهةِ التَّفقُّهِ به، وإذا ظهَر لهم الدَّليلُ أخَذُوهُ ولو خالَفَ الْـمَذْهبَ.
أَدِلَّةُ الِاعْتِقَادِ: الكتَابُ والسُّنةُ والإِجْماعُ؛ قالَ ابنُ الْقَيِّمِ:
وَالْعِلْمُ أَقْسَامٌ ثَلَاثٌ مَــالَـهَا **** مِـنْ رَابِـعٍ وَالْـحَـقُّ ذُو تِبْيَانِ
عِلْمٌ بِأَوْصَافِ الْإِلَهِ وَفِعْــلِـهِ **** وَكَــذَلِكَ الْأَسْـمَـاءُ لِلرَّحْمَنِ
وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ الذِي هُوَ دِينُهُ **** وَجَزَاؤُهُ يَــوْمَ الْـمَعَادِ الثَّانِـي
وَالْكُلُّ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ التِي **** جَاءَتْ عَنِ المَبْعُوثِ بِالْفُرْقَانِ
وَاللهِ مَا قَالَ امْرُؤٌ مُتَـــحَذْلِقٌ ***** بِسِـوَاهُـمَا إِلَّا مِنَ الْـهَـذَيَانِ
مِن محَاسِن العِلْمِ: تَكْرارُ جُملِه الـمُهمَّة مرَّةً بعدَ مرَّةٍ.
ذهَب جمَاعةٌ مِن أهلِ العِلْمِ إلى حَدِّ الْعِلْمِ الْوَاجِبِ: بأنَّ كلَّ ما وجَبَ العَمَلُ به؛ فتَقَدُّمُ العلمِ عليهِ واجِبٌ.
وقد ذكَرَ هذَا الْقَرَافِيُّ في الْفُرُوقِ، وابْنُ الْقَيِّمِ في مِفْتَاحِ دَارِ السَّعَادَةِ، والشَّيْخُ مُحَمَّد عَلِي بْنُ الْحُسَيْنِ في تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ.
النَّاسُ اليومِ في الولاءِ والبراءِ على ثلاثةِ أقسامٍ:
1 – طَائِفَةٌ جَافِيَةٌ مِن الـمُنْتسِبينَ على الإسلامِ، يزعمُون الولاءَ للمُؤمنِين والبَراءَ من الْـمُشْركينَ حربًا للإنسانيَّةِ ومُعَاداةً للحياةِ الـمدَنيَّةِ؛ وهؤلاءِ إمَّا مغمُوسُون في النِّفاقِ، وإمَّا مِن جُهَّال الـمُسلمِين الذينَ لا يدرُون ما يخرُجُ مِن رؤُوسِهم -وإن تعلَّمُوا القراءَةَ والكتَابةَ؛ فإنَّ الكتَابةَ شَيءٌ والعلمَ شيءٌ آخرُ-.
وإنما أُتِي هؤلاء؛ مِن اتِّباعِهم لِدِينِ الـمَغضُوبِ علَيهِم والضَّالِّينَ.
2 – طَائِفَةٌ غَالِيَةٌ؛ خرجَت بهذا الأصْلِ العظيمِ مِن الدِّيانةِ عن مَخْرجِه الذِي تُوجِبُهُ الشَّريعةُ الغرَّاءُ إلى ما تُـمْليهِ الآراءُ والأهوَاءُ، بأن يُدخِلَ العبدُ في هذه الْـمَسائلِ ما ليسَ منهَا، أو يَجعلَ ما هو منها فوقَ ما رتَّبَتْهُ الشَّريعةُ.
1 – فَمِثَالُ الْأَوَّلِ (أن يُدخِلَ العبدُ في هذه الْـمَسائلِ ما ليسَ منهَا): مَن يَزْعُم أنَّ مِن الولاءِ للمُؤمِنينَ أن لا تَتعرَّضَ لأحدٍ أخطأَ منهُم؛ وهذا مقَالٌ منقُوضٌ بما تقرَّر عندَ أهل العِلْمِ من أنَّ الردَّ على الْـمُخالِفِ مِن أهل الإسْلَام أصْلٌ مِن أصولِ الدِّينِ.
قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ: (لَـمْ يَزَلِ النَّاسُ يُخَالِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَرُدُّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ).
2 – وَمِثَالُ الثَّانِي (أن يَجعلَ ما هو منها فوقَ ما رتَّبَتْهُ الشَّريعةُ): مَن يجعَلُ مِن الولاءِ الْـمُطلَقِ للمُسْلمِين نُصْرةُ الْـمَظلُومِ من الْـمُسْلمِينَ في مُقابلِ عَدُوٍّ لغَيْرِهِ مِنَ الْـمُسْلمِين مِيثَاقٌ معه بلَا قُدرَةٍ.
3 – طَائِفَةٌ أخذَت بالولاءِ والبراءِ؛ على ما تُوجِبُه الشَّريعةُ الغرَّاءُ، لا علَى ما تُـمْليهِ الآراءُ والأهواءُ: فهُم يدِينُون للهِ بالولاءِ الْـمُطلقِ للمُؤمنينَ، والبراءِ مِن الكفرَةِ والْـمُشْركينَ، ويعْلَمُون أنَّ الْـمؤمِنينَ أولياءُ اللهِ وأحِبَّاؤهُ، وأنَّ الكافرِين هم أعداءُ الله وخصُومه وهم الحزبُ الخاسِرونَ.
إلَّا أنَّهم يَجْرُون في أمْر الولاءِ للمُؤمنِين والبرَاءِ مِن الكافِرين كمَا بيَّنتْه الشَّريعةُ، فلا يزيدُون ولا يُنقِصون في هذا البابِ إلَّا بقَدْرِ ما جاءت به الشَّريعَةُ
كلَّما كُرِّرت مسَائلُ التَّوحيدِ كان ذلك أنفَعَ للعبْدِ؛ فإنَّها تزدَادُ تحرِيرًا وبيَانًا، كما نَصَّ على هذا الـمَعْنَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ في الْقَاعِدَةِ الْـجَلِيلَةِ فِي التَّوَسُّلِ وَالْوَسِيلَةِ.
هذه بعضا من الفوائد في متن ثلاثة الاصول ذكرها شيخ شيخنا صالح بن عبدالله العصيمي وفقه الله ونفع به الائمه