عرض مشاركة واحدة
قديم 03-02-08, 10:43 PM   #3
عبد السلام بن إبراهيم الحصين
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: 08-02-2007
المشاركات: 867
عبد السلام بن إبراهيم الحصين is on a distinguished road
افتراضي

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
جواب السؤال الأول:
هذا الموضوع من أهم عقائد المسلم وأخطرها، ولأهميته وخطورته فقد أبانه الله تبارك وتعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم إبانة تزيل عنه الإشكال والغموض، وهو ركن من أركان الإيمان، لا يتم إيمان العبد إلا به.
وقد ضل بسببه عدد من الناس، وانحرفوا عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا بين طرفي نقيض؛ فطرف ألغى القدر كله، وجعل العبد هو الخالق لأفعاله، وأن الله لا يقدر على هداية ولا إضلال أحد، وطرف آخر جعل القدر حجة له على سيء أفعاله، وأن العبد مجبور على كل فعل يفعله.
ودين الله جل وعلا الذي بينه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وسط بين هذين الطريقين.
وهو إثبات المشيئة العامة والقدرة النافذة لله جل وعلا، وإثبات مشيئة خاصة للعبد داخلة ضمن مشيئة الله تعالى.
وقد جمع الله بين هاتين المشيئتين في كثير من الآيات، فقال تعالى: {لمن شاء منكم أن يستقيم، وما تشاؤن إلا أن يشاء الله رب العالمين}، وقال تعالى: {إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا، وما تشاؤن إلا أن يشاء الله إن الله كان عليمًا حكيمًا، يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابًا أليمًا}.
والمخلوقات على نوعين:
النوع الأول: من ليس له إرادة مستقلة، ولا تدبير خاص، بل هو ممتثل لله جل وعلا مطيع له مطلقًا.
والنوع الثاني: له إرادة مستقل، وتدبير خاص.
فالنوع الأول قد كشف له عالم الغيب، فلم يستر عنه شيء، ولهذا كان مسيرًا غير مخير، سائرا في تدبير الله جل وعلا لا يخالفه، يفعل ما أمر به من غير تعب ولا نصب، ولا ملل ولا كلل، يذكر الله ويحمده ويسبح بحمده، كما قال تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}، وقد عرض الله على أكبر مخلوقات هذا النوع أن يحمل التكليف فأشفق منه، وخشي ألا يقوم بحقه، فطلب من الله أن يعفيه من حمله، قال تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها}
وأما النوع الثاني؛ فقد حجب عنه عالم الغيب، وأعطي القدرة على التفكير الحر، والنظر والتأمل، والاختيار وتقرير المصير، وقد عرضت عليه أمانة التكليف فحملها، فجرى عليه قلم الاختبار والابتلاء بحسن العمل أو عدمه.
ومعنى التفكير الحر والإرادة المستقلة: أنه يستطيع أن يتأمل وينظر ويتفكر فيما حوله، ثم يتخذ القرار الذي يراه مناسبًا، دون أن يكون مجبورًا عليه من أحد، قال تعالى: {ألم نجعل له عينين، ولسانًا وشفتين، وهدينه النجدين}، وقال تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا، وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}، وقال تعالى: {وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون}، وقال تعالى: {فلينظر الإنسان مم خلق}، وقال تعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه}.
ثم إن الله تعالى قد أحاط علمه بكل شيء، ومن ذلك علمه بما العباد فاعلون، فهو يعلم ما سيكون عليه حال كل واحد من الخلق، وما هو موقفه من دعوة الرسل له، وبماذا سيقابل آيات الله وبراهينه، وقد كتب كل ذلك في كتاب قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وقدر على كل واحد منا ما سيكون له من دقيق الأمور وصغيرها.
وهذا من كمال علمه وقدرته وقوته وإحاطته بكل شيء.
وهذا العلم والتقدير مخفي عن العباد، لا يعلمونه، ولا يطلعه الله إلا على من شاء من عباده، كما قال تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا، إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا}
والظلم هو عدم إيصال الحق إلى صاحبه، أو وضع الشيء في غير موضعه، والله تعالى قد حرم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرمًا، قال تعالى: {وما ربك بظلام للعبيد}، وقال: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين}، وقال تعالى: {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم..}، وقال تعالى: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
ومثال ذلك: لو أن معلمًا بذل جهده في شرح الدرس لطلابه، وأعلمهم ضرورة المراجعة والحفظ والمتابعة، ثم أهمل بعضهم، واجتهد بعضهم، فعلمه المسبق بنجاح المجتهد، ورسوب المهمل لا يكون حجة على المدرس في ذلك.
والهداية التي يختص بها الله من شاء من عباده ليست خارجة عن قدرة البشر، أي أن كل واحد من الخلق يمكنه أن يتعلم العلم النافع، وينظر في ملكوت السموات والأرض ليرى براهين الحق والصدق شاهدة على وجود الله، ولكن بعض الناس يغلق قلبه عن الوصول إلى هذه الحقيقة، ويغرق في دنياه، ويعجبه رأيه وهواه، وبعض الناس يفتح قلبه لهذه البراهين فيستجيب لداعي الله جل وعلا، وكل ذلك بعلم الله وقدرته.
وقد حكى الله في كتابه احتجاج الكفار بهذه الحجة، وهي التي ذكرتيها في السؤال، كيف يهدي من يشاء ثم يحاسب الكفار؟! فقال تعالى: {وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم}، وقال تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا}، فرد الله عليهم بقوله: {ما لهم بذلك من علم}، وقوله: {قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا} أي ليس عندكم علم بأن الله قد كتب هذا عليكم وقدره، فليس لكم قدرة على تغييره وعدم فعله، ودليل ذلك: أننا خلقنا لكم السمع والبصر والفؤاد، وأرسلنا لكم الرسل، وجعلنا لهم العاقبة، وأهلكنا الأمم المخالفة التي كذبت الرسل، فكل هذا يدل على صدق ما جئناكم به، وأنكم خالفتموه بمحض إرادتكم، ولستم تعلمون ما كتبناه عليكم في اللوح المحفوظ.
ودليل ذلك: أنكم لا تحتجون بهذه الحجة في أمور دنياكم، فلو أن أحدًا اعتدى عليكم، وقال: إن الله هو الذي أجبرني على ذلك، وأني لا فعل لي؛ لما قبلت منه هذه الحجة، وعاقبته بالعقوبة التي يستحقها.
ولو أن شخصًا لم يتزوج،وقال إن الله لم يكتب لي الولد، لقيل له: تزوج ثم انظر هل يأتيك الولد أم لا.
ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((ما منكم من أحد إلا كتب مقعده من الجنة والنار))، قالوا له: ففيم العمل؟، أي: ما الفائدة من العمل وقد فرغ من أمرنا، أجابهم بقوله: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فأهل السعادة ميسرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة ميسرون لعمل أهل الشقاوة))، قال تعالى: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى}
أي إن الجزاء لا يكون إلا على عمل، وكل واحد ميسر لما خلق له، وهو قادر على الفعل وعدمه.
وهذا التقدير الذي كتبه الله على عباده، مع مطالبتهم بالعمل فيه حكم عظيمة، منها:
1- كمال علم الله وقدرته وإرادته النافذة، فيتصاغر العبد أمام هذه القوة والعظمة، ويعرف قدر ربه جل وعلا.
2- الإكثار من الحمد والشكر على نعمة الهداية، التي وفقك الله لها، وصد عنها كثيرًأ من الناس، فمع أنك قد اهتديت إلى الله بعقلك، إلا أن الله هو الذي وفقك لهذه الهداية.
3- ظهور عجز العبد وفقره وأنه غير خارج عن إرادة الله.
4- إقامة الحجة على العباد حيث مكنهم من التفكير، ومن الاختيار.
وغير ذلك من الحكم.

جواب السؤال الثاني:
لا تعارض بين الحديث وواقع النبي صلى الله عليه وسلم، فالزهد الحقيقي هو أن تترك المال مع قدرتك عليه ووجوده بين يديك، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم عنده مال، ولكنه كان يصرفه في وجوه الخير، ويتقلل من الدنيا وزينتها؛ لأنه كان عبدا رسولا، وأما ا لحديث فمعناه أن المال قوام الحياة، وبه تحصل المنافع الكثيرة العظيمة، ولهذا إذا وقع في يد العبد الصالح فإنه سيضعه في موضعه الصحيح، فتكون له آثار حميدة طيبة.
والله أ‘علم
عبد السلام بن إبراهيم الحصين غير متواجد حالياً