- حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ, فَقَالَ: « لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ, وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً, فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً »(7) .
- « فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَلِعَامِنَا هَذَا, أَمْ لِأَبَدٍ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى, وَقَالَ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ - مَرَّتَيْنِ - لَا, بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ »(8) .
- وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ, وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ, فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا, فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا, قَالَ: فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ:
فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ لِلَّذِي صَنَعَتْ, مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا ذَكَرَتْ عَنْهُ, فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ عَلَيْهَا, فَقَالَ:
« صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟" قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ. قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحِلَّ »(9) .
- قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ, وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِائَةً.
- قَالَ:
فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ, وَقَصَّرُوا, إِلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ.
- فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى.
- فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ.
- وَرَكِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ, وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ,
- ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ,
- وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مَنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ, كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ, فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ, فَنَزَلَ بِهَا,
- حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ,
- فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي - فَخَطَبَ النَّاسَ: وَقَالَ:
« إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ, كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا, فِي شَهْرِكُمْ هَذَا, فِي بَلَدِكُمْ هَذَا,
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ, وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ, وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا:
دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ -
كَ
انَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ -,
وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ, وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ مِنْ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ, فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ,
فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ, فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ, وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ, وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ,
فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ, وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللَّهِ
.
وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي, فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ, وَأَدَّيْتَ, وَنَصَحْتَ, فَقَالَ بِإِصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ, اللَّهُمَّ اشْهَدْ, ثَلَاثَ مَرَّاتٍ »(10) .
- ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ, ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ, ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ,
- وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا.
- ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ,
- فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ, وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ,
- فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ, وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ,
- وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ خَلْفَهُ, وَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ
- وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: « أَيُّهَا النَّاسُ, السَّكِينَةَ, السَّكِينَةَ »(11) كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ,
- حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ,
- فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ ,
- وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا,
- ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ
- وَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ,
- ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ,
- فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ,
- فَدَعَاهُ, وَكَبَّرَهُ, وَهَلَّلَهُ, وَوَحَّدَهُ,
- فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا,
- فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ,
- وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ.... حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ فَحَرَّكَ قَلِيلًا,
- ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى,
- حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ
- يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا,
- مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ,
- رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي,
- ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ,
- فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ,
- ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ, وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ,
- ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ, فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ, وَطُبِخَتْ, فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا, وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا.
- ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ
- فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ,
- فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ, يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ, فَقَالَ: « انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ, فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ, فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ »(12) رَوَاهُ مُسْلِمٌ .