ذكر بعض فضائل تعلم القرآن الكريم وتلاوته
جاء عنه عليه الصلاة والسلام جملة من أحاديث الفضائل التي تبين عظمة الأجر في هذا القرآن العظيم، وفي الوقت نفسه يرتبط المسلم ارتباطاً وثيقاً بكتاب الله عز وجل إذا أراد أن يغنم الأجر، وإذا أراد أن يمحو الله عنه السيئات، وإذا أراد أن تُرفع له الدرجات. فهذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
ومن أعظم هذه الأحاديث التي وردت ما جاء في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: (أيحب أحدكم أن يغدو إلى بطحان أو إلى العقيق فيأخذ ناقتين كوماوين -أي: سمينتين- زهراوين من غير إثم ولا قطيعة رحم؟ فقال الصحابة: يا رسول الله! كلنا يحب ذلك -لقد شوقهم وعلقهم بالأجر، ثم رسم لهم طريقهم- فقال: لأن يغدو أحدكم إلى بيت من بيوت الله فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل). ونأخذ هذا الحديث لنقدمه في واقعنا، فلو قيل للناس: من ذهب إلى مكان كذا فسيأخذ سيارتين فارهتين من الطراز الحديث والموديلات الجديدة من غير إثم ولا قطيعة رحم ولا مال، ويرجع وهو غانم لهاتين السيارتين كل يوم وكل لحظة كلما أراد، لو قيل ذلك لانصرف الناس إلى ذلك انصرافاً عظيماً، ولتقاتلوا قتالاً عجيباً. فالنبي شوق النفوس وعلقها بهذا الأجر، وقد كانت الناقة الكوماء عندهم ثروة، فقد كانت ثروة الرجل في ذلك الوقت تقدر بما عنده من النوق والجمال، فكان النبي عليه الصلاة والسلام يحثهم ويرغبهم ويعلقهم، ثم يرسم لهم الطريق في حديثه عبر الارتباط بهذا القرآن. هذا فيما يتعلق بشأن الأجر.
أما شأن المراتب العالية فقد ورد حديثه عليه الصلاة والسلام: (يقال لقارئ القرآن يوم القيامة: إقرأ وارق - أي: ارتفع- ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)، فمن أراد الأجر والمثوبة ومن أراد الرفعة في الجنة فطريقه كتاب الله عز وجل، هذا بالنسبة للآخرة. ......
ذكر بعض فضائل صاحب القرآن
وقد ربط المصطفى عليه الصلاة والسلام أمر الدنيا والتقدم فيها والجاه والشرف بالإيمان بكتاب الله عز وجل. ففي صحيح البخاري عن عثمان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، فمن أراد أن تكون له الخيرية في هذه الأمة في مجتمعات المسلمين التي تقوم بتنظيم ميزان الإسلام والإيمان فطريقه أن يكون مرتبطاً بهذا الكتاب تعلماً وتعليماً.
ولذلك ورد في الحديث عن أنس رضي الله عنه ما يدل على أن الصحابة كان صاحب القرآن فيهم معظماً وصاحب شرف ومنزلة، فهو يقول: (كان الرجل إذا حفظ البقرة وآل عمران جد في أعيننا) أي: صار ذا منزلة عالية، وصارت نظرة الناس إليه محترمة وموقرة، وصار هو الذي يُقدم على غيره.
وهذا يبين أن الشرف في الدنيا والشرف في الآخرة طريقه موصول بكتاب الله عز وجل.
ثم ننظر إلى وجه آخر، فبالقرآن يكون التقدم في أمر الدين والتقدم في أمر الدنيا والتقدم في أعظم فريضة بعد التوحيد والركن الثاني من أركان الإسلام وهو الصلاة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله)، فأعظم مؤهل في التقدم لأعظم فريضة جامعة مكررة في اليوم والليلة خمس مرات هو حفظ كتاب الله عز وجل.
ولذلك يروي أحد الصحابة أنه روى لبعض القوم هذا الحديث ثم قال: (فأقيمت الصلاة وليس في القوم أقرأ مني، فصليت بهم إماماً وأنا ابن سبع)، وفي رواية عند البخاري : (أن أحد صغار القراء تقدم فصلى إماماً، وكان ثوبه قصيراً، فقال قائل: غطوا عنا است قارئكم).
وسأضرب أمثلة واقعية حية كثيرة من حياة المجتمعات الإسلامية لتقدم حفظة القرآن في أمر الدين وفي أمر الدنيا ومسألة الولايات والحكم والقضاء وغير ذلك.
جاء في صحيح مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي عامله على مكة في الحج فقال: من خلفت على أهل مكة -أي: من جعلته نائباً لك-؟ قال: خلفت عليهم ابن أبزى. فقال عمر : ومن ابن أبزى؟ فقال: مولى من موالينا. فقال عمر كالمستنكر: أخلفت على أهل مكة مولى؟! وفي رواية البخاري: أخلفت على أهل الوادي مولى؟! يعني: ما وجدت في الأمة من هو مؤهل حتى تدع هذا يتولى هذا الأمر. فتكلم العامل بالمؤهل الأعظم الذي تأهل هذا الرجل به لنيل هذه المنزلة، فقال كلمات قصيرات موجزات، قال: يا أمير المؤمنين! إنه قارئ لكتاب الله. فقال عمر رضي الله عنه في تتمة هذا الحديث: أما إني سمعت رسولكم صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين).
فهذا هو التقدم في شأن الدين والتقدم في شأن الدنيا، فقد ربطهم النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب الله، فمن أراد هذا أو ذاك فطريقه أن يرتبط بكتاب الله حفظاً وتلاوة وتدبراً وعملاً.
ثم كذلك نلمح منهج النبي عليه الصلاة والسلام في ربط الأمة بكل صورة من الصور بكتاب الله، فهذا البخاري يروي لنا قصة فريدة جميلة عجيبة فيها أن امرأة جاءت إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم تعرض نفسها ليتزوجها رسول الله عليه الصلاة والسلام، جاءت تهب نفسها للرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم في مجلس مع أصحابه، وكانت جريئة وصاحبة إيمان، ولم يكن للرسول عليه الصلاة والسلام بها حاجة، فسكت حياءً أن يرد عليها، وطال الصمت، وتأزم الموقف، ودخل الإحراج، فانتهز رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرصة، وأراد أن يقتنص الغنيمة الباردة، فقال: يا رسول الله! زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، وكان متأدباً في سؤاله وطلبه، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (اذهب فالتمس شيئاً -أي: بعض المهر- فذهب ثم عاد فقال: يا رسول الله! لا أجد شيئاً. قال: التمس ولو خاتماً من حديد. قال: ولا خاتماً من حديد. فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ولى الرجل، فقال: ردوه عليَّ. فلما رجع قال: هل معك شيء من القرآن؟ قال: نعم. معي سورة كذا وكذا. فقال: زوجتكها على ما معك من القرآن). ......
الاستشفاء بالقرآن الكريم
والحياة الاجتماعية يربطها النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً بالقرآن، بل يربط أمور الناس كلها به، حتى في مسألة الاستشفاء والعلاج من الأمراض، قال الله عز وجل:
وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ
[الإسراء:82]. وهذا أبو سعيد الخدري -وحديثه في البخاري- يقول: (مررنا على حي من إحياء العرب، فطلبنا أن يضيفونا فأبوا. قال: فذهبنا، فلدغ سيد القوم، فجاءوا إلينا وقالوا: هل منكم من راقٍ؟ قال: قلنا لهم: لا نرقي لكم حتى تعطونا أجراً. قال: فذهب أحدنا فقرأ عليه الفاتحة فبرأ كأنما نشط من عقال. قال: فلما أخذنا ما أعطونا من الغنم ورجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سألناه عن ذلك فقال: وما أدراك أنها رقية؟! إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله عز وجل). ......