عرض مشاركة واحدة
قديم 21-03-14, 03:45 PM   #2
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي




مُؤلِّفُ مَتن (القواعِد الأربع) هو الإمام مُحمد بن عبد الوهَّاب.
وُلِدَ هذا العالِم (محمد بن عبد الوَهَّاب) في بلدة العُيَيْنَة،
سنة ألفٍ ومائة وخمسة عشر، في بيتِ عِلمٍ وشَرَفٍ ودِين.
حَفِظَ القُرآنَ قبل بُلوغِهِ عَشر سنواتٍ رَحِمَه الله، ودَرَسَ الفِقهَ،
وقرأ في كُتُبِ الحديثِ والتَّفسير، وجَدَّ في طلبِ العِلمِ ليلاً ونَهارًا،
وكان مِن دُعاة الإصلاح.
ومُنذُ نُعومةِ أظفاره كان يُفكِّرُ في إصلاح أُمَّتِهِ ومُجتمعِهِ.
ولهذا عَلِمَ أنَّ الإصلاحَ لا يكونُ إلَّا بعِلم؛ فأَسَّسَ نَفْسَهُ عِلميًّا،
بل ورحل في طلبِ العِلمِ إلى نَجْد (نواحي نَجْد التي عاش فيها)،
ثُمَّ انطلق إلى مكة، ثُمَّ سار إلى المدينةِ وقرأ على عُلمائِها،
ثُمَّ انطلق إلى العِراق ودِمشق وغيرها، وإلى الشامِ يستفيدُ عِلمًا،
ويقرأ كُتُبًا، ويُؤسِّسُ نَفْسَه.

ثُمَّ بعدها رَجَعَ مُنطلِقًا بعد أن حَصَّلَ العِلمَ؛ لِيُصلِحَ أُمَّتَه.
وواجه ما واجه مِن الوقوفِ في وَجهه مِن أقربِ الناسِ إليه مِمَّن يُحيطُ به،
سَواءً مِن أُسرتِهِ أو مِن المُجتمع الذي هو فيه، ولكنْ يَسَّرَ اللهُ له ما لم يُيَسِّر لغيره،
فانطلق بعد أن اتَّفَقَ مع الإمام محمد بن سعود رَحِمَه الله،
فاتَّحَدا جميعًا على قضية الإصلاح، فذاكَ بسِلاحِهِ وسِنانِهِ،
والشيخُ- رَحِمَه اللهُ- بعِلمِهِ وبَيانِهِ، فخرجت لنا هذه الدعوةُ المُباركة؛
وهِيَ دعوةُ الشيخ محمد بن عبد الوَهَّاب رَحِمَه الله.

لا نرتضي أن نُسَمِّيها "الدَّعوة الوَهَّابية"، وكان الأَوْلَى أن تُسَمَّى "الدَّعوة المُحَمَّدِيَّة"،
فعبد الوَهَّاب لم يكن هو الدَّاعِيَة لهذه العقيدة، ولا هو الذي جاهَدَ ونافَحَ عنها.
وهذا مِن جَهل مَن يَنسِبُ الدعوةَ إلى غيره، وهذا لا شَكَّ بأنَّه مُصطلَحٌ غيرُ صحيح،
وليس عليه دليل، لا مِن عقلٍ ولا مِن أصلٍ عِلميٍّ حتى يُقالَ إنَّ الشيخَ
محمد بن عبد الوَهَّاب- رَحِمَه الله- هو الذي أَسَّسَ هذه الدعوةَ الوَهَّابيَّة.

وَوُصِمَت هذه الدَّعوة بشُبُهاتٍ، وأُلْحِقَ بها أمورٌ لسنا بِصَدَدِ الدِّفاعِ والكلامِ عنها،
حتى أصبحَ كُلُّ مَن يُنكِرُ التَّوَسُّلَ والطَّوافَ بالقُبُورِ ودُعاءَ الأمواتِ والذَّبْحَ لهم وغيرَه،
مُجرَّد أن يَنطِقَ الإنسانُ بتوجيهٍ يُقالُ عنه: "أنتَ وَهَّابِيٌّ" مُباشرةً،

بل أَعْجَبُ مِن ذلك حين يُتَرجَمُ.
تقولُ إحدى الطوائِف حين ترجمَت لشيخ الإسلام ابن تيمية:
"ويُعتَبَرُ ابنُ تيمية أحدَ الدُّعاةِ الكِبار للوَهَّابية".

والعَجَبُ: أين ابنُ تيمية- رَحِمَه الله- مِن الشيخ محمد بن عبد الوَهَّاب؟!
هذا يَدُلُّ على أنَّ التَّعَصُّبَ يُعمِي.

ولو سألتَهم: ماذا تَقصِدون بالوَهَّابية؟ وما المُرادُ بهذا المُصطلح؟
لا يعرفون إلَّا أنَّه وَصْفُ ذَمٍّ يُطلَقُ على كُلِّ مَن دَعَا إلى العقيدةِ الصحيحةِ
المُوافِقَةِ لِكِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.



وُفِّقَ شيخُ الإسلامِ محمد بن عبد الوَهَّابِ- رَحِمَه الله- لِمُؤلَّفاتٍ جميلةٍ عجيبة،
وليست غريبةً على الشيخ محمد بن عبد الوَهَّاب، فقد سار على مَنهجِ السَّلَف.
وما أحوَجَنا إلى القراءةِ في كُتُبِ السَّلَفِ المُتقدِّمةِ في مسائل الاعتقاد!

وحين تتأمَّلُ في الكُتُبِ المُتقدِّمةِ ترى أنَّها لا تَعدو عن آيةٍ وحديثٍ وعن فائدةٍ
واستنباط، ليست مُشقشقةً ولا مُلِئَت بعِلم الكلام وتعقيداتِهِ، وإنَّما تَجِدُ دليلاً
مِن كِتابٍ وسُنَّةٍ، ثُمَّ استنباط.



ومِن الَّلطائِفِ: أنَّ بعضَ العُلَماءِ كانوا في حلقاتِهم ودروسِهم رُبَّما دَعَوا
على الشيخ محمد بن عبد الوَهَّابِ، ورُبَّما نَفَّروا الناسَ منه.

وكان بعضُ الحُكماءِ والعُقلاءِ يقول: ذهبتُ إلى بعضٍ مِن هؤلاءِ العُلَماءِ
بكِتابِ التَّوحيدِ، جَرَّدتُه مِن غِلافِهِ، فطلبتُ منه أن يقرأ في الكِتابِ وأن يُقَيِّمَه ،
وبعد يومين أو ثلاثةٍ إذا هو يُثني على الكِتابِ وعلى مُؤلِّفِهِ، فيقولُ:
ليس فيه شئٌ إلَّا دليلٌ مِن كِتابٍ وسُنَّة. قال: فأعطيتُه الغِلافَ، فلَمَّا قرأ عَجِبَ،
وأصبحَ بدلاً مِن أن يَدعُوَا على الشيخ- رَحِمَه الله- يدعوا له في بدايةِ
كُلِّ درسٍ وفي نهايتِهِ.

وهذا يُعطينا- أيُّها الأحبةُ- أنَّ التَّعَصُّبَ يُعمِي عن الحَقِّ،
ورُبَّما التقليدُ لأئمةِ الضلالِ دُونَ المعرفة والبَيِّنة، هذا سَبَبٌ
للصَّدِّ عن الكِتابِ والسُّنَّة، وعَمَّا كان عليه سَلَفُ الأُمَّةِ.



كُتُبُ الشيخ محمد بن عبد الوَهَّابِ- رَحِمَه الله- تَتَمَيَّزُ بأنَّها تُوحِي عن واقعٍ
يَعيشُه، وكأنَّها مُعالَجةٌ لِمَا وُجِدَ في عصره مِن الانحرافات، ولا يعني أنَّها
لا تُناسِبُ عُصورًا جاءت بعد، وإنَّما هِيَ أُسُسٌ اعتقاديةٌ لا بُدَّ أن يتعرَّفَ
عليها المسلمُ، وأن يتعلَّمَها؛ لِتُصبِحَ عقيدتُهُ صحيحةً مُوافِقةً لِكتابِ اللهِ
ولِسُنَّةِ رسولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.



مِن أعظمِ كُتُبِه: (كِتابُ التَّوحيد)؛ ذلك الكِتابُ العظيمُ الذي سار على طريقةِ
السَّلَفِ في التأسيس، مُجَرَّد أن يَذكرَ البابَ مُستنبِطًا، كطريقةِ الإمام البُخاريِّ-
رَحِمَه الله- حين يَستنبِط مسائلَ الفِقه والأحكام، فيُصَدِّرَها في بِدايةِ أحاديثِ النبيِّ-
صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- بالأبواب، ثُمَّ كان الشيخُ- رَحِمَه الله- يَسرِدُ بعد ذلك آيةً
أو حديثًا، ثُمَّ يَذكُرُ المسائلَ، وهذه المسائلُ هِيَ لُبُّ الكِتاب، وهِيَ الاستنباطاتُ
مِن الآياتِ والأحاديثِ التي ذكرها المُؤلِّفُ.

كثيرٌ من الناس- أيُّها الأحِبَّةُ- يقرأون (كتابَ التَّوحيد)، ويَنسون أن يقرأوا
المسائلَ التي بعدها، ويحفظون (كتاب التَّوحيد) ولا يُريدون أن يَحفظوا
تلك المسائل، نعتبِرُ ذلك جَهلاً منهم، فالأَوْلَى أن تُقرأ هذه المسائلُ وتُربَطَ
بالآيةِ والحديث؛ حتى يَعلمَ الإنسانُ كيف استنبطَ الشيخُ- رَحِمَه اللهُ
تعالى- هذه الفوائِدَ والدُّرَر مِمَّا ذَكَرَه من النصوص الشرعية.



وله كُتُبٌ مُتعدِّدة، مِنها: "كَشْفُ الشُّبُهات"، و "مُختصَر الكبائِر"،
و "ثلاثة الأصول"، و "مُختصَر زاد المَعاد"، و "مُختصَر سِيرة النبيِّ
صلَّى الله عليه وسلَّم"، وغيرها من كُتب، وله فتاوى.



تُوفِّيَ- رَحِمَه الله- بعد أن قام بجِهادٍ عَجيبٍ، وبذلٍ وتضحيةٍ،
وتعرَّضَ للقَتل مِرارًا رَحِمَه الله. تُوفِّيَ عام ألفٍ ومائتين وسِتَّةٍ مِن الهِجرة،
رَحِمَه الله رحمةً واسعة، وغَفَر اللهُ له، وجَمعنا وإيَّاكم وإيَّاه في جَنَّاتِ عَدْنٍ.



توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس