عرض مشاركة واحدة
قديم 25-10-06, 08:13 PM   #2
أم أســامة
~ كن لله كما يُريد ~
افتراضي

ومكارم الأخلاق كلها خير , وكل مكرمة ترفع صاحبه في درجة أو درجات , ومن اعظمها أثراً في سعادة حياة الأفراد والجماعات : خلق الحلم .

ويكفي الحلم شرفاً أن اسمه أخذ من بين أسماء الفضائل , وسمي به العقل , ومن الحكم الذائعة في كتب الأدب قولهم : ما أضيف شيء على شيء أزين من حلم إلى علم , ومن عفو إلى مقدرة .

يقطع الحلم شراً لو قوبل بمثله لتمادى أو عظم خطره , قال ايوب : حلم ساعة يرفع شراً كبيراً . وقال الأحنف : من لم يصبر على كلمة سمع كلمات , ورب غيظ تجرعته ُ مخافة ما هو شر منه .

وقد يضع الحلم مكان الضغينة مودة , ذلك أن الفضيلة محبوبة في نفسها , وتدعوا إلى إجلال من يتمسك بها و وقد نبه القرآ ن المجيدلهذه الحكمة :{ ادفع بالتى هى احسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم } ( فصلت : 34 )

وبالحلم يحفظ الرجل عن نفسه عزتها , إذ يرفعها عن مجاراة الطائفة التي تلذ المهاترة والإقذاع , كان عروة بن الزبير إذا أسرع إليه أحد بشتم أول قول سوء , لم يجبه وقال : إني اتركك رفعاً لنفسي عنك .

ونرى الناس في جانب الحليم , متى كان خصمه أو مناظرة ينحدر في جهالة , ولايندى جبينه أن يقول سوءاً , قال علي بن أبي طالب : " حلمك على السفيه يُكثر أنصارك عليه "

ومن فضل الحلم أن الرياسة صغيرة كانت أو كبيرة , لا ينتظم أمرها إلا أن يكون الرئيس راسخاً في خلق الحلم , قال معاوية لعرابة بن أوس : بما سدت يا عرابة ؟ قال : يا أمير المؤمنين : " كنت أحلم على جاهلهم , وأعطي سائلهم , وأسعى في قضاء حوائجهم " .

وذلك أن الناس يكرهون جافي الطبع , ولا يجتمعون حول من يأخذه الغضب لأدنى هفوة إلا أن يساقوا إليه سوقاً , فمن قل نصيبه من الحلم قل أنصاره , وذهبتمن قلوب الناس مودته , والرئيس بحق : من يملك القلوب قبل أن يبسط سلطانه على الرقاب .

ثم عن أعز غاية تعمل لها الجماعات : التمتع بنعمة الحرية , ولاتظفر الجماعات بهذه البغية إلا أن يكون الماسك بزمام سياستها على جانب عظيم من الحلم , فإن الحليم هو الذي يقدم الناس على نقد تصرفاته , ويصرحون له بآرائهم فيما لا يرضون من أعمال . أغلظ رجل إلى معاوية بن أبي سفيان القول , فحلم عنه , فقيل له : أتحلم عن هذا ؟ فقال : إني لا أحول بين الناس وبين ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا وبين سلطاننا .

ويعجبني من الشعر المعبر عن الحلم البالغ : أبيات محمد بن عمير المعروف بالمقنع الكندي التي يقول فيها :

وإن الذي بيني وبين بني أبي ...... وبين بني عمي : لمختلف جداً
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم ...... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجداً


حتى قال :

ولا أحمل الحقد القديم عليهم ...... وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا

ونرى الرؤساء الأذكياء , يقصدون إلى الوسائل التي قد تثير غضبهم على طائفة الأمة فيقطعونها .لما انتهت فتنة ابن المعتز , وعاد المقتدر إلى الخلافة , واستوزر علي بن الفرات , حمل إلى هذا الوزير من دار ابن المعتز صندوقان عظيمان فيهما جرائد بأسماء من بايعوا ابن المعتز , فلم يفتحها الوزير , ورمى بهما في النار و وقال : لو فتحتهما وقرأت ما فيهما فسدت نيات الناس علينا .

فسد ابن الفرات بهذه السياسة باب الغضب على أشخاص قد يدفع الغضب عليهم على فتنة لا يدري كيف تكون عاقبتها .

وإذا وجد الناس في التغلب على الغضب عسراً , فغن لدى الرؤساء أولي القوة ما يجعلهم أقرب إلى الحلم من غيرهم , وهو القدرة على الانتقام من المسيء متى شاءوا , فإن القدرة من وراء حاجته .

والشعور بالقدرة على مجازاة المسيء إن لم يؤد إلى الصفح عنه , فإنه يساعد في الاقل على التمهل في العقوبة , فإن اندفاع الرجل على العقوبة عند ثورة الغضب قد يلقي به في العقاب على السيئة بأعظم منها و قال مروان بن الحكم في وصيته لابنه عبدالعزيز عندما ولاه عاملاً على مصر : " إن كان بك غضب على أحد من رعيتك فلا تؤاخذه به عند ثورة الغضب و واحبس عقوبتك حتى يسكن غضبك , ثم يكون منك ما يكون وأنت ساكن الغضب , مطفأ الجمرة " .

وأعظم فوائد الحلم : الفوز برضا الخالق جل شأنه و فإنه قد دعا إليه في آيات كثيرة و قال تعالى : { والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } .وقال تعالى :{ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً } ( الفرقان : 63 ) .

وكثير من المؤمنين يؤذون فيضبطون أنفسهم عند الغضب , ابتغاء رضا الخالق تعالى اسمه .

شتم رجل عمر بن ذر فقال لله : إني أمت مشاتمة الرجل ضغيراً , فلن أحييها كبيراً وإني لا أكافىء من عصى الله فيَّ بأكثر من ان أطيع الله فيه .

وصفوة الحديث :

أن الحلم يحتاج إليه عميد الأسرة في منزله , والتاجر في محل تجارته , والعالم في مجلس دراسته , والقاضي في مقطع أحكامه والرئيس الأعلى في سياسة رعيته و بل يحتاج إليه كل إنسان مادام الإنسان مدنياً بالطبع , لا يمكنه أن يعتزل الناس جملة , ويعيش في وحدة مطلقة .

دار القاسم

بتصرف



توقيع أم أســامة
:

قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : « طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِى صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا »
سنن ابن ماجه .


قـال ابـن رجب ـ رحمـه الله ـ: «من مشى في طاعة الله على التسديد والمقاربة فـليبشر، فإنه يصل ويسبق الدائب المجتهد في الأعمال، فليست الفضائل بكثـرة الأعمـال البدنية، لكن بكونها خالصة لله ـ عز وجل ـ صواباً على متابعة السنة، وبكثرة معارف القلوب وأعمالها. فمن كان بالله أعلم، وبدينه وأحكامه وشرائعه، وله أخوف وأحب وأرجى؛ فهو أفضل ممن ليس كذلك وإن كان أكثر منه عملاً بالجوارح».


" لا يعرف حقيقة الصبر إلا من ذاق مرارة التطبيق في العمل , ولا يشعر بأهمية الصبر إلا أهل التطبيق والامتثال والجهاد والتضحية "

:
أم أســامة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس