الوهاب جل جلاله وتقدست أسماؤهالمعنى اللغوي :
قال ابن سيده : وهب الله الشيء يهبه وهباً ووهباً بالتحريك، ووهبت له هبة وموهبة ووهباً إذا أعطيته. ورجل واهب ووهاب ووهوب ووهابة أي : كثير الهبة لأمواله. والهبة : العطية الخالية من الأعواض والأغراض. والوهاب مبالغة على وزن فعال
وروده في الكتاب العزيز :
ورد الاسم ثلاث مرات في القرآن الكريم، مرة في سورة آل عمران في قوله تعالى: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (آل عمران:8) ،
ومرتين في سورة ص في قوله تعالى : أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (صّ:9) ، وقوله : قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (صّ:35)
معنى الاسم في حق الله سبحانه :
قال ابن جرير في تفسير قوله : إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ يعني إنك أنت المعطي عبادك التوفيق والسداد للثبات على دينك وتصديق كتابك ورسلك.
وقال : الوهاب : لمن يشاء من خلقه، ما يشاء من ملك وسلطان ونبوة.
وقال : إنك وهاب ما تشاء لمن تشاء، بيدك خزائن كل شيء تفتح من ذلك ما أردت لمن أردت
وقال الخطابي : (الوهاب) : هو الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد من غير استثابةأي : من غير طلب للثواب من أحد.
وقال الحليمي : (الوهاب) : هو المتفضل بالعطايا المنعم بها لا عن استحقاق عليه
وقال النسفي : (الوهاب) : الكثير المواهب المصيب بها مواقعها الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته.
آثار الإيمان بهذا الاسم :
1-إن الوهاب هو الله وحده، بيده خزائن كل شيء، الذي له ملك السموات والأرض ومن فيهن قال تعالى : لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (الشورى:50)
قال ابن كثير : يخبر تعالى أنه خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، وأنه يخلق ما يشاء. ثم قال : فجعل الناس أربعة أقسام منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه النوعين ذكوراً وإناثاً، ومنهم من يمنعه هذا وذاك فيجعله عقيماً لا نسل له ولا ولد له، (إنه عليم) أي : بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام، (قدير) أي : على ما يشاء من تفاوت الناس في ذلك
فالله سبحانه يهب ما يشاء لمن يشاء؛ لأنه مالك المالك، وأما العباد فإنهم ملك لله سبحانه، والعبد لا يملك أن يهب شيئاً على الحقيقة. قال تعالى : ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ (النحل: من الآية75) .
2-الفرق بين هبة الخالق والمخلوق :
قال الخطابي رحمه الله : "فكل من وهب شيئاً من عرض الدنيا لصاحبه فهو واهب، ولا يستحق أن يسمى وهاباً إلا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا فكثرت نوافله ودامت، والمخلوقون إنما يملكون أن يهبوا مالاً أو نوالاً في حالٍ دون حال، ولا يملكون أن يهبوا شفاءً لسقيم، ولا ولداً لعقيم، ولا هدىً لضال، ولا عافيةً لذي بلاء، والله الوهاب سبحانه يملك جميع ذلك، وسع الخلق جوده، فدامت مواهبه واتصلت مننه وعوائده"
وأكثر الخلق إنما يهبون من أجل عوض ينالونه، كأن يهب لأجل يمدح بين الناس، أو يهب من أجل الثواب في الآخرة
3-النبوة والكتاب هبة من الله يختص بها من يشاء من عباده، وقد أنكر أقوام الرسل هذا الأمر فحكى الله عن قوم صالح عليه السلام أنهم قالوا : أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (القمر:25) .
وقال سبحانه عن كفار قريش : أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (صّ:8-9).
يقول ابن جرير رحمه الله : "يقول تعالى ذكره .. أم عند هؤلاء المشركين المنكرين وحي الله إلى محمد خزائن رحمة ربك يعني مفاتيح رحمة ربك يا محمد، العزيز في سلطانه، الوهاب لمن يشاء من خلقه ما يشاء من ملك وسلطان ونبوة، فيمنعونك يا محمد ما من الله به عليك من الكرامة، وفضلك به من الرسالة".
وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام : وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ (العنكبوت: من الآية27).
وقال عن موسى عليه الصلاة والسلام : فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (الشعراء: من الآية21).
وقال سبحانه : وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً (مريم:53) 4-الملك والسلطان هبة من الله سبحانه : وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة: من الآية247).
وقال سبحانه : أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (النساء:53-54) وهذا استفهام إنكار أي : ليس لهم نصيب من الملك بله الله وحده هو المالك الذي يهب ما يشاء لمن يشاء.
وقد دعا سليمان عليه الصلاة والسلام ربه : قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (صّ:35) ، دعاه أن يهبه ملكاً لا يكون لأحد من بعده فاستجاب الوهاب سبحانه له : فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (صّ:36-39).
سخر الله له الريح التي تجري بأمره حيث أراد أي : تحمله حيث شاء، والشياطين التي تعمل له ما يشاء من تماثيل ومحاريب وقصور وقدور وجفان، ويغوصون في البحار يستخرجون له اللآلئ. فياله من ملك عظيم يعجز أعظم البشر مالاً وسلطاناً أن يهب شيئاً منه، هَذَا عَطَاؤُنَا (صّ: من الآية39) هذه هبة الله لمن يريد من خلقه .
5-الذرية هبة من الله أيضاً. قال جل ذكره : لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (الشورى:50) وقد مر قريباً كلام ابن كثير عليها.
وقد وهب الله سبحانه بعض الأنبياء الذرية بعد كبر السن ووهن العظم. قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (ابراهيم:39).
وكذا زكريا عليه السلام وهبه الله الولد بعد ما طعن في السن وشاخ، وكانت امرأته عاقراً أيضاً كما بين الله ذلك في مطلع سورة مريم، لكن ذلك لم يمنع زكريا عليه السلام من الطمع في هبة الله الوهاب، فدعا ربه : رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (آل عمران: من الآية38) فاستجاب الله دعاءه : فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (الأنبياء:90) أي : شفى امرأته من العقم، فحملت بيحيى عليه السلام فسبحان الكريم الوهاب.
|