عرض مشاركة واحدة
قديم 13-08-14, 11:59 PM   #4
أروى آل قشلان
|تواصي بالحق والصبر|
افتراضي

الوصية الثانية:

أن الابتلاء سنة من سنن الله الكونية التي لا تتغير ولا تتبدل، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل،
ويبتلى المرء على قدر دينه؛ فإن وجد في دينه رقة خُفِّف عنه، وإن وجد في دينه قوة شُدِّد عليه.
فالبلاء لا يسلم منه أحد، فمن بلاء للعبد مع نيته وقلبه الذي يتقلب عليه، ومن بلاء في الأهل والولد، ومن بلاء في الجار والصاحب، ومن بلاء في الخصوم وأعداء الحق،
فلا يخلو عبد من بلاء، كيف لا؛ والله يقول (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ).
(وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)
انظر كيف ختمت الآية بهذين الاسمين العظيمين لله الذين لو استشعرهما العبد لوجد المخرج من بلاء الناس والمعارضين لما معه من حق.
فكل من سار على نهج النبي صلى الله عليه وسلم لا بد وأن يناله شيء مما ناله من الأذى في سبيل تبليغ الدعوة،
وهذا البلاء ليتبين الصادق في إخلاصه لله تعالى من ضعيف الإخلاص قاصر العزم، فمن ذا الذي جاء بالدعوة الصافية إلى الله ولم يجد معارضة من الناس ومحاربة له،
فلتعلم (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
فلا تكن ممن يخوفه الشيطان من أولئك الذين صاروا من جنوده وأعوانه، بل كن من الذين إذا قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم زادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ،
فإنه لا يلبث أن تنقلب بنعمة من الله وفضل لم يمسسك سوء.

كن ذا عزيمة كأسوتك من الرسل وقل لكل من ناوأك لدعوتك (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ . إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ).
ولا يحزنك معارضة سفيه، ولا يوهن عزمك قول جاهل، ولا يقلل من نشاطك ذم الناس، وإعراض من أعرض عنك، فإن عليك أن تسعى وليس عليك إدراك النجاح.
عليك أن تبذر حَبَّ الهدى في قلوبهم بصدقك في دعوتك على قدر وسعك وطاقتك، وليس عليك أن تنبت فـ(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).
وليكن أعظم همك كيف يرضى الله عنك، وكيف يراك على ما يحب وحيث يحب، وأن يطلع على صدق قلبك في إرادة النفع للناس، وعلى إخلاصك لوجه الله في دعوتهم، لا تريد منهم جزاء ولا شكورا..
أما إن رأيت نفسك تخبو حين تسمع ذمهم، وترى قبيح صنيعهم وقد ابتلاك الله بهم لينظر ما أنت صانع
فاتهم نيتك، وراجع نفسك، فإن الصادق لا يحركه مدح مادح، ولا يوقفه ذم شانئ.
وإن رأيت أسباب طاعة قد فُتحت لك ثم وجدت نفسك تتكاسل فاخش أن تكون ممن
(كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ)

انظر إلى التاريخ بصدق هل تجد داعية سار على النهج القويم فوجد الدرب مفروشا وردا في أول دعوته؟
أم تجد أنه ابتلي ببلاء عظيم ثم لما اقتحم عقبته مكن الله له في الأرض، وأقبل بقلوب خلقه إليه؟؟
انظر لابن تيمية كم عذبوه وسجنوه حتى مات في سجنه، وكيف كتب الله له من القبول في الأرض بعد صبره
.
وهذا الإمام أحمد الذي منع من التحديث وسجنوه وآذوه لكنه صبر فرزق التمكين
.
ألم تعلم أن البخاري قد فتن كذلك حتى انفض كل طلابه وأعوانه ولم يبق له إلا ثلاثة منهم الإمام مسلم؟
فكن على يقين أنها سنة ماضية ،واعتبر، وانتظر الفرج، فإنك إن صبرت وأخلصت اللجأ إلى الله سيمكن لك ولابد،
وسينفع بك من أراد الله هدايته، وإن أعرضت وانهزمت فبئس حامل القرآن أنت إن أتي الإسلام من قِبلك، بل حينها اعلم أنك لا تضر إلا نفسك،
وإن الله ناصر دينه بمن هو خير منك، فالدين منصور بك أو بغيرك، لكن لك الشرف أن تكون في ركب من نصر.







توقيع أروى آل قشلان
إن نفترق فقلوبنـا سيضمها *** بيت على سحب الإخاء كبير
وإذا المشاغل كممت أفواهنا *** فسكوتنا بين القلوب سفير
بالود نختصر المسـافة بيننا *** فالدرب بين الخافقين قصير
والبعـد حين نحب لامعنى له *** والكون حين نحب جد صغير

التعديل الأخير تم بواسطة أروى آل قشلان ; 14-08-14 الساعة 12:13 AM
أروى آل قشلان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس