عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-14, 08:20 PM   #59
رقية مبارك بوداني
|تواصي بالحق والصبر|
مسؤولة الأقسـام العامة
Star

وكذلك كان (( ابن الجوزي )) رحمه الله تعالى فقد ذكر في مشيخته أنه سمع من ثلاث نسوة، وأورد بسنده ثلاثة أحاديث عن كل واحدة منهن حديثاً:

الأولى: فاطمة بنت محمد بن الحسين بن فضلويه الرازي البزاز .
قال عنها : كانت شيختنا فاطمة واعظة متعبدة، لها رباط تجتمع فيه الزاهدات، سمعت أبا جعفر بن المسلمة، وأبا بكر الخطيب وغيرهما، وتوفيت في ربيع الأول من سنة إحدى وعشرين وخمسة مئة .
الثانية: فاطمة بنت أبي حكيم عبدالله بن إبراهيم الخبري.
قال عنها: كانت شيختنا هذه خالة شيخنا أبي الفضل بن ناصر، وكانت خيرة، وتوفيت في رجب سنة أربع وثلاثين وخمس مئة .
والأخيرة: شهدة بنت أحمد بن الفرج بن عمر الإبري، قال : (( سمعت شهدة من بن جعفر بن السراج وطراد وغيرهما، وكان لها خط حسن، وعاشت مخالطة لدار الخلافة، وكان لها بر ومعروف وقاربت المئة، وتوفيت في محرم سنة أربع وسبعين وخمس مئة، ودفنت بمقبرة باب بيرز )).
فالنساء تميزن في التاريخ الإسلامي بالعلم وتعليم الناس، حتى قال الإمام الشوكاني مادحاً النساء العالمات والمحدثات: إنه لم ينقل عن أحد من العلماء بأنه رد خبر امرأة لكونها امرأة، فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة، وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة .
بل إن العجب في الأمر أن الإمام الذهبي رحمه الله كان يتحسر على عدم لقيا العالمة الجليلة
(( أم محمد سيدة بنت موسى بن عثمان المارانية المصرية ( المتوفاة سنة 695 هـ )قال رحمه الله تعالى في ترجمتها: (( وقد رحلت إلى لقياها، فماتت وأنا بفلسطين في رجب سنة خمس وتسعين وست مئة ))، وقال أيضاً: (( كنت أتلف على لقياها، ورحلت على مصر وعلمي أنها باقية، فدخلت فوجدتها قد ماتت من عشرة أيام، توفيت يوم الجمعة سادس رجب وأنا بوادي فحمة )) .
أما بالنسبة للامام البخاري رحمه الله :الذي يظهر بعد البحث على عجل : أن الإمام البخاري – رحمه الله تعالى - لم يتتلمذ على امرأة ، ولكن لا مانع من وجود ذلك وتصوره عقلاً وشرعاً وواقعاً .

وإنما الكلام عن الثبوت ، ومن المعلوم والمقرر أنه لا يثبت شيءٌ – من أمور الشرع أو التاريخ أو اللغة أو عموم العلوم - إلا إذا قام عليه الدليل .

أما كريمة المذكورة ، فهي : كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية ، وتكنى بأم الكرام ، وهي متأخرة عن البخاري جداً ، فمحال أن يكون البخاري تتلمذ عليها ، أو تتلمذت عليه .

وقد كانت كريمة هذه من المحدثات الشهيرات ، بل هي من شهيرات النساء عموماً ،

وتلقى عنها الحديثَ جماعةٌ من الأعلام الكبار ، منهم :

1- الحافظ الخطيب البغدادي ، صاحب تاريخ بغداد ، وإمام علوم الحديث ، والذي قيل عنه : كل من جاء بعده فهو عيال على كتبه في علوم الحديث .
2- أبو عبد الله محمد بن نصر ، الحميدي .
3- أبو المحاسن المصري ، المؤرخ المعروف .
4- الحافظ السمعاني ، المحدث والنسابة المشهور .
5- الحافظ أبو طالب الحسين بن محمد الزينبي .
وغيرهم كثير ...

وقد كانت مجاورة بمكة ، واشتهرت برواية وتدريس صحيح البخاري ، وأخذه عنها جماعة من الأعلام ، وكانت ذا فهم ونباهة ، قيل : توفيت عن نحو مئة سنة ، ولم تتزوج قط .

توفيت كريمة المروزية ( رحمها الله تعالى ) سنة ( 463 ) ، كما ترجم لها الحافظ ابن الجوزي في وفيات هذه السنة من تاريخه (( المنتظم في تاريخ الملوك والأمم )) ، [ 8 : 270 ] .
وكذا ترجم لها مؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي في وفيات هذه السنة من كتابه (( العبر في خبر مَن غبر )) ، [ 3 : 254 ] .

وقد ترجم لها جماعة من المؤرخين ، منهم : ابن الأثير في الكامل ، وابن الجوزي في المنتظم ، والذهبي في السير ، وفي العبر ، وابن كثير في البداية والنهاية ، وابن العماد في شذرات الذهب ، والزركلي في الأعلام ، وغيرهم .


وهي قطعاً ليست من شيوخ البخاري ، بل هي من تلامذة تلامذة تلاميذ البخاري ، وقد روت الصحيح عن أبي الهيثم محمد بن المكي الكُشْمِيهني ، وغيره ، وبينها وبين البخاري أكثر من مائة عام ، فقد توفي البخاري رحمه الله في منتصف القرن الثالث سنة ( 256 ) ، وولدت كريمة المروزية بعد منتصف القرن الرابع سنة ( 363 ) ، وتوفيت بعد منتصف القرن الخامس سنة ( 463 ) .


والذي يظهر أن سبب الوهم في كون البخاري أخذ عنها أنها اشتهرت برواية صحيحه وإسماعه ، فارتبط اسمها باسم صحيح البخاري ، فلا يكاد أحد يترجم لها إلا أشار إلى ذلك ، ثم انتقل ذهن من توهم المشيخة بينهما إلى الربط الذهني بينها وبين البخاري ، فتوهما من مشايخه . والله أعلم .


ونظير هذا الوهم في كون كريمة المروزية شيخةً للإمام البخاري ما وقع فيه بعض من قام بتحقيق : طبقات الحفاظ للذهبي ، وطبقات الحفاظ للسيوطي ، وذلك حينما أورد في الفهارس المحدثة كريمة على أنها شيخةٌ للإمام أبي شامة المقدسي ، وهو من علماء القرن السابع ، ذكر هذا المحقق : أنها كريمة بنت أحمد المروزية ، ولعل ذلك لشهرتها .

والصواب أنها كريمة أخرى ، وهي : كريمة بنت عبد الوهاب الشامية ، التي ترجم لها الذهبي نفسه في تذكرة الحفاظ ، حيث أوردها في وفيات سنة ( 641 ) ، وقال [ 4 : 1434 ] : (( وفيها ماتت مسندة الشام ، أم الفضل ، كريمة بنت المحدث عبد الوهاب بن علي بن الخضر ، القرشية ، الزبيدية ، توفيت سنة ( 641 ) ، عن ( 95 ) سنة )) .

وقد ولد الإمام أبو شامة ( وهو : عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم ) سنة ( 599 ) ، وتوفي سنة ( 665 ) ، فكيف يسمع من كريمة المروزية مع أنها توفيت قبله بنحو قرن ونصف سنة ( 463 ) ؟*

ولكريمة المروزية والشامية نظائر كثيرات من النساء العالمات المحدثات في القرون الأولى ، بل وفي القرون المتأخرة ممن قمن بتدريس العلوم ، ولا سيما علم الحديث ...
ومن العلماء الكبار الذين أخذوا العلم – ولا سيما الحديث والرواية - عن بعض النساء : الإمام الزهري ، والإمام مالك بن أنس ، والإمام أحمد ، وأبو يعلى الفراء .
وكذا : أبو سعد السمعاني ، وابن عساكر ، وأبو طاهر السِّلَفي ، وابن الجوزي ، والمنذري ، وابن القيم ، والذهبي ، وابن حجر . رحمهم الله تعالى ...

وفي هذا المثال أو هذين المثالين حث للأخوات الكريمات على طلب العلم ، والصبر على تحصيله ، والحرص على نفع الناس به ، ولا سيما في هذا العصر الذي- مع كثرة الملهيات فيه - تنوعت فيه سبل طلب العلم ، وتعددت وسائل نشره بما يفوق الخيال ، وقد أقام الله بذلك الحجة على عباده ، وقطع عنهم المحجة ، فلله الحمد والشكر والمنة والثناء الحسن ، ونسأله المزيد من فضله وتيسيره (( وقل رب زدني علما )) .


وأختم بسباق ترجمة العالمة كريمة المروزية من الكتاب العظيم (( سير أعلام النبلاء )) ، لمؤرخ الإسلام الحافظ الذهبي ، قال ( رحمه الله تعالى ) :

(( الشيخة ، العالمة ، الفاضلة ، المسنِدة ، أم الكرام ، كريمة بنت أحمد ابن محمد بن حاتم ، المروزية ، المجاورة بحرم الله .

سمعت من : أبي الهيثم الكشميهني صحيح البخاري ، وسمعت من زاهر بن أحمد السرخسي ، وعبد الله بن يوسف بن بامويه الأصبهاني .

وكانت إذا روت قابلت بأصلها .

ولها فهم ومعرفة مع الخير والتعبد .

روت الصحيح مرات كثيرة ، مرة بقراءة أبي بكر الخطيب في أيام الموسم .

وماتت بكرا لم تتزوج أبدا .

حدث عنها : الخطيب ، وأبو الغنائم النرسي ، وأبو طالب الحسين بن محمد الزينبي ، ومحمد بن بركات السعيدي ، وعلي بن الحسين الفراء ، وعبدالله بن محمد بن صدقة بن الغزال ، وأبو القاسم علي بن إبراهيم النسيب ، وأبو المظفر منصور بن السمعاني ، وآخرون .

قال أبو الغنائم النرسي : أخرجت كريمة إليَّ النسخة بالصحيح ، فقعدت بحذائها ، وكتبت سبعَ أوراق وقرأتها ، وكنت أريد أن أعارض وحدي فقالت : لا ، حتى تعارض معي فعارضت معها . قال : وقرأت عليها من حديث زاهر .

وقال أبو بكر بن منصور السمعاني : سمعت الوالد يذكر كريمة ، ويقول : وهل رأى إنسان مثل كريمة .

قال أبو بكر : وسمعت بنت أخي كريمة تقول : لم تتزوج كريمة قط ، وكان أبوها من كشميهن ، وأمها من أولاد السياري ، وخرج بها أبوها إلى بيت المقدس ، وعاد بها إلى مكة ، وكانت قد بلغت المئة .

قال ابن نقطة : نقلت وفاتها من خط ابن ناصر سنة خمس وستين وأربع مئة .
قلت [ الذهبي ] : الصحيح موتها في سنة ثلاث وستين .

قال هبة الله بن الأكفاني : سنة ثلاث .

حدثني عبد العزيز بن علي الصوفي قال : سمعت بمكة من مخبر بأن كريمة توفيت في شهور هذه السنة .

وقال أبو جعفر محمد بن علي الهمداني : حججت سنة ثلاث وستين فنُعيت إلينا كريمة في الطريق ولم أدركها )) . انتهى .





توقيع رقية مبارك بوداني

الحمد لله أن رزقتني عمرة هذا العام ،فاللهم ارزقني حجة ، اللهم لا تحرمني فضلك ، وارزقني من حيث لا أحتسب ..


رقية مبارك بوداني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس