حكم تزكية النفس:
ذهب الغزالي رحمه الله إلى أنها فرض عين على كل مؤمن ولو لم يكن متحلياً بالأخلاق الذميمة، فيلزم كل أحد أن يتعلم أمراض القلب وكيفية تطهيرها.
وذهب الجمهور إلى أنه ليس فرض عين إلا في حق من تحقق أو ظن وجود مرض من الأمراض فيه، فيلزمه حينئذ تعلم سبل علاج ذلك المرض، وقالوا إن تعلم أمراض القلوب فرض كفاية على الأمة عامة وليس فرض عين على كل أحد، وقد استند الغزالي في رأيه هذا إلى أن الأصل عنده في الإنسان هو وجود هذه الأمراض وليس السلامة منها، واستدل على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر قد شق الله صدره مرتين وأخرج منه المضغة السوداء التي هي محل هذه الأمراض في الإنسان، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم احتاج إلى ذلك فغيره من باب أولى، واستدل الجمهور بأن الأصل في الإنسان السلامة من هذه الأمراض لقول الله تعالى: "فطرة الله التي فطر الناس عليها" وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة).
وأدلة الجمهور أوجه وأقوى كما ترى.
ولكن قد جمع الشيخ محمد الحسن – حفظه الله – بين هذه الأدلة بأن حمل دليل الغزالي على أن الذي في عامة بني آدم هو القابلية لهذه الأمراض لا وجودها، وبالتالي يكون الشق بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم ليس علاجاً لمرض موجود وإنما هو منع للقابلية، فهو العصمة التي لا يمكن أن يحل بعدها شيء من هذه الأمراض(7).
أهمية تزكية النفس للإنسان:
والتزكية مهمة للإنسان من عدة أوجه :
1 – أن الله عز وجل – وهو الحق وقوله الصدق – أقسم في كتابه أحد عشر قسماً على فلاح من زكى نفسه وعلى خسران من أهمل ذلك، قال تعالى: "والشمس وضحاها..".
2 – أن النفس من أشد أعداء الإنسان الداخليين لأنها تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، وسائر أمراض القلب إنما تنشأ من جانبها، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من شرها كثيراً، كما في خطبة الحاجة(8) وكما في حديث أبي هريرة عند ابن أبي حاتم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "فألهمها فجورها وتقواها" فقال: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها" وفي المسند والترمذي أنه صلى الله عليه وسلم علم حصين بن عبيد أن يقول "اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي".
قال ابن القيم رحمه الله: وقد اتفق السالكون على اختلاف طرقهم وتباين سلوكهم على أن النفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الرب، وأنه لا يدخل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها والظفر بها(9).
قال بعض العارفين : انتهى سفر الطالبين إلى الظفر بأنفسهم(10).
3 – أن التزكية طريق الجنة، قال الله تعالى: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" فهي إذن شرط لدخول الجنة.
|