المفتاح الرابع / أن تكون القراءة في ليل :
إن الليل _ وخاصة وقت السَّحَر _من أفضل لأوقات للتذكر , فالذاكرة تكون في أعلى مستوى بسبب الهدوء والصفاء , وبسبب بركة الوقت حيث النزول الإلهي ...
ومما يدل على كون القراءة في ليل أحد مفاتيح التدبرقول الله عز وجل:{ ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقامًا محمودًا } (الإسراء : 79)
وقوله تعالى : { إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا}(المزمل : 6)
قال الشيخ عطيه سالم - رحمه الله- حاكيًا عن شيخه الشنقيطي -رحمه الله- :
" وقد سمعت الشيخ يقول : لا يثبت القرآن في الصدر , ولا يسهل حفظه , وييسر فهمه إلا القيام به في جوف الليل" ,
وقال السري السقطي –رحمه الله- : ( رأيت الفوائد ترد في ظلام الليل )
وقال النووي –رحمه الله- : ( ينبغي للمرء أن يكون اعتناؤه بقراءة القرآن في الليل أكثر , وفي صلاة الليل أكثر , والأحاديث والآثار في هذا كثيرة وإنما رجحت صلاة الليل وقراءته لكونها أجمع للقلب وأبعد عن الشاغلات والملهيات والتصرف في الحاجات, وأصون عن الرياء وغيره من المحبطات مع ما جاء به الشرع من إيجاد الخيرات في الليل فإن الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم كان ليلاً )
المفتاح الخامس / التكرار الأسبوعي للقرآن أو بعضه :
المسألة الأولى : أهمية تحزيب القرآن والمحافظة عليه :
كلما تقاربت أوقات القراءة وكلما كثر التكرار كان أقوى في رسوخ معاني القرآن الكريم , ومن أجل ذلك كان السلف يواظبون على قراءة القرآن ويحرصون أكثر على كثر تلاوته وتكرارها ...
إن عادات النجاح ليست سبعًا ولا عشرًا بل هي عادة واحدة وهي : المحافظة على قراءة حزبك من القرآن , بل هي عبادة وليست عادة...
المسألة الثانية : كيفية تحزيب القرآن ومدة الختم:
قراءة القرآن مثل العلاج لابد أن يكون بمقدار معين لايزيد ولا ينقص حتى يحدث أثره مثل المضاد الحيوي إن طالت المدة ضعف أثره وأن تقارب أكثر من المناسب أضر بالبدن فكذلك قراءة القرآن...
المسألة الثالثة : كيفية تطبيق هذا المفتاح :
القيام بالقرآن كاملاً في كل أسبوع يحتاج للوصول إليه التدرج والتدريب شيئًا فشيئًا ومن ذلك تطبيق قاعدة: ( أدومه وإن قل ) ..
المفتاح السادس / أن تكون القراءة حفظاً :
أهمية هذا المفتاح :
إن مثل الحافظ للقرآن وغير الحافظ , مثل اثنين في سفر.
الأول زاده التمر , والآخر زاده الدقيق , فالأول يأكل متى شاء وهو على راحلته, والثاني لابد له من نزول وعجن وإيقاد نار وخبز وانتظار نضج .
والعلم مثل الدواء لا يؤثر حتى يدخل الجوف ويختلط بالدم , وان لم يكن كذلك فإن أثره مؤقت.. .
عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب)
وقال ابن تيمية- رحمه الله : " أنا جنتي وبستاني في صدري أنّى رحت فهي معي " وهو يريد بذلك القرآن والسنة .. .
وقال سهل بن عبد الله –رحمه الله- لأحد طلابه : أتحفظ القرآن ؟ قال : لا . قال : واغوثاه لمؤمن لا يحفظ القرآن ! فبم يترنم ! فبم يتنعم ! فبم يناجي ربه! )
وهذا المقصود من كون الحفظ احد مفاتيح التدبر لأنه متى كانت الآية محفوظة فتكون حاضرة...
المفتاح السابع / تكرار الآيـات :
إن الهدف من التكرار هو التوقف لاستحضار المعاني , وكلما كثر التكرار كلما زادت المعاني التي تفهم من النص , والتكرار أيضاً قد يحصل لا إرادياً تعظيماً أو إعجاباً بما قرأ ,وهذا مشاهد في واقع الناس...
التكرار : نتيجة وثمرة الفهم والتدبر وهو أيضاً وسيلة إليه حينما لا يوجد , قال ابن مسعود -رضي الله عنه- : ( لا تهذوه هذ الشعر ولا تنثروه نثر الدقل , قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب , ولا يكن هم حدكم آخر السورة )
المفتاح الثامن / ربط الألفاظ بالمعاني :
المسألة الأولى : مفهوم هذا المفتاح :
أي حفظ المعاني , وهو أيضاً ربط الآية بالواقع؛ أي تنزيل الآية على المواقف والأحوال اليومية التي تمر بالشخص , هو التمثيل بالقرآن في كل حدث يحصل في اليوم والليلة , بحيث يبقى القرآن حياً في القلب تؤخذ منه الإجابات والتفسيرات للحياة ...
المسألة الثانية : أنواعه :
عفوي , قصدي
العفوي / إلهامات وفتوحات يفتحها الله على من يشاء من عباده
القصدي / هو أن تقوم بالربط ثم التكرار حتى يرسخ ويثبت
والتكرار الذي يحقق الربط نوعان : تكرار آني , تكرار أسبوعي.
المسألة الثالثة : كيفية الربط :
أن تكرر اللفظ مع استحضار معنى جديد في كل مره , حتى تمر على كل المعاني التي يمكن ان تتذكرها من النص أو اللفظ ...
المفتاح التاسع / الترتيل:
الترتيل يعني الترسل والتمهل .
ومن ذلك مراعاة المقاطع والمبادئ وتمام المعنى , بحيث يكون القارئ متفكراً فيما يقرأ...
قال الحسن البصري –رحمه الله- : ( يا ابن آدم كيف يرق قلبك وإنما همتك آخر السورة ! )
قال ابن مفلح -رحمه الله- : ( أقل الترتيل ترك العجلة في القرآن عن الإبانة , وأكمله أن يرتل القراءة ويتوقف فيها)
والصحيح أن من أسرع في القراءة فقد اقتصر على مقصد واحد من مقاصد القراءة وهو : ثواب القراءة .
ومن رتل وتأمل فقد حقق المقاصد كلها وكمل انتفاعه بالقرآن واتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم .
المفتاح العاشــر / الجهر بالقراءة.
عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم : " ليس منّا من لم يتغن بالقرآن يجهربه "
وعنه أيضاً قال أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت أن يجهر بالقرآن)
قال ابن عباس –رضي الله عنه- لرجل ذكر أنه سريع القراءة : ( إن كنت فاعلاً فاقرأ قراءة تسمعها أذنك ويعيها قلبك )
وعن أبي ليلى –رحمه الله- قال: ( إذا قرأت فاسمع أذنيك فإن قلبك عدل بين اللسان والأذن )
إن الجهر بما يدور في القلب أعون على التركيز والانتباه ولذلك تجد الإنسان يلجأ إليه قسراً عندما تتعقد الأمور ويصعب التفكير .
خاتمة البحث:
إن من يواظب على قراءة القرآن كما تم بيانه ووصفه من حال السلف فإن هذا سيؤدي إلى حياة قلبه وقوة ذاكرته وصحة نفسه وعلو همته وقوة إرادته , وهذه هي مرتكزات النجاح الحقيقية , ذلكم النجاح الشامل المتكامل الثابت في حال الشدة كما هو في حال الرخاء .
إن من يطبق هذه المفاتيح العشرة فسيرى بأم قلبه نور القرآن ويصبح من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين مدحهم الله بقوله سبحانه:
{ إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا} (مريم:58)
نسأل الله العظيم بمنه وفضله أن يجعلنا منهم والله الموفق والهادي إلى الصراط المستقيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى صحبه وآله أجمعين...