العظيم
جل جلاله وتقدست أسماؤه
المعنى اللغوي :
العظم خلاف الصغر ، عظم يعظم عظماً وعظاماً كبر ، وهو عظيم وعظام.
وعظم الأمر : كبره. وأعظمه واستعظمه : رآه عظيماً ، فهو معظم.
والتعظيم : التبجيل ، والعظمة : الكبرياء .
والتعظيم في النفس : هو الكبر والزهو والنخوة ، والعظمة والعظموت : الكبر.
وروده في القرآن الكريم :
ورد هذا الاسم تسع مرات منها :
1-قوله تعالى : وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (البقرة: من الآية255)
2-وقوله : عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (التوبة: من الآية129)
3-وقوله : اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (النمل:26)
4-وقوله : فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (الواقعة:96) .
معنى الاسم في حق الله تعالى :
قال ابن جرير : "اختلفوا في معنى قوله (العظيم) :
فقال بعضهم : معنى العظيم في هذا الموضع المعظم صرف المفعل إلى فعيل ، كما يقال : العتيق بمعنى المعتق.
فقوله العظيم معناه : الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه.
وقال آخرون : بل تأويل قوله (العظيم) : هو أن له عظمة هي له صفة ، وقالوا : لا نصف عظمته بكيفية ، ولكنا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات ، وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظيم المعروف من العباد ، لأن ذلك تشبيه له بخلقه وليس كذلك.
وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها.
وقالوا : لو كان معنى ذلك أنه معظم ، لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق ، وأن يبطل ذلك عند فناء الخلق ، لأنه لا معظم له في هذه الأحوال.
وقال آخرون : بل قوله إنه (العظيم) وصف منه نفسه بالعظم.
وقالوا : كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر ، لصغرهم ، عن عظمته" أ هـ .
وقال الزجاجي : (العظيم) ذو العظمة والجلال في ملكه وسلطانه عز وجل ، كذلك تعرفه العرب في خطبها ومحاوراتها ، يقول قائلهم : من عظيم بني فلان اليوم ؟ أي من له العظمة والرئاسة منهم ؟ فيقال : فلان عظيمهم ، ويقولون : هؤلاء عظماء القوم أي: رؤساءهم ، وذوو الجلالة والرئاسة منهم.
وقالوا في قوله عز وجل : وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (الزخرف:31) ، تأويله : هلا أنزل هذا القرآن على رجل من رجلين عظيمين من القريتين ؟ أي : كان سبيله أن ينزل على عظيم رئيس ، ولم يريدوا به عظم الخلقة" أ هـ .
وقال الأصبهاني : العظمة صفة من صفات الله ، لا يقوم لها خلق، والله تعالى خلق بين الخلق عظمة يعظم بها بعضهم بعضاً ، فمن الناس من يعظم لمال ، ومنهم من يعظم لفضل ، ومنهم من يعظم لعلم ، ومنهم من يعظم لسلطان ، ومنهم من يعظم لجاه.
وكل واحد من الخلق إنما يعظم بمعنى دون معنيى ، والله عز وجل يعظم في الأحوال كلها.
فينبغي لمن عرف حق عظمة الله ، أن لا يتكلم بكلمة يكرهها الله ، ولا يرتكب معصية لا يرضاها الله ، إذ هو القائم على كل نفسٍ بما كسبت.
وقال ابن الأثير : هو الذي جاوز قدره عز وجل حدود العقول ، حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته
آثار الإيمان بهذا الاسم :
1-إن الله سبحانه هو العظيم المطلق ، فهو عظيم في ذاته ، عظيم في أسمائه كلها ، عظيم في صفاته كلها ، عظيم في سمعه وبصره ، عظيم في قوته وقدرته ، عظيم في علمه ، فلا يجوز قصر عظمته في شيء دون شيء ، لأن ذلك تحكم لم يأذن به الله.
قال ابن القيم رحمه الله في نونيته مقرراً ذلك :
وهو العظيم بكل معنى يوجب
التعظيم لا يحصيه من إنسان.
فمن عظمته في علمه وقدرته أنه لا يشق عليه أن يحفظ السماوات السبع والأرضين السبع ، ومن فيهما كما قال : وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (البقرة: من الآية255) .
2-الفرق بين عظمة الخالق والمخلوق : أن المخلوق قد يكون عظيماً في حال دون حال ، وفي زمان دون زمان ، فقد يكون عظيماً في شبابه ، ولا يكون كذلك عند شيبه ، وقد يكون ملكاً أو غنياً معظماً في قومه ، فيذهب ملكه وغناه أو يفارق قومه وتذهب عظمته معها ، لكن الله سبحانه هو العظيم أبداً.
قال الحليمي في (العظيم) : ومعناه الذي لا يمكن الامتناع عليه بالإطلاق ، لأن عظيم القوم إنما يكون مالك أمورهم ، الذي لا يقدرون على مقاومته ومخالفة أموره ، إلا أنه وإن كان كذلك ، فقد يلحقه العجز بآفات تدخل عليه فيما بيده فتوهنه وتضعفه ، حتى يستطاع مقاومته ، بل قهره وإبطاله ، والله جل ثناؤه قادر لا يعجزه شيء ، ولا يمكن أن يُعصى كرهاً أو يخالف أمره قهراً ، فهو العظيم إذاً حقاً وصدقاً ، وكان الاسم لمن دونه مجازاً" أهـ.
3-على المسلم أن يعظم الله حق تعظيمه ، ويقدره حق قدره ، وإن كان هذا لا يستقصى ، إلا أن على المسلم أن يبذل قصارى ما يملك لكي يصل إليه.
وتعظيم الله سبحانه وتعالى أولاً ، إنما هو بوصفه بما يليق به من الأوصاف والنعوت التي وصف بها نفسه ، والإيمان بها وإثباتها لله، دون تشبيهها بخلقه ، ولا تعطيلها عما تضمنته من معاني عظيمة.
فمن شبه ومثل ، أو عطل وأول ، فما عظم الله حق تعظيمه.
ومن تعظيمه جل وعلا الإكثار من ذكره في كل وقت وحين ، والبدء باسمه في جميع الأمور ، وحمده والثناء عليه بما هو أهل له ، وتهليله وتكبيره.
ومن تعظيم الله سبحانه أن يطاع رسوله : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ (النساء: من الآية64) ، فمن أطاع الرسول فقد أطاع المرسل : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ (النساء: من الآية80) ، ومن عصاه فقد عصى الله .
ومن تعظيم الله سبحانه أن يعظم رسوله ويوقره ، قال تعالى : لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (الفتح:9) ( ).
وأن لا يقدم على كلامه كلام أحد مهما كانت مكانته ، قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الحجرات:1) .
ومن تعظيم الله سبحانه أن يصدق كتابه ؛ لأنه كلامه ، وأن يحكم في الأرض لأنه شرعه الذي ارتضاه للناس أجمعين ، فمن لم يفعل فما عظم الله حق تعظيمه ، بل التحق بأشباهه من اليهود الذين اتخذوا كتاب الله وراءهم ظهرياً واتبعوا شياطين الإنس والجن.
ومن تعظيم الله سبحانه ، أن تعظم شعائر دينه كالصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة وغيرها.
قال تعالى : ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج:32)
ومن تعظيم الله سبحانه أن تجتنب نواهيه ومحارمه التي حرمها في كتابه
أو حرمها رسوله ، قال تعالى : ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ (الحج: من الآية30) ، ومن أعظم ما حرمه الله الشرك بأنواعه ومقابل هذا أن يعمل المسلم بأوامره التي أمر بها ، والتي من أعظمها توحيده وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له.
4-ليس أضل من ذلك الإنسان الذي أبى أن يعبد الله وحده ، وأصر على أن يشرك به ما لا يملك له رزقاً ، ولا يملك له نفعاً ولا ضراً ، من أوثان وأحجار وأشجار ،
أو قبور وأضرحة ، قد صار أصحابها عظاماً نخرة ، فكيف تقضي لهم حاجة ؟ أو تشفي لهم مريضاً ؟ أو ترد لهم غائباً ؟ لكنه العمى والضلال البعيد ، وهم في الآخرة في العذاب الشديد : خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (الحاقة:30-33)
وهذا في المشركين الذين أقروا بخالقهم وخالق السماوات والأرض ، وأنه منزل المطر ومحيي الأرض بعد موتها ، فما بالك بأولئك الشيوعيين الأنجاس الذين أبت نفوسهم العفنة أن تقر بخالقها ورازقها ومدبر أمرها ، والذين يسمون أنفسهم بـ (اليساريين) ، وما أصدق هذه التسمية عليهم فهم أهل اليسار حقاً في الآخرة : وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (الواقعة:41-44) .
4-أمر النبي أن يُسبح بهذا الاسم في الركوع فقال : (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً ، فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء ، فقمن أن يستجاب لكم) ( ).
|