عرض مشاركة واحدة
قديم 25-01-08, 12:35 PM   #36
سليمة
~نشيطة~
 
تاريخ التسجيل: 13-01-2007
المشاركات: 341
سليمة is on a distinguished road
افتراضي

هاهما يواصلان الرحلة ويلتقيان بغلام بريء، سرعان ما انقض عليه العبد الصالح فقتله دون سابق إنذار.

كيف سيكون موقف موسى وهو يرى مقتل غلام صغير لا حول له ولا قوة، ولم يقترف - على الأقل في علمه عليه السلام - ما يستحق به عقوبة القتل على حين غرة؟ كيف سيقبل هذه الجريمة وهو الذي أرسله الله تعالى برسالة الحق لإحياء البشرية والدفاع عن النفس وحمايتها من الاعتداء والظلم - مهما كان نوعه - هاهو يرى هذه الجريمة الشنعاء أمام عينيه، كيف يمكنه السكوت يا ترى؟

وكيف يا ترى سيبرر العبد الصالح لموسى هذه الجريمة الشنعاء - في ظاهرها - وهل سيقبل موسى هذا التبرير؟

أما موسى فلم يتمالك نفسه، كما لم يتمالكها في الموقف الأول وهو أقل شأنا وجرماً من هذا الموقف، حيث صاح في وجه العبد الصالح قائلاً: {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً}، وكلمة نكراً أعظم من كلمة إمراً في حادثة خرق السفينة.

فكان جواب المعلم هو تذكيره بشرط المتابعة: {قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً}، لكن المسألة أكبر من أن تتذكر الشرط، المسألة أعظم وأكبر من هذا، لكنه اعترف بنسيانه وإخفاقه في الامتحان الثاني، وهاهو يضع شرطاً فرضه على نفسه لكي يحاول تغطية هذا الإخفاق والنسيان، لعله يشفع له عند العبد الصالح فيواصل معه المسير؛ {قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً}.

ولكننا نقف ونسبق الأحداث لنعلم سبب هذه الجريمة والحكمة الكامنة وراءها، {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً}، لقد سبق في علم الله الواسع أن هذا الغلام - لو عاش - فلسوف يملأ حياة أبويه طغياناً وكفراً، وسيكون عاقاً لهما ومصدر إزعاج دائم، فكان أمر الله تعالى للعبد الصالح أن يقتله ليريحهما ويستريح هو الآخر، فكان في هذا الأمر خير للأبوين الصالحين المؤمنين وللغلام نفسه، فسبحان الله الخلاق العليم الرحيم.

من هنا تتجلى حكمة الله الواسعة في الكثير من الأحداث، نعيشها أو نراها أمام أعيننا في الواقع المعيش، وعليه ينبغي أن نستسلم لقدر الله وحكمه في كل الأمور، وخاصة ما يتعلق بالمصائب التي تصيبنا.

إن أمر المؤمن كله خير، فإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، فالله سبحانه لا يفعل إلا خيراً وإن كان ظاهر هذا الأمر شراً أو مضرة في أعيننا القاصرة، فهؤلاء الأطفال الذين نراهم في المقابر وقد وارت أجسادهم التراب ورحلوا عن هذه الدنيا وهم بعد في أعمار الزهور، قد نتساءل عن الحكمة وراء هذا الغياب المبكر، ونجد في هذه القصة جواباً على هذا التساؤل وإزالة لهذا اللبس.

وقد يكون المرء حريصاً على بلوغ مقام ما ويتحسر على فوات هذا الأمر عنه، ولكن حينما يمر الزمن يكتشف أنه لو بلغه لحصل له مكروه لن يستطيع الصبر عليه أو تحمله، وهكذا في أمور كثيرة، يتحسر المرء على فقدانها ولكن في ذلك الحرمان الخير العميم.

وهذا ما حصل لهذين الأبوين المؤمنين، حيث أبدلهما الله خيراً من هذا الغلام، وبصرف النظر عن صحة الروايات التي وردت في تفسير هذه الآية، فقد رزقهما الله غلاماً خرج من صلبه العديد من الأنبياء، كانوا دعاة إلى الحق والخير بدلاً من الدعوة إلى الطغيان والكفر.

{فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً}.

قصة الغلامين والكنز المدفون:

نواصل مع آخر محطة من محطات هذه الرحلة العجيبة الغريبة، حيث نتلقى مع موسى عليه السلام نوعاً جديداً من العلم، تمنينا لو طالت هذه الرحلة حتى لا تنقضي هذه الحلقات، وهذه العبر والعظات.

ولكن موسى عليه السلام حكم على نفسه بذلك الشرط المتعجل: {قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً}، فليته سكت - كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لنتعلم أكثر.
يتبع ان شــاء الله..
سليمة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس