عرض مشاركة واحدة
قديم 30-11-07, 02:17 AM   #33
سليمة
~نشيطة~
 
تاريخ التسجيل: 13-01-2007
المشاركات: 341
سليمة is on a distinguished road
افتراضي

هذه قصة رجل آتاه الله كل ألوان المتاع وكل أنواع المال الذي يحلم به المرء في هذه الحياة الدنيا، وبدلاً من أن يشكر ربه على هذه النعم، وينفق منه سراً وجهراً، ويدفعه إلى معرفة حقيقته وضعفه وفقره أمام قوة الله وغناه، نراه يتصف بكل الصفات التي يستحق صاحبها غضب الله وعقابه، وبالتالي تودي به إلى زوال النعمة، وإلى حرمانه منها والعودة إلى سابق عهده، لا يملك شيئاً، بل إن الله تعالى قادر على أن يسلبه صحته وعقله لكي لا يعلم من بعد علم شيئاً، فهو المعطي وهو المانع، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، وهذه حقيقة لا ينبغي أن نغفل عنها قيد أنملة ما دمنا في هذه الحياة الدنيا.

(وقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً)،

وهو استعلاء وتكبر على الخلق بما آتاه الله من فضله، وهو - سبحانه – إذا شاء حرمه فيتساوى مع صاحبه في متاع الدنيا. إنه الجهل بحقيقة هذه الحياة الدنيا، كونها زائلة ولا تدوم لأحد مهما أوتي من علم وقوة وحكمة، وبأنها مجرد فتنة ومحنة

(ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)، وليست اصطفاء ومنحة كما قد يظن الكثير من الغافلين. إن الله تعالى يمتحننا بالقليل كما يمتحننا بالكثير، والذي ينفق من القليل مؤهل بأن ينفق من الكثير أيضاً، والذي يبخل بالكثير سوف يبخل بالقليل حتماً.

كفر بالنعمة واستكبار في الأرض:
إن الذي يستعلي على الناس بما آتاه الله ويفتخر بما لديه من متاع الدنيا يظن بأن الله تعالى قد خصه من دون العباد، وبأن ملكه باق إلى قيام الساعة، وهذا ما يقوله صاحبنا لصاحبه (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه، قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً)، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن حب الدنيا قد أعمى بصيرته، ولم يعد يميز بين الحقيقة والخيال، ولا بين الواقع والمثال. والكثير من الناس يقولونها بواقع الحال وليس بواقع اللسان، حيث تراهم يعقدون كل آمالهم على ثرواتهم وجاههم ونفوذهم، ويظنون بأن هذا هو السند الحقيقي لهم في هذه الحياة الدنيا، بل إنهم يعتقدون بأن هذا السند باق لن يزول ما داموا أحياء يرزقون. والخطير في الأمر أن هذا الإعتقاد يجعلهم يتنمصون من واجباتهم، فلا ينفقون إلا قليلاً، ولا يقومون إلى عباداتهم إلا وهم كارهون. فأمثال هؤلاء لا يمكن أن يجاهدوا بأوقاتهم وأموالهم فضلاً عن أنفسهم (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة)، فالذي يريد الجهاد لابد أن يعود نفسه على النفقة بالوقت والمال .
تكبر واستعلاء وطول أمل وجحود لنعم الله تعالى واعتماد على القوة المادية، كل هذه الصفات نراها تجسدت في هذا الرجل، وهو يتباهى أمام صاحبه، بينما في الطرف الآخر نرى نموذجاً مخالفاً بل ومناقضاً للنموذج الأول.
الإيمان والرضا:

رجل مؤمن راض وقانع بما قسمه الله له، شاكر لأنعم الله متواضع له، واضع يقينه التام وثقته المطلقة في ربه، على أنه هو الرزاق ذو القوة المتين، (قال له صاحبه وهو يحاوره، أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً)، وهو تذكير بأصل الإنسان المهين البسيط، لعله يفيق من غفوة التكبر والاستعلاء على ربه وخلقه، من هذا التراب الذي نطأه ونسير عليه في كل لحظة، ومن نطفة حقيرة أصلها من ماء مهين خرجت من مجرى البول، وهي زيادة في الاحتقار ليعلم هذا الإنسان أصله ومبتدأه، لكي تظل دوماً صورة أمام عينيه تذكره وتحجمه عن التكبر والاستعلاء. (لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحداً)؛ خضوع تام لربه وعبودية مطلقة لخالقه، وهي في مقابل قول الرجل الأول (ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً) كفر بالساعة وتمني على الله بأن يرزقه في الآخرة أفضل مما رزقه في الدنيا. (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) ؛ وهو الدعاء الذي يرمز إلى التواضع والشكر والاعتراف بنعم الله وفضله وقوته، فكل ما عند الإنسان أصله من الله تعالى، وإن كان قد حصل عليه بعمل يديه وعرق جبينه، لأن القوة التي سخرناها للحصول على النتائج إنما هي من الله، كما أن هذه النتائج تحتاج إلى توفيق الله أولاً وأخيراً، ففي النهاية كل نجاح وكل نعمة من الله وحده ..؛
يتبع ان شـاء الله ..
سليمة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس