البصير
جل جلاله وتقدست أسماؤه
المعنى اللغوي :
البصر في الخلق : حاسة الرؤية، أو حسن العين، والجمع أبصار، ورجل بصير : مبصر خلاف الضرير وهو فعيل بمعنى مفعل، أو هو بمعنى فاعل، وهو أبنية المبالغة، ورجل بصير بالعلم : عالم به، والبصيرة : العلم والفطنة
ورود الاسم في القرآن الكريم :ورد هذا الاسم في القرآن اثنتين وأربعين مرة "
منها قوله عز وجل : وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة: من الآية233) .
وقوله تعالى : وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران: من الآية15)
وقوله : وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (الحديد: من الآية4)
وقوله سبحانه : مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (الملك: من الآية19) .
معنى الاسم في حق الله تعالى :
قال ابن جرير : يعني جل ثناؤه بقوله : وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (البقرة: من الآية96) والله ذو إبصار بما يعملون، لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، بل هو بجميعها محيط، ولها حافظ ذاكر، حتى يذيقهم بها العقاب جزاءها. وأصل بصير : مبصر، من قول القائل : أبصرت فأنا مبصر، ولكن صرف إلى فعيل، كما صرف مسمع إلى سميع، وعذاب مؤلم إلى اليم، ومبدع السماوات إلى بديع وما أشبه ذلك
وقال الخطابي : البصير هو المبصر، ويقال البصير : العالم بخفيات الأمور
وقال ابن كثير : وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران: من الآية15 ، 20) أي : هو عليم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الضلالة وهو الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون وما ذلك إلا لحكمته ورحمته
وقال الألوسي : وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ أي : خبير بهم وبأحوالهم وأفعالهم
وقال السعدي : (البصير) الذي يبصر كل شيء وإن رق وصغر، فيبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، ويبصر ما تحت الأرضين السبع كما يبصر ما فوق السماوات السبع.
وأيضاً سميع بصير بمن يستحق الجزاء بحسب حكمته، والمعنى الأخير يرجع إلى الحكمة
وعلى هذا يكون لـ (البصير) معنيان :
الأول : أن له بصر يرى به سبحانه وتعالى.
الثاني : أنه ذو البصيرة بالأشياء الخبير بها.
آثار الإيمان باسمه (البصير) :1-إثبات صفة البصر له جل شأنه، لأنه وصف نفسه بذلك وهو أعلم بنفسه
وصفة البصر من صفات الكمال كصفة السميع، فالمتصف بها أكمل ممن لا يتصف بذلك، قال تعالى : قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (الأنعام: من الآية50) .
وقال : مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (هود:24) .
وقد أنكر إبراهيم على أبيه عندما عبد ما لا يبصر ولا يسمع : لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (مريم: من الآية42) .
وقال تعالى موبخاً الكفار ومسفهاً عقولهم لعبادتهم الأصنام التي هي من الحجارة الجامدة التي لا تتحرك ولا تملك سمعاً ولا بصراً : أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا (الأعراف: من الآية195) .
أي : أنتم أكمل من هذه الأصنام لأنكم تسمعون وتبصرون فكيف تعبودنها وأنتم أفضل منها ؟!
قال الأصبهاني : وأما (البصير) فهذا الاسم يقع مشتركاً، فيقال فلان بصير، ولله المثل الأعلى، والرجل قد يكون صغيراً لا يبصر ولا يميز بالبصر بين الأشياء المتشاكلة، فإذا عقل أصر فميز بين الرديء والجيد، وبين الحسن والقبيح، يعطيه الله هذا مدة ثم يسلبه ذلك، فمنهم من يسلبه وهو حي ومنهم من يسلبه بالموت.
والله بصير لم يزل ولا يزول، والخلق إذا نظر إلى ما بين يديه عمي عما خلفه وعما بعد منه، والله تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة في خفيات مظلم الأرض، وكل ما ذكر مخلوقاً به وصفه بالنكرة، فإذا وصف به ربه وصفه بالمعرفة
2-إن الله تبارك وتعالى بصير بأحوال عباده خبير بها بصير بمن يستحق الهداية منهم ممن لا يستحقها، بصير بمن يصلح حاله بالغنى والمال، وبمن يفسد حاله بذلك : وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (الشورى:27) ، وهو بصير بالعباد شهيد عليهم، الصالح منهم والطالح،
المؤمن والكافر، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (التغابن:2) ، إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (الإسراء: من الآية96) بصير خبير بأعمالهم وذنوبهم وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (الإسراء: من الآية17) وسيجزيهم عليها أتم الجزاء.
3-ومن علم أن ربه مطلع عليه استحى أن يراه على معصية أو فيما لا يحب.
ومن علم أنه يراه أحسن عمله وعبادته وأخلص فيها لربه وخشع فقد جاء في حديث جبريل عليه السلام عندما سأل النبي عن الإحسان فقال : (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)
قال النووي رحمه الله : "هذا من جوامع الكلم التي أوتيها لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئاً مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت، واجتماعه بظاهره وباطنه وعلى الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به.
فقال : (اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان، فإن التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه فلا يقدم على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد، فينبغي أن يعمل بمقتضاه، فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى في إتمامه الخشوع والخضوع وغير ذلك)
|