|تواصي بالحق والصبر| مسؤولة الأقسـام العامة
|
• القاعِـدةُ الرَّابِعـة:
المُقارنةُ بين مُشركي زمن المُؤلِّف وزمننا وبين المُشركين في الأُمَم السابقة.
والمُؤلِّفُ- رَحِمَه الله تعالى- لم يَقصِد الحَصرَ في الفرق بينهما. ولهذا قال:
[ أنَّ مُشركي زماننا أغلظُ شِركًا مِن الأوَّلِين ] ، فذكر سببًا واحدًا؛ لأنَّ الأوَّلين
يُشركون في الرَّخاءِ، أمَّا في حال الشَّدائد، فإنَّهم يلَجئون إلى اللهِ مُباشرةً.
والسَّابقونَ الأوَّلون إذا أصابتهم المصائِبُ- مِن حوادِث، ومِن بلاءٍ، ومِن غَرَقٍ،
ومِن أمراضٍ، ومِن غيرها- فتلقائيًّا يَرجعون إلى الله. والدَّليلُ على ذلك ما ذَكَرَه
الله تعالى في كتابه: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾
العنكبوت/65، كأنَّهم في حال الفُلكِ الأمواجُ تتلاطَمُ بهم، والمياه من تحتهم،
وليس ثَمَّةَ طُرُقٌ للنَّجاة، فهُنا يلجأون إلى الله مُباشرةً، ﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ ﴾
العنكبوت/65. ويُفهَمُ منه أنَّ مَن يكونُ على اليابسةِ آمَنُ مِمَّن يكونُ في وَسَطِ
البحر، فإنَّ البِحارَ ليس كُلٌّ يستطيعُ السِّباحةَ، وحتى لو استطاع السِّباحةَ، فإنَّه
رُبَّما تخطَّفته الأسماكُ، ورُبَّما ما استطاعَ أن يَصِلَ إلى بَرِّ الأمان أصلاً، فقد
يَسبَحُ مُدَّةَ ساعة وساعتين ورُبَّما أربع، لكنْ بَعدَها ينقطِعُ به الأملُ فيَغرق.
ولهذا يَدعون الله وَحدَه لا شريكَ له دُونَ غيره، فيتركون آلِهتَهم التي كانوا
يعبدون من أشجارٍ وأحجارٍ وغيرها.
ثُمَّ قال: [ ومُشركو زماننا شِركُهم دائمًا في الرَّخاءِ والشِّدَّة ].
ومِن الفرق كذلك عِندنا: أنَّ مُشركي زماننا عِندهم مِن العِلم ما لم يكُن عند
المُشركين السابقين. فالسابقون وقعوا في الشِّركِ وهم على جَهل، أمَّا مُشركو
زماننا يُوجَدُ الشخصُ مُشركًا وتخصُّصُه شرعيٌّ، ويَحمِلُ شهاداتٍ عالية.

|