عرض مشاركة واحدة
قديم 21-03-14, 04:03 PM   #9
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
افتراضي



العِبادةُ في اللغة: هِيَ الذُّلُّ والخُضُوعُ.

ومِن هُنا قيل: طريقٌ مُعبَّد؛ يعني: طريقٌ مُذلَّل.

وفي الاصطلاح لها تعريفان:
التعريفُ الأولُ ذَكَرَه شيخُ الإسلام ابن تيمية
رَحِمَه الله:
‹‹ كمالُ الذُّلِّ مع كمال المَحبَّة ››.


والتعريفُ الثاني كذلك ذَكَرَه شيخُ الإسلام:

‹‹ أنَّها اسمٌ جامِعٌ لِكُلِّ ما يُحِبُّه اللهُ ويَرضاه ››.
وجاءت "كُلّ" لتشملَ كُلَّ ما أمر اللهُ تعالى به،
وما يأمُرُ اللهُ به هو الذي يُحِبُّه سُبحانه وتعالى ويَرضاه.
‹‹ اسمٌ جامِعٌ لِكُلِّ ما يُحِبُّه اللهُ ويَرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ››.

والشيءُ الظاهِر: كالصَّلاة، والَّلفظ (التسبيح والتهليل والدُّعاء والتعليم).

وبالنسبةِ للأفعال: الركوع، والسجود، والطواف، والجِهاد، وتعليم العِلم،
والسَّفر في طلب العِلم.

قالوا: إنَّ الأقوالَ الباطنة هِيَ النيَّات.

والأعمال الباطنة قالوا: هِيَ أعمالُ القلوب.
ويُقصَدُ بأعمال القلوب هُنا:
المَحبَّة والخَوف والرَّجاء والتَّوكُّل.



يقولُ العُلماء: العُبوديَّةُ للهِ تعالى ليس الناسُ فيها سَواسية، بل هم درجات.


ثُمَّ يقولُ العُلماءُ رَحِمَهم اللهُ تعالى: إنَّ العُبوديَّةَ تنقسِمُ في أصلِها إلى قِسمين:

عُبوديَّة خاصَّة: وهِيَ التي تكونُ لأهل الإيمان،
وعُبوديَّة عامَّة: وهِيَ التي يدخلُ فيها الخَلْقُ كُلُّهم.

العُبوديَّة الخاصَّة كما في قول الله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ

عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾ الفرقان/63، ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ﴾ الأنبياء/26،
﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ ﴾ الجن/19، ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ الإسراء/1.
هذه عُبوديَّةٌ خاصَّة، وهِيَ تشريفٌ من اللهِ تعالى للعَبدِ أن يُعطيَه اللهُ هذه العُبوديَّة.

ولهذا مَن كان عَبدًا للهِ، فإنَّ اللهَ يَرفَعُ منازلَه دُنيا وآخِرة.


أمَّا العُبوديَّة العامَّة فيدخُل فيها المُسلِم والكافِر.

واللهُ قال في كتابه: ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ
عَبْدًا ﴾
مريم/93.


هل يَخرجُ أحدٌ عن العُبوديَّةِ العامَّة؟ عن التَّصريفِ والمُلكِ والقَهر والتَّدبير؟

ما يَخرُج أحدٌ عنها. حتى الكافِر ما يستطيعُ أن يتصرَّفَ من نَفسِه،
لا يستطيعُ أن يَرزُقَ نفسَه، ولا أن يُحييَ نَفسَه، ولا أن يَشفِيَ نَفسَه،
ولا أن يُعطِيَ نَفسَه شيئًا، بل كُلُّ ذلك للهِ وَحدَه لا شريكَ له.



ذَكَرَ العُلَماءُ هُنا في مسألة "العَبوديَّة" أنَّ أشرفَ ما يُطلَقُ على الإنسان
أنَّه " عَبدٌ" .


وإذا اعترفَ الإنسانُ بالعُبوديَّةِ، رَفَعَهُ اللهُ تعالى بها.

بل كُلَّما حَقَّقَ العُبوديَّةَ للهِ تعالى، فإنَّ له منازلَ دُنيا وآخِرة.

ولهذا مُحمدٌ- صلَّى الله عليه وسلَّم- أليس هو أفضلُ الخَلْقِ على الإطلاق؟

بلَى، ومع ذلك وَصَفَه اللهُ بأنَّه عَبْدٌ، ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ﴾ الإسراء/1.



في قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ الذاريات/56.

لا شَكَّ بأنَّ هذا هو الهَدف مِن خَلْقِ العِباد.



يقولُ العُلماءُ: إنَّ الأنبياءَ- عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ- جميعًا دَعَوا إلى عِبادةِ اللهِ
وَحدَه، ﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾
الأعراف/85، ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾ الأعراف/73.

محمد- صلَّى الله عليه وسلَّم- دَعَا إلى العُبوديَّة.

مِن عَهدِ آدم إلى
قيام السَّاعةِ والناسُ يُطالَبون بالعُبوديَّةِ للهِ تعالى.
ولكنْ تلك العُبوديَّة يَجِبُ
أن تُفهَمَ بمفهومِها الواسِع، ليس بمفهومها
الضَّيِّق الذي يَعيشُه الناسُ في واقعنا.


الناسُ يقولون: أهَمُّ شيءٍ الصَّلاة، وكأنَّنا لا نعرفُ العُبوديَّةَ إلَّا في المَسجد

وإذا أذَّنَ المُؤذِّنُ. ولكنْ بمفهومها الشامِل يأتينا المفهوم العامُ المطلَق.
أنتَ يَجِبُ أن تكونَ عَبدًا للهِ بسَمعِكَ، عَبدًا للهِ ببَصرِكَ، عَبدًا للهِ بلِسانِكَ،
عَبدًا للهِ بجَوارِحِكَ، بل بكُلِّ شيءٍ عندكَ يَجِبُ أن تكونَ عَبدًا للهِ تعالى.

وإذا عِشنا هذا المفهومَ العام للعُبوديَّةِ، ستجِدُكَ في بيتِكَ أنتَ عَبدًا للهِ تعالى،

في غُرفتِكَ التي تنامُ فيها أنتَ عَبدًا للهِ تعالى، في سُوقِكَ، في سَفَرِكَ،
في حَضَرِكَ،
في صِحَّتِكَ، في مَرَضِكَ، ما تخرُج عن مفهوم العُبوديَّةِ
إطلاقًا.






توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس